خامنئي لهنية: إيران ستواصل تقديم دعمها السياسي والمعنوي للحركة (Getty)

قال ثلاثة مسؤولين كبار إنّ المرشد الأعلى الإيراني وجّه رسالة واضحة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس عندما التقيا في طهران في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، مشيراً إلى أن “حماس” لم تبلغ إيران بهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول على إسرائيل، وبالتالي، فإن الجمهورية الإسلامية لن تدخل الحرب نيابة عنها.

وقال المرشد الأعلى خامنئني ، لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، إن إيران ستواصل تقديم دعمها السياسي والمعنوي للحركة، لكن من دون التدخل مباشرةً، بحسب المسؤولين، وهم من إيران و”حماس” مطلعين على المناقشات، وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، حتى يتسنى لهم التحدث بحرية.

وذكر مسؤول من “حماس” لـ”رويترز” أن الزعيم الأعلى الإيراني حثّ هنية على إسكات تلك الأصوات في الحركة الفلسطينية التي تدعو علناً إيران وحليفتها اللبنانية القوية جماعة حزب الله إلى الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل بكامل قوتهما.

وأكدت ثلاثة مصادر قريبة من حزب الله أن الجماعة فوجئت أيضاً بالهجوم الذي شنته “حماس” الشهر الماضي، والذي أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي، وأنّ مقاتلي الجماعة لم يكونوا في حالة تأهب حتى في القرى القريبة من الحدود التي شكلت الخطوط الأمامية في حربها مع إسرائيل عام 2006، وكان لا بد من استدعائهم بسرعة. وقال قيادي في حزب الله: “لقد استيقظنا على الحرب”.

وتخوض جماعة حزب الله أعنف اشتباكات مع إسرائيل منذ 17 عاماً. واستهدفت فصائل مسلحة مدعومة من إيران القوات الأميركية في العراق وسورية. كذلك، أطلق الحوثيون (أنصار الله) في اليمن صواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل.

وتمثل الحرب على غزة أيضاً اختباراً لقدرات التحالف الإقليمي الذي يضمّ النظام السوري وحزب الله وحماس وجماعات مسلحة أخرى من العراق إلى اليمن، في ما يسمى “محور المقاومة” أو “محور الممانعة” وسط اختلاف الأولويات والتحديات في ما بينهما.

وقال الخبير في شؤون حزب الله في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، مهند الحاج علي، إنّ هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر ترك شركاءها في “محور المقاومة” أمام خيارات صعبة في مواجهة خصم يتمتع بقوة عسكرية متفوقة بكثير. وقال: “عندما توقظ الدب بمثل هذا الهجوم، فمن الصعب جداً على حلفائك أن يتخذوا موقفك نفسه”.

“حماس” تطلب مساعدة “محور المقاومة”

تقاتل “حماس” التي تسيطر على السلطة في قطاع غزة من أجل البقاء في مواجهة انتقام إسرائيل، التي تعهدت بالقضاء على الحركة وشنّت هجوماً على القطاع الصغير أدى إلى استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني.

وفي السابع من أكتوبر، دعا قائد الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، الحلفاء في “محور المقاومة” للانضمام إلى النضال. وقال في رسالة صوتية: “يا إخواننا في المقاومة الإسلامية في لبنان وإيران واليمن والعراق وسورية، هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين”.

وبدا الإحباط في تصريحات علنية بعد ذلك لقادة “حماس”، ومن بينهم خالد مشعل، الذي شكر حزب الله في مقابلة تلفزيونية يوم 16 أكتوبر، وقال: “حزب الله قام مشكوراً بخطوات، لكنّ تقديري أنّ المعركة تتطلب أكثر، وما يجرى لا بأس به، لكنّه غير كافٍ”.

ويرى ستة مسؤولين على دراية مباشرة بتفكير طهران، رفضوا الكشف عن أسمائهم بسبب حساسية الأمر، أنّ إيران زعيمة التحالف لن تتدخل مباشرةً في الحرب على غزة ما لم تتعرض هي نفسها لهجوم من إسرائيل أو الولايات المتحدة.

وقال المسؤولون إنّه بدلاً من ذلك، يخطط حكام إيران لمواصلة استخدام “محور المقاومة” من الحلفاء المسلحين، بما في ذلك حزب الله، لشنّ هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف إسرائيلية وأميركية في أنحاء الشرق الأوسط. وأضافوا أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إظهار التضامن مع “حماس” في غزة وإرهاق القوات الإسرائيلية من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل يمكن أن تستقطب الولايات المتحدة.

وقال الدبلوماسي الأميركي الكبير السابق المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، دنيس روس، الذي يعمل الآن في معهد أبحاث واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “هذه هي طريقتهم في الردع… طريقة تقول: انظروا، ما لم تهاجمونا، فستبقى الأمور على هذا الوضع. لكن إذا هاجمتمونا سيتغير كل شيء”.

وقالت إيران مراراً إنّ جميع أعضاء المحور يتخذون قراراتهم بشكل مستقل.

 مشاكل “حزب الله” الداخلية

تبادل “حزب الله” أقوى شريك في “محور المقاومة”، والذي يضم 100 ألف مقاتل، إطلاق النار مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر الحدود بشكل يومي تقريباً منذ دخلت “حماس” في الحرب مع إسرائيل، وأدى ذلك إلى استشهاد أكثر من 70 من عناصر “حزب الله”. مع ذلك، تجنب الحزب مثل إيران الداعمة له المواجهة الكاملة.

وقالت مصادر مطلعة على تفكير “حزب الله” إن الجماعة جعلت هجماتها محسوبة بطريقة أبقت العنف محدوداً إلى حد كبير في شريط ضيق من الأراضي على الحدود، حتى مع تصعيد تلك الضربات في الأيام القليلة الماضية.

وقال أحد المصادر إن “حماس” تريد من “حزب الله” أن يشنّ ضربات أعمق داخل إسرائيل بترسانته الهائلة من الصواريخ، لكن الحزب يعتقد أن هذا سيدفع إسرائيل إلى تدمير لبنان من دون وقف هجومها على غزة.

ويدرك “حزب الله”، وهو أيضاً حركة سياسية منخرطة في شؤون الحكومة اللبنانية، أن لبنان لا يستطيع تحمل حرب أخرى مع إسرائيل، بعد أكثر من أربع سنوات من الأزمة المالية التي أدت إلى تفاقم الفقر وأضعفت المؤسسات الحاكمة في البلاد.

واستغرق لبنان سنوات لإعادة البناء بعد حرب عام 2006 التي قصفت خلالها إسرائيل جنوبيّ البلاد الذي يسيطر عليه حزب الله ودمرت مساحات واسعة من معقله في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، فضلاً عن استهداف مناطق أخرى في شمال البلاد وشرقها ووسطها.

وقال الأمين العام للجماعة حسن نصر الله، في خطاب ألقاه في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إنّ “حماس” أبقت هجومها على إسرائيل سراً عن حلفائها، وهذا ما ضمن نجاحها، ولم “يزعج أحداً” في “محور المقاومة”. وأضاف أنّ هجمات “حزب الله” على الحدود الإسرائيلية لم يسبق لها مثيل، وكانت بمثابة “معركة حقيقية”.

مهاجمة أميركا

الولايات المتحدة أيضاً حريصة على تجنب أن تمتد رقعة الحرب إلى ما هو أبعد من غزة، فبعد أن خاضت حربين مكلفتين في العراق وأفغانستان على مدى العقدين الماضيين، تجد نفسها الآن تمول الدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي.

ويسعى الرئيس جو بايدن حتى الآن لحصر الدور الأميركي في أزمة غزة بالأساس في ضمان المساعدات العسكرية لإسرائيل. كذلك حرك حاملتي طائرات ومقاتلات إلى شرق البحر المتوسط في خطوة تهدف في جانب منها إلى تحذير طهران.

وتصاعد التوتر مع شنّ ما لا يقل عن 40 هجوماً بطائرات مسيّرة وصواريخ على القوات الأميركية من جانب فصائل المحور في العراق وسورية منذ بدء حرب غزة رداً على الدعم الأميركي لإسرائيل، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية. ويقول المسؤولون الأميركيون إنّ الولايات المتحدة نفذت ثلاث مجموعات من الضربات الانتقامية ضد منشآت في سورية تستخدمها فصائل مسلحة مرتبطة بإيران.

وحذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، يوم الاثنين، من خطر فتح جبهة رئيسية أخرى في الصراع.

وقال في مؤتمر صحافي في سيول: “ما رأيناه طوال هذا الصراع وطوال هذه الأزمة، تراشق متبادل بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية”. وأضاف: “لا أحد يريد أن يرى صراعاً آخر يندلع في الشمال”.

إسرائيل تنظر إلى الشمال

شدد أوستن على ضرورة تجنب أي تصعيد إقليمي عندما تحدث مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت مطلع الأسبوع، بحسب نص المكالمة.

وقال مصدران أمنيان إسرائيليان، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، إن إسرائيل لا تسعى لاتساع رقعة الأعمال القتالية، لكنهما أضافا أنها مستعدة للقتال على جبهات جديدة إذا لزم الأمر لحماية نفسها. وقالا إن مسؤولي الأمن يعتبرون أن التهديد المباشر الأقوى لإسرائيل يأتي من “حزب الله”. والعداء عميق بين إسرائيل وإيران.

ولا تعترف إيران بوجود إسرائيل، فيما تهدد إسرائيل منذ فترة طويلة بالقيام بعمل عسكري ضد إيران إذا فشلت الدبلوماسية في الحد من نشاطها النووي المثير للجدل.

ويقول المتخصص في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كريم سجادبور، إنه في الأزمة الحالية قد يتغلب صوت الواقعية السياسية بالنسبة إلى طهران. ويضيف: “لقد أظهرت إيران التزاماً على مدى أربعة عقود بمحاربة أميركا وإسرائيل من دون الدخول في صراع مباشر. وترتكز الأيديولوجيا الثورية للنظام (الإيراني) على معارضة أميركا وإسرائيل، لكن قادتها ليسوا انتحاريين، بل يريدون البقاء في السلطة”.

(رويترز)