منذ بداية العام الحالي، أطلقت روسيا لأكثر من مرة مزاعم تتعلق بوجود عناصر تابعة للاستخبارات الأوكرانية في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وبعدما بدأت بهذا المسار أولا عبر وسائل إعلامها، تحولت قبل أيام إلى حد ترديد المزاعم على لسان كبار المسؤولين في الخارجية الروسية.
ويعيش في محافظة إدلب أكثر من 4 ملايين مدني، وتسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) وفصائل أخرى تابعة لتحالف “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
ورغم أن المزاعم المتعلقة بهذه المنطقة ليست جديدة من طرف موسكو، فإن تلك المتعلقة بـ”الاستخبارات الأوكرانية” تثير تساؤلات عن الهدف من وراء التركيز عليها لأكثر من مرة، والغايات التي تريد روسيا الوصول إليها.
ونفت ما تُعرف بـ”حكومة الإنقاذ” التي شكلتها المعارضة في إدلب، تلك الادعاءات، معتبرة إياها جزءا من حملة إعلامية تضليلية.
وجاء في بيان صادر عنها: “هذه الأكاذيب الممنهجة لم تعد بحاجة إلى تفنيد متكرر. نحذر بشدة من المحاولات المتعمدة لاختلاق الذرائع وربط الثورة السورية بقضايا دولية لا شأن للشعب السوري بها”.
وتُتهم “الإنقاذ” بالارتباط بـ”تحرير الشام” كذراع إداري، لكن الأولى تقول عن نفسها إنها “جسم إداري ومدني مستقل”.
وتأتي التصريحات الروسية بشأن “عناصر الاستخبارات الأوكرانية” في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، كما زعم المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، وجود خبراء مسيّرات أوكرانيين في إدلب لدعم “تحرير الشام”، المصنفة في قوائم الإرهاب لدى الأمم المتحدة.
وأشار لافرنتيف إلى أن أوكرانيا “تدعم هذه الجماعات عبر إرسال مسيّرات وخبراء لتدريب العناصر على استهداف القواعد الروسية”، دون أن يحدد الآلية ومسارات حصول ذلك في وقت يحكم محافظة إدلب اتفاق خفض تصعيد ما بين روسيا وتركيا، وُضعت آخر اللمسات عليه في 2020 عندما التقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
“روسيا تستشعر الخطر”.. ما سر إدخال “غاربيا” إلى سوريا؟
رغم أن التدريبات التي تجريها روسيا لضباط وعناصر جيش النظام السوري ليس جديدة على المسرح الميداني لسوريا أخذت خلال الأشهر الثلاثة الماضية شكلا جديدا يقوم على تعليمهم آلية “اصطياد” الطائرات المسيّرة واستخدام بقية الأسلحة اللازمة لـ”الحرب الإلكترونية”.
“لن يغيروا شيئا”
ويشير الخبير والمحلل العسكري السوري، العقيد إسماعيل أيوب، في تصريحات خاصة لموقع “الحرة”، إلى أن “الحديث عن وجود عناصر عسكرية أو استخباراتية أوكرانية في إدلب هو أمر عارٍ عن الصحة”.
ومع ذلك يقول: “لكن باعتبار أن إدلب خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية في قوائم الأمم المتحدة، يمكن أن يكون هناك مسلحون متشددون مسلمون من أوكرانيا يقاتلون تحت إمرتها”.
وأضاف أيوب: “في حال وجود هؤلاء المرتزقة في إدلب، فلا ينبغي أن تتخذه موسكو للتصعيد في إدلب، لأنهم لن يغيروا في قواعد اللعبة شيئا، خاصة أن الملف السوري أصبحت تتصارع بشأنه عدة أطراف إقليمية ودولية”.
تجدر الإشارة إلى أن ما جرى وصفه بـ”المزاعم الروسية”، تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيداً عسكرياً، حيث أفادت تقارير بارتفاع وتيرة استهداف الطائرات المسيّرة للمدنيين في قرى ريف إدلب وريف حلب الغربي.
ووفقا لبيان “حكومة الإنقاذ” الصادر، السبت، فقد هوجمت مناطق شمال غربي سوريا خلال 15 يوما بأكثر من 140 طائرة مسيّرة انتحارية، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي مستمر، مما تسبب بموجات نزوح جديدة نحو المناطق الحدودية وأدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في منطقة إدلب.
من جانبه، رأى المحلل السياسي والخبير بالشأن السوري، باسل معراوي، أن “التصريحات الروسية تحمل عتبا كبيرا لتركيا، إذ إن إدلب تعتبر من منطقة خفض تصعيد تتمتع بالنفوذ التركي، والوصول لها لابد أن يكون من الأراضي التركية”.
كما قال معراوي لموقع “الحرة” إن “أنقرة هي الضامن للقوات المتواجدة فيها”.
من جهة أخرى، أشار أيوب إلى أن “روسيا لديها مصالح في المنطقة، ويمكن أن تعتبر تلك المزاعم ورقة ضغط في مواجهة الأطراف الأخرى المناوئة لمصالحها”.
هذه الطائرات استهدفت خلال الأشهر الثلاث الماضية مواقع عسكرية لفصائل من المعارضة
“نهج خطير”.. الروس ينقلون تجربة “الكاميكازي” إلى شمال سوريا
لم تعد مناطق شمال غرب سوريا مهددة بالقصف المدفعي والصاروخي والجوي المتواتر من جانب قوات النظام السوري وروسيا فحسب، بل أصبحت تواجه تكتيكا عسكريا جديدا “أشد خطرا”، ويتمثل بزج الطائرات المسيرة الانتحارية على خط المواجهة، في حالة تشابه إلى حد كبير ما حصل ويحصل في أوكرانيا، حسب خبراء عسكريون.
“ترقب وحذر”
وفي حديث إلى موقع “الحرة” في أكتوبر الماضي، أوضح الصحفي السوري المقيم في إدلب، عز الدين زكور، أن “الأجواء التي تخيم على المنطقة، خاصة في إدلب، أصبحت لا تخرج عن إطار الترقب والحذر”.
واستطرد: “التصعيد العسكري من قبل الطائرات الروسية (في أكتوبر) تسبب بقلق كبير للأهالي”، وحتى أن الحالة ذاتها انعكست على صعيد الفصائل العسكرية، من منطلق أن الغارات هي الأشد بعد فترة هدوء استمرت 3 أشهر.
وجاءت الغارات الروسية الأخيرة بعد معلومات روجت لها حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات إخبارية على “واتساب”، تفيد بأن الفصائل العسكرية في إدلب “بصدد إطلاق عملية عسكرية ضد مواقع النظام السوري في محيط المحافظة”.
وفي مقابل الغارات، صعّدت قوات النظام السوري من هجماتها بالطائرات المسيّرة الانتحارية على بلدات وقرى سكنية، مما أسفر عن ضحايا مدنيين.
والطائرات المسيرة سلاح كان النظام وروسيا قد زجا به في شمال غرب سوريا، واستخدموه على نطاق واسع.
ورغم أن الفصائل العسكرية استهدفت أيضا لأكثر من مرة مواقع النظام السوري بطائرات مسيّرة، فإن السلاح لديها “ما زال محلي الصنع”، وفق تصريحات سابقة لخبراء عسكريين تحدثوا لموقع “الحرة”.
وطوال سنوات الحرب في سوريا، أصبحت محافظة إدلب في الشمال الغربي للبلاد الملاذ الأخير للسوريين الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وحسب إحصائيات لمنظمات إنسانية، يقيم فيها أكثر من 4 ملايين مدني.
وتخضع المحافظة لاتفاقيات تركية- روسية، تدخل إيران بجزء منها أيضا ضمن تفاهمات “أستانة”.
وتعاني مناطق شمال غربي سوريا من “كارثة مركبّة” بالفعل، كما شرح الناشط الإنساني، محمد حلاج، لموقع “الحرة” في تصريحات سابقة، مشيرا إلى “انخفاض حجم التمويل المخصص للنازحين وأزمة السكن الحاصلة”.
وأضاف أن الناس هناك “يتخوفون من أية عملية عسكرية قد تسفر عن نزوح أكثر من 200 ألف مدني من المناطق القريبة من خطوط التماس، ومن مدينة إدلب أيضا المكتظة بالسكان”.