غيرت الإدارة الذاتية شكل الخريطة الإدارية للمناطق التي تسيطر عليها في شمال شرقي سورية، كما عدّلت الوحدات الإدارية من حيث التراتبية والمساحات، بما يخالف القوانين السورية المعمول بها. ومن ضمن التعديلات تأسيس مجالس الأحياء “الكومينات” والتي تعد أصغر وحدة إدارية، وتوازي مجلس الحي أو القرية.
ووفق المادة (68) من “العقد الاجتماعي”، والذي يعد بمثابة دستور “الإدارة الذاتية”، يُعرّف الكومين بأنه: “شكل التنظيم القاعدي الأساسي للديمقراطية المباشرة، وهو المكان الذي يتطور فيه المجتمع الأخلاقي والسياسي، والذي يُنتج الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويشكل قوة الحل للقضايا الاجتماعية، ويعمل كمجلس قائم بذاته في كافة مراحل صنع القرار والإدارة”.
وتعرف الإدارة الذاتية “الكومين” من الناحية الاجتماعية بأنه “مجموعة من الناس الذين يعيشون في المكان نفسه، ويتجمعون معاً لحماية أنفسهم وإدارة أمور حياتهم وحل المشاكل التي تحدث في منطقة عيشهم، ويشكلون نسيجاً واحداً على أساس الحياة الجماعية والعمل التشاركي في مختلف نواحي الحياة”، وهو مفهوم مستمد من أفكار زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، المعتقل في تركيا بتهمة الإرهاب.
ويقول الناشط المقيم في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، جان علي، لـ”العربي الجديد”: “لو كان دور الكومين خدمياً واجتماعياً فقط، ولو كان يتم انتخاب أعضائه وقياداته ديمقراطياً بالفعل، ربما كان الناس سيتقبلونه في ظل الفوضى التي نعيشها. لكن الأمر على خلاف ذلك، وواضح لكل مراقب، فهذه الكومينات ينظمها حزب الاتحاد الديمقراطي (أكبر أحزاب الإدارة الذاتية والموالي لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب في كثير من الدول)، وهي تقوم بأدوار أمنية تخدم منظومة الإدارة الذاتية وليس الأهالي، وشهدنا كيف تضغط الكومينات على الناس لإجبارهم على المشاركة في مسيرات مؤيدة لحزب العمال الكردستاني ورئيسه، وكيف تهدد المعارضين بقطع الخدمات عنهم، مثل الخبز ومواد التدفئة وغيرها”.
في المقابل، يقول أحمد الأحمر، رئيس أحد الكومينات في مدينة القامشلي، لـ”العربي الجديد”، إن “الكومين هدفه خدمة الناس، إذ يذهبون إلى مقر الكومين، ويعقدون اجتماعاً ينتخبون فيه الرئاسة المشتركة له. يمكن للأفراد الترشح لعدة لجان يتألف منها الكومين، مثل لجنة الصلح، ولجنة الاقتصاد، ولجنة الحماية، واللجان الخدمية، ولجنة الفن والثقافة، وكل لجنة تتألف من أربعة إلى خمسة أشخاص، والجميع يختارهم الشعب، وهم يعملون متطوعين”.
يضيف الأحمر: “الكثير من الناس لا يثقون بالكومين، ومع ذلك فإنه أساس كل شيء، فمنه تبدأ جميع الإجراءات، كتقديم شكوى، أو توزيع أسطوانات الغاز المنزلي، أو توزيع الخبز والمازوت، كما يتولى التنسيق مع المنظمات الإغاثية المحلية والدولية عند قدومها لتنفيذ أنشطتها، كتوزيع المعونات الغذائية أو رعاية ذوي الإعاقة، وإذا كانت هناك مشاكل عائلية تُحال إلى لجنة الصلح، وإذا تعذر حلها تُرفع إلى الناحية، ومن ثم إلى المحكمة. الشعب ينتخب اللجان الخدمية، مثل لجنة الصلح، ولجنة الحماية التي تحرس الأحياء ليلاً، وأي معاملة لا تحمل ختم الكومين لا تُقبل، وتُعاد مرة أخرى إلى الكومين، ثم تُحال إلى الناحية، وبعدها إلى الكانتون (المقاطعة)، ومن ثم إلى المحكمة لحين حل المشكلة”.
من جانبه، يوضح المختص في الشأن الكردي، خليل العبيد، لـ”العربي الجديد”، أن “مواقف الأهالي تجاه أسلوب عمل معظم الكومينات متباين، فأغلبها تفتقر إلى القوة أو القدرات التي تمكنها من أداء مهامها بالشكل المطلوب، إضافة إلى أن الأعضاء لا يحصلون على رواتب، ما يؤدي إلى عزوف البعض عن المشاركة، وبالتالي عدم إنجاز المهام المطلوبة”.
يضيف العبيد: “نظام التطوع يجعل معظم العاملين في الكومينات يعملون من دون امتيازات تذكر، بل يعتمدون على أنفسهم في توفير نفقاتهم، أو على الدعم الذي يقدمه بعض الأهالي لتلبية الاحتياجات. ينبغي ألا نحمل الأهالي عبء تقديم المزيد من الدعم للكومينات من دون وجود نظام مستدام يضمن تحسين أدائها”