عززت موسكو حضورها العسكري بإقامة نقاط مراقبة روسية جنوب سورية بالقرب من منطقة “فصل القوات” بين النظام والجانب الإسرائيلي، في خطوة جاءت بعد أيام قليلة من انتهاك الجانب الإسرائيلي لاتفاقية دولية وُقعت عام 1974، حيث توغلت القوات الإسرائيلية داخل هذه المنطقة، وباشرت بإعمال بناء داخلها.
ونقلت وكالة “سانا” التابعة إلى النظام السوري عن نائب قائد القوات الروسية العاملة في سورية الجنرال ألكسندر روديونوف قوله، أول من أمس الاثنين، إن القوات الروسية أنشأت بالتنسيق مع قوات النظام تسع نقاط مراقبة روسية جنوب سورية على امتداد منطقة فصل القوات مهمتها تنفيذ عمليات المراقبة عبر الجو والبر. وأضاف أن القوات الروسية لم تنسحب من أي نقطة في هذه المنطقة، بل قامت بتعزيز وجودها عبر نقاط مراقبة روسية جنوب سورية، مؤكداً أن “كل ما يتم ذكره عبر بعض وسائل الإعلام بخلاف ذلك عار عن الصحة”، وفق قوله.
نشر نقاط مراقبة روسية جنوب سورية
ونقلت الوكالة عن “قائد ميداني” في قوات النظام قوله إن “نشر وحدات الشرطة العسكرية الروسية الصديقة على طول خط فض الاشتباك يعزز الاستقرار والأمن”. وجاء إنشاء نقطة مراقبة تاسعة من قبل الجانب الروسي بعد أيام قليلة من انتهاك الجيش الإسرائيلي لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة في العام 1974 بين تل أبيب والنظام السوري، حيث باشر بأعمال بناء على طول المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة في جنوب البلاد. وأفادت وكالة أسوشييتد برس منتصف الشهر الحالي بأن صور أقمار اصطناعية حللتها أظهرت أن إسرائيل بدأت مشروع بناء على طول ما يسمى الخط “ألفا” الذي يفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سورية.
وحذّر المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرونتييف، مؤخراً من اجتياح إسرائيلي لجنوب سورية، مشيراً، في مقابلة على قناة روسيا اليوم، إلى أن ردة فعل روسيا ستكون سلبية حيال هذا الأمر. ومن الواضح أن النظام لجأ إلى موسكو لإقامة نقاط مراقبة روسية جنوب سورية في محاولة لردع إسرائيل عن القيام بأعمال عسكرية في المنطقة، هو عاجز عن منعها أو مواجهتها عسكرياً. وربما تندرج خطوة إقامة نقاط مراقبة روسية جنوب سورية في سياق طمأنة الجانب الإسرائيلي أن الجنوب السوري لن يكون مصدر تهديد له من قبل مليشيات إيرانية تنتشر في عدة مناطق جنوب سورية. كما يُنظر إلى إنشاء نقاط مراقبة روسية جنوب سورية على أنها وسيلة ردع للجيش الإسرائيلي حتى لا يتوغل أكثر في جنوب سورية مستقبلاً كما يحدث الآن في جنوب لبنان.
محمد الحاج: الهدف من الخطوة الروسية مراقبة سلوك حزب الله وإيران تجاه إسرائيل
وتعليقاً على إنشاء نقطة مراقبة تاسعة من قبل الجانب الروسي، بيّن القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك اتفاقاً روسياً إسرائيلياً منذ سنوات حول إبعاد المليشيات الإيرانية 40 كيلومتراً عن الحدود”. وأضاف: لكن روسيا لم تستطع إجبار إيران على تنفيذ الاتفاق، واستخدمت هذه المليشيات مواقع قوات النظام ولباس جنوده وسياراته لتمويه تحركاتها، إلا أنها لم تنجح في خداع إسرائيل التي لم تتوقف عن استهدافها بين وآخر. وأشار إلى أنه “مع بداية العملية العسكرية الاسرائيلية على جنوب لبنان حاولت بعض القوات الإسرائيلية المناورة في الجولان فانسحبت بعض النقاط الروسية التي وضعت للمراقبة لكنها عادت مؤخراً بناء على طلب نظام (بشار) الأسد من أجل طمأنة إسرائيل بأنه لن يتم استخدام الجولان في أي عمليات عسكرية ضد إسرائيل”. ورأى أن “روسيا لا تشكل قوة ردع ضد إسرائيل في المنطقة، وإنما هي تقف على الحياد عندما يتعلق الأمر بالهجمات الإسرائيلية على المليشيات وقوات النظام”.
مراقبة سلوك حزب الله وإيران
لكن اللواء المنشق عن قوات النظام محمد الحاج رأى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الهدف من الخطوة الروسية “مراقبة سلوك حزب الله وإيران تجاه إسرائيل من الأراضي السورية”، مستبعداً تصعيداً إسرائيلياً في جنوب سورية “إلا إذا حدث تحرش بإسرائيل منه”.
قوات روسية في القنيطرة (سام حريري/فرانس برس)
تقارير عربية
ما أهداف روسيا من نشر نقاط مراقبة في القنيطرة؟
من جانبه، أعرب الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن تعزيز الروس لحضورهم العسكري في جنوب سورية له أكثر من بعد وهدف. وأوضح أنه “محاولة من موسكو لطمأنة تل أبيب من خلال تعزيز وجودها في الجبهة الجنوبية لسورية لمنع أي تصعيد، في ظل الزيارات الإيرانية المكثفة لنظام الأسد واحتمالات تسخين الجبهة الجنوبية”. وتابع: كما أن هذه الخطوة تعكس رغبة روسيا في حماية مصالحها الاستراتيجية في سورية وتحجيم التحركات الإيرانية التي قد تسخن الجبهة الجنوبية وتزيد من التوترات مع إسرائيل.
وأشار إلى أن “التحركات الروسية قد لا تكون كافية ومرضية لإسرائيل في الوقت الحالي، لكن انتشار الروس في تسع نقاط مراقبة روسية جنوب سورية أفضل من ترك الساحة الجنوبية كاملة فارغة لإيران”، مضيفاً: هذا يحد من تحرك إيران في نقاط استراتيجية مهمة ويقيد هامش تحركهم هناك. وبعد أن أوضح أن الجبهة الجنوبية كانت هادئة خلال العام الماضي، “رغم الاختراقات النادرة”، فإنه أضاف: لكن الوضع مرشح للتصعيد مع إعادة تأكيد المسؤولين الإيرانيين على تحالفهم الاستراتيجي مع نظام الأسد في ظل ما تواجهه كل من طهران ودمشق من تحديات وتهديدات غير مسبوقة مع عودة الرئيس دونالد ترامب للسلطة. وأعرب عن اعتقاده بأن نجاح روسيا في هذه العملية “غير محسوم”، مشيراً إلى أنه “يعتمد على قدرة القوات الروسية على الموازنة ما بين التنسيق الفعال بين كافة الأطراف لمنع تدهور الأوضاع جنوب سورية.
ضياء قدور: تعزيز الروس لحضورهم العسكري جنوب سورية له أكثر من بعد وهدف
وفي السياق ذاته، رأى المحلل العسكري عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “نظام الأسد اتخذ موقف الحياد حيال ما يجري في غزة ولبنان للحفاظ على نفسه”، مضيفاً أن نشر نقاط مراقبة روسية جنوب سورية هدفه طمأنة تل أبيب وثنيها عن إدخال النظام ضمن الحرب التي تشنها الآن ضد حزب الله، فضلاً عن إبعاد المليشيات الإيرانية عن الجنوب السوري كيلا تحرج هذا النظام.
وبدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر لصالح النظام في سورية أواخر العام 2015، وهي تتحكم منذ ذلك الحين بالقرار العسكري للنظام الى حد بعيد، وخاصة قراري الحرب والسلم، فتدخلها “المتوحش” أنقذه من سقوط كان يبدو حتمياً في ذلك العام. وللقوات الروسية في سورية العديد من القواعد والنقاط على طول مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي من البلاد.