وجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أول من أمس السبت، انتقادات للنظام السوري، معتبراً أن النظام السوري ليس مستعداً لـ”التواصل مع المعارضة (السورية)”، ولا النظر في “القضايا الجدية” المتعلقة بمسار التقارب التركي معه، فيما لا يبدو أن زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسن، الذي حط في دمشق الأربعاء الماضي، قد تمكن من تحقيق أي اختراق، رغم أن وزير الخارجية في حكومة النظام بسام الصباغ استقبله صباح أمس الأحد.
وتطرق فيدان، في حديثه أمام الصحافيين أول من أمس، إلى علاقة تركيا مع النظام السوري، لافتاً إلى أن إيران وروسيا لا توجد لديهما حالياً خطط لمسألة التطبيع بين أنقرة ودمشق. وأضاف أن “الرئيس (التركي رجب طيب أردوغان) قدم اقتراحاً، لكن الجانب السوري لا يبدو مستعداً أو منفتحاً لتقييم بعض القضايا أكثر من اللازم، خصوصاً في هذه الفترة، فهو ليس منفتحاً حتى على التفاوض مع معارضيه”.
لا جدية لدى النظام السوري
تشير المعطيات إلى أن الحماسة الروسية لتحقيق التقارب التركي مع النظام السوري تراجعت في الآونة الأخيرة، ربما بسبب عدم جدية الرئيس السوري بشار الأسد الذي، كما يبدو، يصب اهتمامه أكثر على تعميق التقارب العربي معه. يأتي ذلك في محاولة للهروب من استحقاقات الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254 (الانتقال السياسي)، ووفق التصور التركي حيث تصر أنقرة على كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات قبل أي انسحاب عسكري من الشمال السوري، وهو ما يرفضه النظام الذي لا يريد حديثاً عن خطوات سياسية باتجاه حل الأزمة السورية وفق مضامين القرارات الدولية.
وذهب الجانب التركي في محاولات تقاربه مع النظام السوري إلى الحد الأقصى، إذ طلب أردوغان عقد لقاء مع الأسد أكثر من مرة، إلا أن الأخير تجاهل ذلك تماماً. ويبدو أن النظام يعوّل على تغيير طرأ أخيراً على موقف عدة دول أوروبية، أبرزها إيطاليا التي أوفدت قبل أيام الى دمشق القائم بأعمال سفارتها ستيفانو رافانيان، وأنه يمكن أن يجنبه التعامل الجاد مع القرارات الدولية التي من المتوقع أن يؤدي تنفيذ مضامينها إلى إحداث تغييرات في بنية النظام، تؤدي بدورها إلى سقوطه. وتقود روماً حراكاً غربياً لإعادة النظر في طرق التعامل مع نظام الأسد لتفادي المزيد من اللاجئين السوريين، وتطالب مع عواصم أوروبية أخرى بالتخلي عن الاستراتيجية الأوروبية المتبعة منذ عام 2017 في التعامل مع هذا النظام، والتي تقوم على “ثلاث لاءات” هي: لا للتطبيع مع دمشق، لا لرفع العقوبات، لا لإعمار سورية ما لم يُحقَّق تقدّم ملموس في العملية السياسية حسب القرار الدولي رقم 2254.
ويبدو أن الأسد ينتظر تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه في يناير/ كانون الثاني المقبل، لتتضح معالم السياسة التي سينتهجها حيال الملف السوري، في ظل حديث عن نيته الانسحاب من الشمال الشرقي من سورية، وهو ما سيمهد الطريق ربما لعودة النظام إلى هذه المنطقة الغنية بالثروات النفطية والزراعية، ما يقوّي موقفه في المحافل الإقليمية والدولية. وفي مقابل هذا التعنت من قبل النظام، لا يزال بيدرسن يحاول إحداث ثغرة في جدار هذا التعنت، إلا أنه من المتوقع ألا تفلح هذه المحاولات أيضاً.
وأظهر الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) أمس عن اللقاء بين بيدرسن والصباغ تجاهل التطرق إلى موضوع استئناف اجتماعات “اللجنة الدستورية”، إذ أشارت إلى أن مباحثات أمس تناولت “الوضع المتصاعد في المنطقة الناجم عن العدوان الإسرائيلي على سورية ولبنان، والذي دفع بمئات آلاف السوريين واللبنانيين إلى الداخل السوري هرباً من جحيم آلة القتل الإسرائيلية”.
من جهته، اعتبر بيدرسن قبل اجتماعه مع الصباغ أنه “علينا الآن ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة وفي لبنان، وأن نجنب جر سورية” إلى النزاع في المنطقة. ومنذ بدء النزاع في سورية، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية مستهدفة مواقع تابعة لقوات النظام السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان.
واستبقت صحيفة الوطن التابعة للنظام، أمس، لقاء بيدرسن بالصباغ بالقول إن المبعوث الأممي سيبحث معه ملف “اللجنة الدستورية” “في ظل تعثر إطلاقها نتيجة عدم التوافق على مكان انعقادها”. وأضافت أن بيدرسن بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف. وزعمت أن قناعة ورغبة بيدرسن بالذهاب نحو خيار إحدى العواصم العربية مكاناً لانعقاد “الدستورية” ستبقيان مرهونتين بالموافقة الأميركية، إذ لا تزال واشنطن، ومعها “المعارضات السورية”، ترفض انعقادها في أي مكان آخر غير جنيف. وقالت الصحيفة القريبة من دائرة القرار في النظام إن “ملف الدستورية سيبقى متعثراً وبانتظار حصول التوافق على مكان انعقادها”.
من جهتها، ذكرت مصادر مطلعة في دمشق، لـ”العربي الجديد”، أن بيدرسن التقى مع أعضاء في “هيئة التنسيق” التي يُنظر إليها على أنها تمثل معارضة الداخل السوري. ولم تخض المصادر في تفاصيل المحادثات التي جرت، إلا أنها استبعدت حدوث تقدم في المدى المنظور يمكن أن يدفع العملية السياسية المتوقفة منذ منتصف عام 2022. وتصر روسيا على نقل مكان التفاوض حول الدستور بين النظام والمعارضة من جنيف، كون سويسرا لم تعد دولة “محايدة”، وهو ما يتوافق مع رغبة النظام في تعطيل مسار الحل السياسي برمته. ولم تفلح جهود المبعوث الأممي طيلة أكثر من عامين في العودة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية التي لم تحقق أي تقدم في ثماني جولات تفاوض سابقة جرت في جنيف، إذ اتخذ النظام من هذه اللجنة سبيلاً للمماطلة وعرقلة العملية السياسية التي أوضح خطواتها القرار الدولي 2254 منذ عام 2015، الذي دعا إلى انتقال سياسي وكتابة دستور وإجراء انتخابات بناء عليه. وكانت الأمم المتحدة تأمل أن تحقق تقدماً في الملف الدستوري يفتح الباب أمام تحقيق تقدم في ملفات سياسية أخرى، مثل إجراء انتخابات يمكن أن تسهم في حل لإنقاذ البلاد من التشظي الموجود اليوم، وتعدد سلطات الأمر الواقع المتناحرة.
لا تنازل للشعب
ورأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن سياسة النظام تقوم على فكرة “عدم التنازل للشعب السوري”، مضيفاً أنه “عندما نتحدث عن عملية سياسية، فهذا يعني تنازلات للتوصل إلى حل، وهو ما يرفضه نظام الأسد بالمطلق”. واعتبر أن “تصريحات فيدان حول رفض النظام الحل السياسي لا تحمل جديداً للسوريين الذين يدركون أن النظام لا يريد أي حل سياسي، فسورية بالنسبة لبشار الأسد مزرعة ورثها عن أبيه (حافظ)، ومن ثم فإن الحديث عن عملية سياسية لا قيمة له”. وأشار إلى أن الأسد “منفتح على التقارب مع العرب لأنهم لا يطالبونه بعملية سياسية وتنفيذ القرارات الدولية بعكس الموقف التركي، وهو ما يفسر عدم ترحيبه بالحوار مع أنقرة”، موضحاً أنه “لو كان النظام يريد الحل السياسي، لما وصلت سورية إلى ما وصلت إليه اليوم، وسياسة النظام لم تتغير ولن تتغير وهي تقوم على عدم تقديم أي تنازل سياسي”.