مع اقترابنا من يوم الانتخابات، يشعر أغلب الأميركيين بالغضب والإرهاق والسخط، إزاء الوضع الحالي للسياسة في البلاد. ويقول 4 في المائة فقط إن النظام السياسي يعمل «بشكل ممتاز»، أو حتى «بشكل جيد جداً». ويقول 16 في المائة إنهم يثقون بالحكومة الفيدرالية دائماً أو أغلب الوقت، وهو انخفاض تاريخي يعود إلى ما يقرب من 70 عاماً. فقد اقتربت الثقة بالكونغرس من أدنى مستوياتها.
لكن ما يبشر بالخير هو أن عصور الاستياء واسع النطاق غالباً ما تكون عصور الإصلاح السياسي الكبير. وفي حين يتركز كل الاهتمام تقريباً على السباق الرئاسي، فإن الأميركيين في عدد من الولايات سوف يصوتون أيضاً على بعض من أهم مجموعات الإصلاحات السياسية منذ عقود. وتشكل تدابير الاقتراع هذه مجتمعة – في الولايات الحمراء والزرقاء والأرجوانية – استفتاء رئيسياً حول ما إذا كان بوسعنا الحد من التطرف السياسي عبر التغيير المؤسسي.
تهدف هذه المقترحات إلى جعل النظام السياسي أكثر استجابة لتفضيلات غالبية الناخبين، بدلاً من الاستمرار في نظام بات فريسة سهلة للأقليات الطائفية.
من شأن الإصلاح الرئيسي على ورقة الاقتراع في ست ولايات وواشنطن العاصمة، أن يقضي على الانتخابات التمهيدية التقليدية للأحزاب. لقد أصبحت الانتخابات التمهيدية تشكل قوة بالغة الأهمية في دفع السياسة إلى أقصى حدودها، وجعل الحكم أكثر صعوبة. نسبة المشاركة في الانتخابات التمهيدية النصفية منخفضة بشكل مُلاحظ؛ إذ بلغت نحو 14 في المائة من الناخبين المؤهلين عام 2014، ونادراً ما تجاوزت 20 في المائة في العقد الماضي (سجل عام 2022 ارتفاعاً بنسبة 21 في المائة). فضلاً عن ذلك، فإن الدراسات تؤكد أن ناخبي الانتخابات التمهيدية يميلون إلى عدم تمثيل الناخبين في الانتخابات العامة. فهم أكبر سناً وأكثر ثراء وأكثر بياضاً، وهناك المزيد من الجدل حول ما إذا كان ناخبو الانتخابات التمهيدية أكثر تطرفاً من الناحية الآيديولوجية، ولكن آخر التحليلات للانتخابات النصفية الثلاث الماضية تخلص إلى أنهم كذلك.
الأمر الأكثر أهمية أن الساسة يعتقدون بكل تأكيد أن ناخبي الانتخابات التمهيدية أكثر تطرفاً، وأن المسؤولين في السلطة يتصرفون وفقاً لذلك. ويستند البحث في كتاب صدر عام 2020 بعنوان: «رفض التسوية: خوف المشرعين من ناخبي الانتخابات التمهيدية»، إلى مقابلات مع عشرات من أعضاء الكونغرس والمجالس التشريعية بالولايات، الذين قالوا إنهم يعرفون أن «ناخبي الانتخابات التمهيدية من المرجح أن يعاقبوهم على تقديم تنازلات أكثر من الناخبين العاديين أو المتبرعين».
تحدد هذه الانتخابات التمهيدية – منخفضة الإقبال وغير الممثلة – المرشحين من كل حزب. وفي الانتخابات العامة، سوف يتعين على الناخبين أن يختاروا بين مرشحين قد لا تحبذهم سوى فئة صغيرة من الناخبين. وفي المقاعد الآمنة، لا يوجد حافز لدى ناخبي الانتخابات التمهيدية في الحزب المهيمن للقلق من أن مرشحهم، حتى ولو كان شخصية متطرفة آيديولوجياً، فقد يخسر في الانتخابات العامة.
الواقع أن شاغلي المناصب يخشون أن يتم «ترشيحهم» من قبل الأجنحة المتطرفة من ناخبي الانتخابات التمهيدية. ولتفادي ذلك، فإنهم غالباً ما يتبنون مواقف أكثر تطرفاً. وكما وجدت استطلاعات الرأي في كتاب «رفض التسوية»، فإن هذا يقودنا إلى المشرعين الذين يمثلون «المواقف العنيدة التي تتخذها مجموعة فرعية من ناخبيهم على حساب أفضليات الناخبين الأوسع نطاقاً». وكان روب بورتمان، عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية أوهايو، والذي تقاعد بدلاً من مواجهة الانتخابات التمهيدية، قد قال الشيء نفسه.
كما يمكن أن تؤدي الانتخابات التمهيدية التقليدية للحزب أيضاً إلى استبعاد المرشحين الذين تفضلهم أغلبية ناخبي الانتخابات العامة، ولكن لا يمكنهم تجاوز الانتخابات التمهيدية للحزب؛ فالصفات ذاتها التي تمنحهم جاذبية واسعة في الانتخابات العامة غالباً ما تكون بمثابة لعنة بالنسبة لناخبي الانتخابات التمهيدية في الحزب. فالمعتدلون الذين يتمتعون بجاذبية واسعة النطاق كثيراً ما يختارون عدم خوض الانتخابات بالمقام الأول لعدة أسباب، من بينها صعوبة التغلب على ناخبي الانتخابات التمهيدية.
ومن أجل استعادة مبدأ حكم الأغلبية، سوف يصوت الناخبون في أريزونا، وكولورادو، وأيداهو، ومونتانا، ونيفادا، وداكوتا الجنوبية على تدابير الاقتراع التي من شأنها أن تستبدل بالانتخابات التمهيدية التقليدية، انتخابات أولية موحدة وواحدة يتنافس فيها جميع المرشحين (وقد وافق الناخبون في نيفادا بالفعل على هذا التغيير مرة واحدة، ولكن هناك حاجة إلى موافقة ثانية لكي يدخل حيز التنفيذ). ثم يذهب المرشحون القليلون الأوائل (الأربعة أو الخمسة الأوائل عادة) إلى الانتخابات العامة. وهذا يضمن أن المرشحين الذين سيحظون بجاذبية كبيرة في الانتخابات العامة لن يتم إقصاؤهم قبل الأوان في المرحلة التمهيدية المبكرة.
من أجل الفوز في الانتخابات العامة، يجب أن يحصل المرشح على أغلبية الأصوات (وليس فقط تعددية الأصوات). توفر إجراءات الاقتراع المختلفة طرقاً مختلفة لتحديد الفائز، ولكن بقطع النظر عن التفاصيل، فإن الغرض الأساسي منها جميعاً هو ضمان الفوز للمرشحين الذين يحصلون على أوسع دعم انتخابي.
بدأت ألاسكا في استخدام هذا النظام في عام 2022، وقد نجح كثيراً كما كان يأمل الإصلاحيون. وفي السباق الأكثر أهمية، أُعيد انتخاب عضو مجلس الشيوخ السيناتور ليزا موركوفسكي، وهي عضو جمهوري حالي. وقد حصلت على دعم واسع النطاق في ألاسكا، ولكنها ربما لم تكن لتنجو في الانتخابات التمهيدية التقليدية للحزب الجمهوري في الولاية؛ فقد كانت واحدة من اثنتين من الجمهوريين، والأخرى هي النائبة ليز تشيني من ولاية وايومنغ، وهما اللتان سعى الرئيس السابق دونالد ترمب إلى هزيمتهما بأقصى قدر من القوة. ولكن السيدة موركوفسكي كانت في الانتخابات التمهيدية الموحدة الجديدة واحدة من أفضل أربع شخصيات تحصل على الأصوات، وقد نجحت في الوصول إلى الانتخابات العامة، حيث جعلها دعمها الواسع النطاق فائزة بالأغلبية. في مجلس الشيوخ، هي واحدة من المراكز الهامة في عقد الصفقات بين الحزبين.
كانت النتيجة مماثلة في الهيئة التشريعية في ألاسكا. أما المرشحون الذين كادوا يخسرون في الانتخابات التمهيدية التقليدية فقد فازوا بدلاً من ذلك، في ظل جاذبية انتخابية واسعة النطاق. والأهم من ذلك، أن العملية التشريعية في ألاسكا أصبحت أقل إثارة للخلاف والانقسام، مع قيام بعض هؤلاء المرشحين الناجحين بأدوار أساسية في تشكيل تحالفات عبر الأحزاب بشأن القضايا المهمة.
مع ذلك، فإن قادة الأحزاب السياسية والعديد من المسؤولين المنتخبين لا يحبون التحول إلى الانتخابات التمهيدية الموحدة؛ لأنها تسلب بعض سيطرة الحزب. إنهم يحاولون إقناع الناخبين في ألاسكا بإلغاء هيكل الانتخابات التمهيدية الموحد الجديد من خلال إجراء اقتراع آخر هذا الخريف؛ ما من شأنه أن يمنح الناخبين فرصة للتعبير مباشرة عن آرائهم حول كيفية عمل النظام الجديد في الممارسة العملية.
بالمثل، تهدف مقترحات الإصلاح السياسي الرئيسية الأخرى المتعلقة بالاقتراع في الأسبوع المقبل في ولايات أخرى إلى استعادة مبدأ حكم الأغلبية. تحافظ ولاية أوريغون على الانتخابات التمهيدية التقليدية للأحزاب، لكن الناخبين سيقررون ما إذا كانوا سيستخدمون التصويت بالاختيار المباشر للمناصب الفيدرالية والمناصب التنفيذية للولاية. يتطلب التصويت بحسب التصنيف أن يفوز المرشح بأغلبية الأصوات، بدلاً من التعددية فقط، وهو وسيلة أخرى للحد من خطر فوز المرشحين الأكثر فئوية والمتطرفين رغم عدم وجود دعم حقيقي للأغلبية.
يشكل تقسيم الدوائر الانتخابية على أسس حزبية وسيلة أخرى تستطيع الأقليات السياسية من خلالها بسط السيطرة على الهيئات التشريعية. كانت ولاية أوهايو واحدة من أكثر الولايات انقساماً على أسس حزبية في السنوات الأخيرة، وإجراء الاقتراع هناك – مع المؤيدين الرئيسيين مثل رئيس المحكمة العليا السابقة في أوهايو، وهو جمهوري – من شأنه أن يحظر تقسيم الدوائر الانتخابية على أسس حزبية، وسحب التقسيم من أيدي الساسة وتسليمه إلى لجنة مستقلة.
تشير الدراسات إلى أن الأميركيين قد يكونون أقل استقطاباً من أعضاء الكونغرس. لن تحل المبادرات التي سيتم طرحها على ورقة الاقتراع في الأسبوع المقبل جميع مشاكل السياسة الأميركية، لكنها على الأقل يمكن أن تبدأ في تقليص بعض القوى التي تبقي الكثير من الأميركيين بعيدين عن العملية الديمقراطية.
* خدمة «نيويورك تايمز»
كُتّاب الشرق الأوسط
المزيد
الأكثر قراءة
اليوم
الأسبوع
1
أكبر ميزانية عسكرية في تاريخ إسرائيل
2
ميقاتي يوجّه بتقديم شكوى لمجلس الأمن بشأن اختطاف مسؤول في «حزب الله»
3
كوماندوز إسرائيلي يختطف «مسؤولاً بحرياً» في «حزب الله»
4
«الشرق الأوسط» تكشف تفاصيل جديدة عن تحركات السنوار خلال الحرب
5
بري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل رفضت العرض اللبناني لوقف النار