طرح الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، الذي غادر منصبه في عام 2014، في مقالة بعنوان «انهيار النظام الدولي القائم على القواعد في غزة»، أسئلة تتمحور حول ما إذا كان العالم ملزَماً بالحفاظ على ترتيب معيّن لقواعد «القانون الدولي» القائم على «القيم المشتركة»، أم أن هذه «القيم» فقدت أيّ معنى لها. وفي مقالته المنشورة بالإنكليزية على موقع منظّمة «بروجيكت سنديكايت»، يستعيد غول أحد أيام تشرين الأول من عام 2007، عندما وجد نفسه يقود سيارة رفقةَ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، في الطريق إلى البرلمان التركي، حيث ألقى كلّ منهما خطاباً أمام النواب، مذكّراً بأنه كان له «الشرف» في أن يستضيف الزعيمَين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن يدافع عن «حلّ الدولتين»، و«السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن غول أصيب، سريعاً، كما يقول، بـ«خيبة أمل، بعدما أطفأت إسرائيل حلم السلام بعد ذلك بوقت قصير، عبر فرْض حصار برّي وبحري وجوي على غزة».وبعد 16 عاماً، حدثت عملية «طوفان الأقصى»، التي يصفها الرئيس السابق بأنها «نقطة تحوُّل في العلاقات التركية – الإسرائيلية، ستكون لها آثار بعيدة المدى على الصعد الإقليمية والدولية»، متسائلاً: «هل نحن ملتزمون حقاً بالحفاظ على ترتيب دولي قائم على قواعد متجذّرة في القيم المشتركة، أم أنّنا سنكون أمام عالم مجزّأ ومستقطَب، حيث تصبح هذه القيم وكأنّما عفا عليها الزمن؟». ولكن، منعاً لإساءة الفهم، يسارع غول إلى التوضيح: «(أنا) ضدّ قتل المدنيين في كلا الجانبَين. فلا يجب تأييد حماس لقتْلها المدنيين الإسرائيليين، كما أن ردّ الفعل غير المتناسب لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لن يؤدّي إلّا إلى مزيد من أعمال العنف والمعاناة في جميع أنحاء المنطقة. وما حدث في غزة لم يكن مفاجئاً، لأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والتوسّع الخبيث وغير القانوني للمستوطنات في الضفة الغربية، هو ما يزيد من محنة الفلسطينيين». ويرى أن «اعتياد العالم على هذا الوضع، كان سوء تقدير تاريخياً، أدّى إلى تحريك الصراع الحالي».
يَذكر غول أيضاً، أنه كوزيرٍ للخارجية، ورئيس للجمهورية، شاهَدَ بأمّ العين الإحباط في عيون الفلسطينيين، ليستنتج من ذلك أن «الحلّ الوحيد القابل للحياة، هو حلّ الدولتَين، وتعايش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب». كما يلفت إلى أن «الممارسات الحالية لإسرائيل تولّد المزيد من اليأس في صفوف الفلسطينيين، وكلّها لا تتوافق مع اتفاقيات جنيف وملحقاتها، إذ إنها ممارسات ترقى إلى جريمة حرب، وسوف يحاسب التاريخ أولئك المجرمين». وإذ يذكّر بأن إسرائيل لا تزال تحتفظ بالدعم الغربي، ولا سيما دعم الولايات المتحدة، فهو يرى أنّ على قادة هذه الدول أن ينبّهوا أنفسهم إلى «(أنّنا) إذا لم ندعم القانون الدولي في فلسطين، فلا يمكن الدفاع عنه في أوكرانيا، لأنه لن تبقى مصداقية لشيء». ويرى، في المقابل، أنّ «المبادرة العربية للسلام» لعام 2002، والتي أقرّتها أيضاً «منظمة التعاون الإسلامي»، ومن ضمنها إيران، لا تزال «مساراً قابلاً للتطبيق، وإطاراً واقعيّاً لدعم حقوق الفلسطينيين. لكن يجب أولاً وقْف إطلاق النار ووقف إراقة الدماء». ويختم مقالته قائلاً: «اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، يجب أن نعتمد على البوصلة الأخلاقية للقانون الدولي لتوجيه أفعالنا».
وفي الموازاة، يتواصل التصعيد التركي ضدّ إسرائيل، على لسان الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي كانت له مجموعة من المواقف المندّدة؛ إذ تساءل، في اجتماع لنواب كتلة حزبه، «العدالة والتنمية»، عمّا إذا كانت إسرائيل تمتلك قنبلة نووية أم لا، ليجيب: «إنّهم لن يصرّحوا بما هو موجود لديهم». ولكنه مع ذلك، توجّه إلى نتنياهو، بالقول: «مهما امتلكتَ من قنابل نووية، فإن نهايتك آتية لا ريب فيها». وسأل إردوغان أيضاً عن «رجال الدولة في الغرب الذين دافعوا عن حرية التعبير في مسألة الرسوم المسيئة للرسول في «شارلي إيبدو»، وتظاهروا استنكاراً لمقتل 23 شخصاً؛ أين هم الآن بعد مقتل أكثر من 11 ألف مدني في غزة؟ هيّا سيروا من أجل هؤلاء. أما من ضمير وعدالة عندكم؟ القضية هي مسألة هلال وصليب. هكذا ننظر إلى القضية».
ومن جهته، سارع نتنياهو إلى الردّ على اتهامات إردوغان لإسرائيل، قائلاً، على لسان الناطق باسمه، أوفير غينديلمان، إنّ «البعض يقول إن إسرائيل دولة إرهابية، فيما هو يدعم منظّمة إرهابية ويقصف القرى التركية، ولن نأخذ منه درساً». وعلى إثر ذلك، عادت الخارجية التركية وردّت على الناطق الإسرائيلي بالقول إن «الافتراءات الموجّهة ضدّ إردوغان لن تخفي الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ أهل غزة. إنّ القاتلين والمحرّضين على جرائم غزة سوف يُحاكَمون أمام الرأي العام الدولي والقضاء على ما ارتكبوه من جرائم. وتركيا ستبقى دائماً إلى جانب الشعب الفلسطيني في غزة».