حافظت الدول الضامنة مسار “أستانة” (تركيا، روسيا، إيران) على التهدئة شمال غربي سورية في ختام الجولة الـ22 من هذا المسار التي عُقدت يومي الاثنين والثلاثاء في العاصمة الكازاخية. وبحسب وكالات أنباء روسية، قالت البلدان الضامنة: “اتفقنا على مواصلة الجهود لضمان تحسن مستقر في الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها، بما في ذلك الجانب الإنساني”. وأكدت في بيان صدر ظهر اليوم ضرورة “الحفاظ على الهدوء على الأرض، من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة بشأن إدلب، ومنع الأنشطة التخريبية التي تقوم بها أطراف ثالثة، التي من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار الوضع”.
وأدان البيان الضربات الإسرائيلية على مناطق سيطرة النظام السوري والتي زادت في الآونة الأخيرة وتستهدف، كما يُعتقد، أهدافاً تابعة للإيرانيين وحزب الله، واعتبرها “انتهاكاً للقانون الدولي والإنساني”، وأنها “تزعزع استقرار المنطقة وتزيد من حدة التوترات”، وفق البيان. ودعا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجميع المنظمات الإنسانية إلى “وضع تدابير استجابة استثنائية للذين أجبروا على الانتقال من لبنان إلى سورية في أعقاب التوترات”. كما دعا الثلاثي الضامن تفاهمات مسار أستانة إلى “خلق الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والنازحين، وضرورة دعم المجتمع الدولي لهذه الجهود بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، واستمرار مشاريع التعافي المبكر وإعادة تأهيل البنية التحتية”.
ولم تستطع البلدان الضامنة تحقيق أي تقدم على صعيد ملف المعتقلين لدى النظام، واكتفت بالإشادة بـ”آلية العمل الخاصة بالإفراج عن المعتقلين والمفقودين، باعتبارها وسيلة لتعزيز الثقة بين الأطراف السورية”، داعية إلى تكثيف الجهود لتوسيع نطاق هذا العمل ليشمل تسليم الجثامين وتحديد هوية المفقودين. ورفض النظام على مدى 22 جولة مقاربة ملف المعتقلين في سجونه منذ عام 2011، رغم أن هذا الملف من أهم الملفات التي كان من المفترض معالجتها في مسار أستانة التفاوضي.
وكرر الثلاثي التزامه بـ”سيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها”، ودعا إلى رفع “العقوبات الأحادية”، وزيادة المساعدات الإنسانية وإزالة العوائق أمام وصولها وضمان توزيعها بشكل متساوٍ وغير مشروط. وجدد رفضه محاولات خلق كيانات غير شرعية أو انفصالية شمال شرقي سورية، في إشارة واضحة الى “الإدارة الذاتية” الذراع الإدارية والمدنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على المنطقة. واتفقت الأطراف المشاركة في هذه الجولة على عقد الجولة القادمة في العاصمة الكازاخية خلال النصف الأول من عام 2025 المقبل، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الروسية (تاس).
ومثّل تركيا في محادثات هذه الجولة وفد برئاسة مدير عام العلاقات الثنائية السورية في وزارة الخارجية، إحسان مصطفى يورداكول، فيما ترأس الوفد الروسي لافرنتييف، وترأس الوفد الإيراني علي أصغر حاجي، مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية. كما شاركت المعارضة والنظام في هذه الجولة التي كما يبدو لم تختلف عن سابقاتها، حيث الفشل المتكرر في مقاربة جادة للأوضاع في سورية. وكانت الجولة الأولى من مفاوضات مسار أستانة قد عُقدت في 23 يناير 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعقب خروج المعارضة السورية المسلحة من أحياء حلب الشرقية، وفق اتفاق روسي تركي، بدا أنه كان البذرة الأولى لهذا المسار.
استعداد روسي للحوار مع ترامب بشأن سورية
وعلى هامش محادثات أستانة، أكد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، اليوم، استعداد موسكو لاستئناف الحوار بشأن سورية مع واشنطن تحت قيادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي أثارت عودته إلى البيت الأبيض حالة من التفاؤل الحذر لدى الكرملين. وقال لافرينتييف، في حديث لوكالة “نوفوستي”: “إذا كانت هناك مقترحات، فالجانب الروسي منفتح. نحن مستعدون لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين. ثمة مسألة أخرى ما إذا كنا سنتلقى اقتراحاً. في حال تلقيناه، ستنظر قيادتنا فيه، بالطبع، وعلى الأرجح سيتم قبوله”. وجزم بأنه لا يمكن التوصل إلى أي حلول وسط سوى عبر المفاوضات، مضيفا: “نأمل أن يحدث ذلك”.
روسيا ترفض أي عملية عسكرية تركية شمال سورية
إلى ذلك، أعلنت روسيا اليوم رفضها شنّ عملية عسكرية تركية في شمال سورية، وذلك عقب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة التي هدد فيها باستكمال “المنطقة الآمنة” وطرد “قوات سوريا الديمقراطية”. وقال لافرينتييف في مؤتمر صحافي عقب اجتماع “أستانة 22” إن شنّ تركيا عملية عسكرية جديدة في سورية غير مقبول. وأضاف لافرنتييف، بحسب ما نقلت وكالة “تاس”، أن روسيا أكدت بشكل متكرر عدم قبولها القيام بعمليات تركية جديدة في سورية، و”ما زلنا نأمل أن يمتنع الجانب التركي عن هذه الخطوات، لأنها قد تكون لها عواقب سلبية على سورية نفسها”.
أواعتبر مبعوث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن العمليات العسكرية التركية لن تحل المشكلة، بل ستؤدي فقط إلى تفاقمها، وسيكون لها تأثير مزعزع للاستقرار في سياق الأزمة التي لم يجر حلها على الحدود اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي وفي قطاع غزة. ويأتي تصريح لافرنتييف بعدما تحدث أردوغان بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية عن استكمال الحزام الأمني في الشمال السوري. وقال أردوغان إن تركيا ستكمل “الحزام الأمني” على حدودها الجنوبية، مضيفاً أن تركيا أحبطت محاولات تطويقها من خلال العمليات التي نفذها الجيش التركي و”المناطق الآمنة” التي أنشأها.
ويرى المحلل السياسي أمجد أبو كف في حديث لـ”العربي الجديد” أن سبب عودة تركيا للحديث عن “الحزام الأمني” هو رغبة أردوغان في استغلال رغبة ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية، من خلال عقد اتفاق معه لتحقيق المصالح التركية. وأضاف أن روسيا من الصعب أن توافق على شن تركيا عملية عسكرية ضد “قسد” دون مقابل، لا سيما في مثل هذه الظروف، وهي تريد إثبات دورها في المنطقة، وترى في سورية موطئ قدم لها يحقق لها مصالح استراتيجية.
وسبق أن نفّذ الجيش التركي عمليتين عسكريتين بريتين ضد “قسد” هما “غصن الزيتون” في مارس/ آذار 2018، وسيطرت فيها على مدينة عفرين بريف حلب، بالإضافة إلى عملية “نبع السلام” شرق الفرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، سيطرت فيها على مدينتي تل أبيض ورأس العين.
وحالياً، تكاد الاتصالات الروسية الأميركية حول سورية تقتصر على مناقشة العمليات في المجال الجوي تجنباً لوقوع حوادث عبر “قنوات محددة”، وفق ما أكده وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في صيف 2023. وتبلغ موسكو وواشنطن إحداهما الأخرى بشأن الحوادث الخطرة في سورية، بالإضافة إلى تبادل الاتهامات باقتراب مقاتلات تابعة لطرف إلى مسافة حرجة من طائرات حربية للطرف الآخر.
ومن آخر الحوادث من هذا القبيل، اقتراب طائرة مضادة للسفن من طراز “بوينغ بي-8 بوسيدون” تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من طائرة “سو-35” تابعة للقوات الجوية الروسية في أجواء شرق البحر الأبيض المتوسط. وحينها، زعم المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سورية أن الطائرة كانت تنفذ تحليقاً دورياً، مؤكداً أن طيارها اتخذها التدابير اللازمة لمنع وقوع تصادم.