أصدرت الأمانة العامة للمسار الديمقراطي السوري بيانا ختاميا حول انعقاد مؤتمره التأسيسي تضمن عددا من المبادئ التي ستنظم حركته وتوجهه. قال البيان:
ومن أجل أن توضع سوريا من جديد على المسار الديمقراطي، يؤكد المؤتمر على الحقائق التالي التي سنبذل كل الجهود من أجلها:
– وحدة سوريا أرضاً وشعباً، لأن الحفاظ على وحدة البلاد هو الأساس في أي حلّ سياسي، وهو ما يجب أن يشكّل قاعدة لأي عملية تفاوضية.
– الانتقال السياسي عبر الأمم المتحدة والقرارات الدولية، وخاصة القرار 2254، وتوسيع تمثيل السوريين وتعزيز وزنهم الذي يمثل الإطار القانوني المعتمد لتحقيق التسوية السياسية بين جميع الأطراف.
– التأكيد على الهوية الوطنية السورية التي تسمو على الهويات الفرعية وتحتضنها.
– إن لمسار الديمقراطية والتقدم علاقة طردية مع تمكين المرأة، ولن يبلغ التغيير مداه من دون ذلك، وفي الوقت نفسه، إذا كان هذا القرن قرناً لإنجاز المساواة الجندرية، فيجدر بنا أن نكون في قلب تلك الحركة.
– التأكيد على دور الشباب ومساهمتهم في صنع القرار وضرورة تمثيلهم في الهيئات المنبثقة عن المسار لاستثمار طاقاتهم وقدراتهم.
– ضرورة إقامة نظام لامركزي تتحدد تفاصيله عبر حوار وطني شامل بين كافة الأطراف، لضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري ومنع عودة الاستبداد.
– الفصل بين الدين والدولة وحياد الدولة تجاه الأديان.
– بناء الجمهورية السورية وتحصين حقوق الجماعات والأفراد يتطلب مبادئ دستورية محصّنة تعتمد على القوانين والمواثيق والشرعة الدولية لحقوق الإنسان والجماعات وأن يكون للقانون الدولي والمواثيق الدولية الأولوية على المبادئ الدستورية، بشكل خاص القانون الدولي الإنساني- جنيف 1949.
– تُعتبر الديمقراطية نظام ضامن لضبط فعالية الحياة السياسية السورية، القائمة على التنوع والغنى المجتمعي، بما يضمن تحقيق أفضل النتائج على المستوى السوري العام.
– التأكيد على حلّ القضية الكردية وفق الشرعية الدولية وضمان حقوق المكونات الأثنية الأخرى.
سجل مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) نقطتين في البيان في صالحه: إدانة الاعتداءات التركية على شمال وشرق سورية والدعوة إلى إقامة نظام لا مركزي، في حين كانت مكاسب القوى الديمقراطية الأخرى التمسك بوحدة سوريا أرضا وشعبا والتأكيد على الهوية الوطنية السورية. نقطتا مسد راهنة ونقطتا القوى الديمقراطية مبادئ ومحددات للمواقف والعمل ما يستدعي المتابعة والتدقيق خلال الممارسة واتخاذ القرارات. وهذا لا يعني أن البيان قد خلا من نقاط ضعف وتعارضات حيث سيلاحظ القارئ المدقق في قائمة المبادئ التي اعلنت تعارضا بين قول البيان في البند الثاني “الانتقال السياسي عبر الأمم المتحدة والقرارات الدولية، وخاصة القرار 2254″، وقوله في البند السادس “ضرورة إقامة نظام لامركزي”. حيث أن القرار الدولي المذكور لا يدعو إلى إقامة نظام لامركزي. وإن قضية اختيار شكل النظام السياسي مؤجلة إلى ما بعد تنفيذ القرارات الدولية وامتلاك الشعب السوري قراره والبدء بمناقشة الخيارات ما يجعل وضع هذا البند غير مناسب في هذا التوقيت. كما سيلاحظ ورود كلمة الجماعات مرتين في قوله في البند الثامن “بناء الجمهورية السورية وتحصين حقوق الجماعات والأفراد يتطلب مبادئ دستورية محصّنة تعتمد على القوانين والمواثيق والشرعة الدولية لحقوق الإنسان والجماعات”. هنا يبرز السؤال التالي: ما هي حقوق الجماعات في الشرعة الدولية؟. إذ المعروف أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ليس في التسمية الرسمية كلمة والجماعات التي أضافها واضعوا البيان، تتحدث في معظم موادها عن حقوق الأفراد وتخصص مادة واحدة لحقوق الجماعات تحت عنوان حقوق الأقليات. وهذا يثير سؤالا آخر هل يقصد بكلمة الجماعات الأقليات والقبول بما ورد في الشرعة الدولية حولها حيث الشرعة في هذه المادة تركز على المساواة أمام القانون وحق ممارسة الحقوق الثقافية واللغوية والدينية إلا في حالة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال فلها حق تقرير المصير. كما سيجد في هذا البند قولا يتناقض مع السائد دوليا وذلك في قول البيان “وأن يكون للقانون الدولي والمواثيق الدولية الأولوية على المبادئ الدستورية، بشكل خاص القانون الدولي الإنساني- جنيف 1949″، حيث أن المتعارف عليه دوليا أن لا شيء يعلو على الدستور، وأن القانون الدولي فوق القانون الوطني وليس فوق الدستور الوطني، أي أن الدولة التي توقع على معاهدة دولية ويصادق برلمانها على هذه المعاهدة ملزمة بتغيير قوانينها التي تتعارض مع محتوى هذه المعاهدة وليس تغيير دستورها. كما سيلاحظ القارئ تحاشي الإعلان عن المواقف بصراحة في قوله في البند العاشر: “التأكيد على حلّ القضية الكردية وفق الشرعية الدولية وضمان حقوق المكونات الأثنية الأخرى”. لماذا لم يحدد ماهية الحل الذي تقول به الشرعة الدولية للقضية الكردية وغيرها من المكونات الإثنية، أهو بسبب عدم الاتفاق عليها أم هو المتعارف عليه الوارد أعلاه حول حقوق الأقليات في الشرعة الدولية أم هو غير معلن لتحاشي ردود الفعل التي ستثور ضده لأنه ينطوي على مطالب غير مقبولة بين عامة السوريين؟.
لا يواجه البيان هذه الثغرات فقط بل ثمة قضايا مسكوت عنها في الواقع السياسي، الذي يؤسس “المسار” سرديته لمواجهته، منها تجاهله، بعد قوله: “بعد أن عانت وما زالت من استبدادٍ طويل مارسه نظامٌ تسلطي صادر السياسة ونزعها من المجتمع من خلال القمع والاضطهاد وتكريس الانقسامات العمودية (قومياً ودينياً وطائفياً)، طمعاً في تأبيد سلطته التي تفتقر إلى أي مصدر من مصادر الشرعية ما عدا شرعية الأمر الواقع والقوة العسكرية والأمنية”. تجاهله لقيام قوات سورية الديمقراطية (قسد)، الجناح العسكري لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، المشارك في “المسار”، التفاوض مع النظام السوري الذي يقول عنه “إنه يفتقر إلى أي مصدر من مصادر الشرعية ما عدا شرعية الأمر الواقع والقوة العسكرية والأمنية” حول حل جزئي خاص باحتياجات قسد لتعزيز موقفها في مواجهة مع القوات التركية. ألا يتعارض ذلك مع إعلان البيان افتقار النظام للشرعية ومع توجه “المسار” وسرديته لإقامة نظام ديمقراطي في سورية قائم على شرعية شعبية حقيقية، ألا يمنح مثل هذا الاتفاق، لو حصل بين قسد والنظام، النظام شرعية مهما كانت نسبتها ويعزز موقفه في مواجهة مطالب المجتمع الدولي بتنفيذ القرار الدولي 2254. ألم يكن من الواجب إبداء الرأي بهذا الحوار وإعلان موقف منه طالما اعتبر البيان النظام فاقدا للشرعية وبالتالي لا يجوز الحوار معه بل الضغط عليه لتنفيذ القرار المذكور وإلا ما قيمة القول بانه يفتقر إلى الشرعية، أهو كلام إنشائي أم شعبوية؟. كما سيلاحظ تجاهل البيان لاستهداف المدنيين من قبل جميع الأطراف، خاصة وأنه ذكر الاعتداءات التركية المستمرة والمتكررة على شمال وشرق سوريا. الم يكن التوجه الوطني للمسار يستدعي المطالبة بحماية المدنيين وعدم الحاق الأذى بهم من خلال القصف العشوائي أو من خلال التعدّي على املاكهم وارزاقهم كما يحصل في مناطق عفرين وراس العين وتل ابيض وديرالزور والحسكة.
وأخيرا ألم يكون الموقف يقتضي التعريج على انتشار سياسة الهوية والانقسامات العمودية بين السوريين على أسس عرقية ودينية ومذهبية التي أفرزتها. ألا تشكل سياسات الهوية نقيضا للخيار الديمقراطي وسببا لتكريس الإنقسامات؟.