يعود برّي إلى ديربورن بعد أكثر من أربعين عاماً، هذه المرة بـ”خفّة لا تحتمل” من باب مقهى حسن عباس، من دون أن يسافر إلى الولايات المتحدة أو يحضر شخصياً إلى ولاية ميشيغن.
لم يفقد نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة “أمل”، “حسّ الدعابة” في خضمّ الحرب القاسية التي يشهدها لبنان. فهو، على وقع الغارات والتقدّم البري الإسرائيلي ونسف القرى الحدودية وآلاف القتلى والجرحى ومئات آلاف النازحين المشرّدين، علّق على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بالقول إن الأخير وقّع اتفاقاً على أنه سيوقف إطلاق النار في لبنان مع مالك مقهى لبناني في مدينة ديربورن في ولاية ميشيغن يدعى حسن عباس، زاره ترامب قبل أيام خلال جولاته الانتخابية.
يقول بري، بأسلوبه المغلّف بالسخرية، إن كلام ترامب حول إنهاء الحرب لا يعدو كونه كلاماً عابراً في مقهى عربي، ليس عليه جمرك، ولا يُلزم صاحبه بأي حال من الأحوال. وهو، بحنكة لا يمكن إنكارها، يعتبر أن إنهاء الحرب لا يكون بالاتفاق مع حسن عباس، بل يحتاج إلى أن يكون الحديث معه هو شخصياً، بوصفه “الأخ الأكبر” الذي أوكله “حزب الله” التفاوض. فيما كان نعيم قاسم، الأمين العام ل”حزب الله” يعلن أن إنهاء الحرب لن يكون إلا في الميدان، لا في مقهى في ديربورن ولا في عين التينة. فأين الدعابة؟
لمحاولة فهم “دعابة” نبيه بري، لا بدّ من العودة إلى تاريخه القديم مع المدينة التي يُطلق عليها لقب “عاصمة العرب”. فبري في شبابه كان ابن ديربورن، وأمضى فيها سنوات متقطّعة في السبعينيات، وكان حينها يمتلك بطاقة خضراء (إقامة دائمة) أميركية، يحرص على الحفاظ عليها عبر الزيارات الدورية، حينما كان متزوجاً من زوجته الأولى ليلى بري، التي كانت تعمل مترجمة في قسم الشرطة في المدينة، وله ستة أولاد منها، يحملون الجنسية الأميركية، وكان بري يزورهم دورياً.
إقرأوا أيضاً:
عن إسرائيل وعن بؤس أحوالنا
دونالد ترامب اللبناني الممانع… والخليجي الإبراهيمي!
وقع الطلاق بين بري وزوجته الأولى في العام 1984، لكنه أبقى على زياراته إلى الولايات المتحدة التي استمرت منذ منتصف الستينيات على ما يذكر “بورتريه” أعدته صحيفة أميركية عن بري في العام 1985. يكشف التقرير المفصّل عن سيرة بري، الذي كان يشهد صعود نجمه بعد انتفاضة 6 شباط 1984، أنه شارك في مسيرة الحقوق المدنية في العاصمة واشنطن في العام 1963(عام تخرجه من الجامعة ثم انتقاله إلى باريس للدراسة في السوربون) بحسب قريب له يدعى عماد فضل الله التقته الصحيفة الأميركية، وأنه عاش لفترات قصيرة متقطعة في الولايات المتحدة الأميركية في السبعينيات وتعلّم اللغة الإنجليزية من خلال قراءة جريدة “ديترويت” في المكتبة العامة لديربورن.
ولم يكن بري يُخفي إعجابه بالثقافة الأميركية، بل كان “يحب الألبسة الغربية الأنيقة ويفضّل السجائر الفرنسية وطريقة الحياة الأميركية”، كما كتب في وصفه المراسل الحربي البريطاني الشهير روبرت فيسك.
إلى ذلك، تقول زوجته الثانية رنده عاصي، في مقابلة أجرتها معها مجلة لبنانية في الثمانينيات، إن أمتع الأوقات لدى زوجها نبيه هي عندما يقوم بمشاهدة أفلام رعاة البقر (الكاوبوي) في الغرب الأميركي، خصوصاً تلك التي يلعب دور البطولة فيها جون واين، وكان يشاهدها على آلة تشغيل شرائط الفيديو في منزلهما.
يعود برّي إلى ديربورن بعد أكثر من أربعين عاماً، هذه المرة بـ”خفّة لا تحتمل” من باب مقهى حسن عباس، من دون أن يسافر إلى الولايات المتحدة أو يحضر شخصياً إلى ولاية ميشيغن. يعود زعيم “أمل” بتصريح صحافي، أشبه بطلقة من مسدس راعي بقر، تحمل مزيجاً من السخرية والشفقة على مطلقها.
فلا الوقت وقت مزاح، ولا عمر برّي يسمح بألعاب خفة مماثلة. أما موضة “الكاوبوي” فقد فات عليها الزمن، وإذا كان بدّ من دخان يخرج من مسدس راعي بقر اليوم، فهو سيكون دخاناً يرتفع من فوّهة مسدس بنيامين نتانياهو بعد أن يُطلق رصاصة الرحمة على مستقبل السلام في المنطقة.