يمكن القول من دون تردد إن الإقبال الذي عرفه صالون الجزائر الدولي للكتاب (مليون و300 ألف زائر، بحسب محافظه محمد إيقرب)، يشكل ظاهريًا انتصارًا ثقافيًا في نظر وزيرة الثقافة، صوريا مولوجي، ومسؤولي قطاع الكتاب. واستنادًا لتغطيات الإعلام، بشقيه العام والخاص، هذا الإقبال مفتوح على تأويلات متضاربة، كما سنرى ذلك في استطلاعنا الذي قمنا به على هامش تغطيتنا للتظاهرة، وهي حقيقة لا تقبل الطعن إذا استندنا إلى الازدحام الشديد الذي عرفته مداخل وأروقة أجنحة الصالون بين الرابع والعشرين والواحد والثلاثين من الشهر الماضي.
إنه الازدحام الذي تعرفه أيضًا مداخل ملاعب كرة القدم، لكنه ليس بالازدحام الذي ترافقه عادات وممارسات وطقوس شهد عليها كاتب هذه السطور في صالونات أوروبية، ومن بينها عادة وقوف الزائرين من كل الأعمار في طوابير طويلة تجبرهم على افتراش الأرض لشراء مؤلف كاتبهم الذي قرأوا كل أعماله، لشراء كتابه الجديد، قبل مصافحته والظفر بتوقيعه في يوم تاريخي من حياتهم.
عن دورته الخامسة والعشرين التي احتضنها قصر المعارض في الصنوبر البحري، الواقع شرقي العاصمة، كتبت الصحف، وعلقت القنوات التلفزيونية والإذاعية، من دون استثناء، مشيدة بإقبال يثبت حب الجزائريين للقراءة. هذه الإشادة الإعلامية الرسمية تخالف آراء كثير من عامة وخاصة الناس الذين يشككون في اعتبار الإقبال المناسباتي معيارًا موضوعيًا للحكم على نجاح يتنافى مع غياب القراءة في الحياة اليومية لأغلبية الجزائريين، ومع معاناة ناشرين يتعجبون من أمر الكاتب الذي يريد طبع 1000 نسخة يستحيل بيعها حسب أحد الناشرين في بلد يقدر عدد سكانه بـ45 مليون و400 ألف نسمة استنادًا لتقديرات الديوان الوطني للإحصاء بتاريخ مطلع السنة الجارية.
سياق استثنائي بعد كورونا
كان لي شرف وسبق التحدث لمحمد إيقرب، المحافظ الجديد للصالون، والمسؤول القديم لسنوات عدة عن الجناح الجزائري في صالون باريس للكتاب، وذلك قبل الندوة الصحافية التي عقدها في اليوم الأخير من التظاهرة. كنت أهم بدخول الصالون في يومه الخامس، مشدودًا للزائرين الكثيرين، الذين راحوا يلتقطون صورًا تذكارية على البساط الأحمر، وكأنهم في مهرجان كان السينمائي، حينما وقعت وجهًا لوجه مع السيد إيقرب، الذي بدا مشرق الوجه، وأنيقًا أكثر من أي وقت مضى، كممثل أحسن لبس بذلة رمادية بديعة ومفصلة ومتناسقة الألوان وغير فاقعة اللون، لكنها تشد وتسر الناظرين. السيد إيقرب راح يصرح قبل طرحنا السؤال الأول المرتجل: “هذه الدورة ناجحة مبدئيًا، كونها تعقد في ظروف استثنائية غير مسبوقة، بعد توقف التظاهرة لمدة عامين جراء انتشار وباء كورونا، الأمر الذي شل كل النشاطات الثقافية كما حدث في كل أرجاء العالم”. إيقرب الذي تركنا مضطرًا ومعتذرًا بلباقة للحاق بموعد هام، أكد في الندوة الصحافية التقليدية استثنائية الدورة الخامسة والعشرين، بتحدثه عن سياق الصالون الذي صادف هذه المرة الذكرى الستين لاستعادة السيادة الوطنية، وعن جديده المتمثل في جناح المقايضة، التي تتم في محطات النقل العمومي بمدن وأرياف بلدان أجنبية كثيرة، والمنصة الافتراضية التي سمحت بحضور الذين استعصى عليهم التنقل. كما كان منتظرًا منه “منهجيًا”، لم يتردد المحافظ في شكر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي أعفى دور النشر من دفع مستحقات فضاءات الأجنحة، وبالأحرى “أمر بمجانيتها”، على حد تعبيره، كما أثنى على وزيرة الثقافة السيدة صوريا مولوجي، التي سهرت على تحضير الصالون لإنجاحه. كاتب هذه السطور كان في صدد توقيع كتابيه “أنوار في ليل كورونا”، و”صيد ثقافي على ضفاف السين”، حينما زارت في اليوم الأخير للصالون جناح دار بهاء الدين لصاحبها حكيم بحري، ولم تنتبه الوزيرة إلى وجود مثقفين وإعلاميين معروفين شرفوا كاتب هذه السطور بالحضور بسبب التفاف كثير من الحاضرين الآخرين حولها عند مدخل الجناح. يجدر بالذكر هنا أنها كانت حاضرة في جو أمني ورسمي خانق إلى جانب رئيس الوزراء، السيد أيمن بن عبد الرحمان، في اليوم الأول للافتتاح.
مليون و300 ألف زائر
عروض لجذب زوار صالون الجزائر الدولي للكتاب
“على حد قول محافظ الصالون، محمد إيقرب “هذه الدورة ناجحة مبدئيًا، كونها تعقد في ظروف استثنائية غير مسبوقة، بعد توقف التظاهرة لمدة عامين جراء انتشار وباء كورونا””
إيطاليا، التي كانت ضيفة شرف الصالون، أكدت العلاقة المتينة التي تربطها بالجزائر على الصعد كافة، وهي البلد الذي اقترن باسم الروائي الكبير عمارة لخوص، والمترجمة والروائية ومديرة مجلة “أرابيسك” أمل بوشارب، التي تشق طريقها نحو الشهرة، هي المقيمة مثله في إيطاليا. حضرت بوشارب مجسدة رمزية إبداعية بتقديمها روايتها الجديدة “سكرات نجمة”، التي ترجمتها يولاندا غواردي إلى لغة دانتي، وبيرانديللو، ومكيافيللي، وأمبرتو إيكو، وكانت يولاندا نعم الضيفة التي استحقت عن جدارة تمثيلها لشراكة ثقافية بين الجزائر وإيطاليا أمام جمهور اكتشفها واكتشف الصحافية والروائية الجزائرية الواعدة بشكل غير مسبوق. وتعزز الحضور الثقافي الإيطالي في البرنامج الثري الذي قدمته مديرة المركز الثقافي الإيطالي في الجزائر، أنطونيا غراندي.
وكما كان منتظرًا، حفلت الندوة الصحافية التي نشطها محافظ صالون الجزائر الدولي للكتاب بأرقام إيجابية حتمًا في نظره، وتمثلت في المليون و300 ألف زائر الذين تم إحصاؤهم من دون الأطفال والنساء الحوامل، الأمر الذي أحدث ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب هذه المقاربة الإحصائية الغريبة في نظر كثير من رواده. ومن الأرقام التي تباهى بها محافظ الصالون، نذكر 100 ألف زائر لفضاء الصالون الافتراضي، و857786 مشاهدة للفيديوهات على فيسبوك، و426447 متابعة تفاعلية. وحسب محافظ الصالون دائمًا، فإن أكثر من 1250 دار نشر شاركت في الصالون من 36 بلدًا أجنبيًا وعربيًا (266 دار نشر جزائرية، و324 عربية، و660 أجنبية)، كما برمج أكثر من 500 نشاط ثقافي تناول قضايا الذاكرة والتاريخ ومسائل وإشكالات أدبية وفنية مختلفة، كندوة الكتابة في ظل جائحة كورونا. واستضافت الندوة التي فاتنا حضورها لأسباب صحية الكتاب واسيني الأعرج، وعبدالله حمادي، وفضيلة ملهاق، وراوية يحياوي، وكلهم تحدثوا حسب صحيفة “الخبر” عن موضوع الندوة بشكل إيجابي منطلقين من زوايا متنوعة مشتركة، وأخرى مختلفة.
وللتاريخ، وعملًا بمبدأ التغطية الصحافية الموضوعية، وليس للقيام بإشهار لعبدكم الضعيف، نؤكد أن كاتب هذه السطور هو الكاتب الجزائري الوحيد، وليس العربي بالضرورة، الذي عالج الإشكالية في كتابه “أنوار في ليل كورونا… من دفتر محجور ثقافي”، الذي صدر في عمان، وفي قسنطينة، عن داري خطوط وظلال، وبهاء الدين. وحسب الصحافي والكاتب يوسف شنيتي، الذي التقته “ضفة ثالثة” في الصالون بالصدفة، فإن صدمته كانت أكثر من كبيرة إثر تأكده من الارتجال الذي ميز ندوة غاب فيها الكاتب الوحيد الذي “عالج كورونا من منظور أدبي وفني واجتماعي وحضاري”.
الدكتور الكاتب بوزيد بومدين، الأمين العام للمجلس الإسلامي، حضر بقوة بمداخلته حول الأمير عبد القادر، بمقاربة تتجاوز صورة المقاتل النمطية المحاطة به، وتلامس شخصيته المتعددة الجوانب باعتباره شاعرًا، وفيلسوفًا، ومثقفًا، وكاتبًا، ودبلوماسيًا، وسياسيًا. شخصية الأمير عبد القادر برزت في الصالون أيضًا من خلال كتاب “الأمير عبد القادر… أنصاره وخصومه”، للكاتب والصحافي عمار بلخوجة. الكتاب صدر عن الوكالة الوطنية للنشر والإشهار. شخصية الأمير عبد القادر برزت أكثر من خلال دار “الأمير”، لصاحبتها الكاتبة حياة قاصدي، المقيمة في مرسيليا، والتي كانت تستحق حضورًا في الجناح المركزي من منطلق تكريمها كمهاجرة أوصى رئيس الجمهورية بتشجيع أمثالها. السيدة، التي لم تحضر لأسباب عائلية قاهرة، وجدت نفسها في جناح أهقار الذي لم يدخله كبار وصغار الكتاب بالقدر الكافي، ولم يلتفت إليه معظمهم، رغم أنه كان الجناح الأول الذي يقابلهم عند مدخل الصالون.
الكتاب الديني والرواية والتاريخ
الإقبال الذي شهده صالون الجزائر الدولي لا يحتاج إلى تحليل سوسيولوجي وثقافي كبير، إذا استندنا إلى طغيان الزوار الملتحين الذين ظهروا يحملون أكياسًا ثقيلة مليئة بالكتب الدينية التي جاءت بها كثير من دور النشر العربية، كما جرى تمامًا في الدورات السابقة للصالون، وهي الدور التي تحمل تسميات أقرب إلى الخطاب الديني والأخلاقي المباشر. والشيء نفسه ينطبق على النساء المحجبات اللاتي حضرن بقوة لافتة مرتديات الحجاب التقليدي الذي ينم عن التزام ديني متشدد في نظر بعضهم، أو الحجاب العصري الذي لا يتناقض مع سروال الجينز في نظر بعض آخر. هذه الحقيقة باتت أمرًا واقعًا نرى امتداده في الحياة الجزائرية اليومية، ولا يمكن تجاهله، ويسهل مهمة الدارسين لسوسيولوجيا جمهور ما زال يطغى على صالون الجزائر الدولي للكتاب. خلافًا لذلك، يصعب الجزم، حينما يتعلق الأمر بزوار آخرين يقبلون على نوعيات متنوعة من الكتب، حتى ولو بدا واضحًا أن الرواية تأتي في المرتبة الثانية بعد الكتاب التاريخي والسياسي والتراثي، كما لاحظنا في معظم الأجنحة الجزائرية، بشقيها المفرنس والمعرب، وفي معظم الأجنحة العربية.
الطلبة الذين يمثلون نسبة معتبرة من الزوار أكدوا حضورهم بقوة بحثًا عن الكتب العلمية المفقودة في الجزائر، والشيء نفسه ينطبق على الطلبة الذين غزوا دور نشر جاءت بالكتب الصادرة باللغة الإنكليزية. ولعل الازدحام الذي عرفته دار “ولس ورتس”، التي جاءت بكتب إيما جونسون، وجين أوستن، وهاري بوتر، أحسن دليل على توجه يستحق الدراسة والتحليل. وإذا كانت المؤشرات المذكورة تعد مفاتيح أولية لتحليل أعمق، فإن الإقبال الكبير على الصالون لا يعد دليلًا على أن الجزائري يقرأ، كما أكدت ذلك صحيفة “الشروق”، التي لم تتردد في نشر تغطية حملت عنوان “جمهور معرض الجزائر ينهي تهمة غياب المقروئية ويطرح ظواهر جديدة للدراسة”. بعنوان كهذا يحمل في جوهره تناقضًا مبدئيًا لا يمكن فهم الجزم الذي جاء في الجزء الأول من العنوان، والدعوة في الجزء الثاني إلى دراسة الإقبال في الوقت نفسه للوقوف على كل خلفياته المرئية وغير المرئية.
“الإقبال الذي شهده صالون الجزائر الدولي لا يحتاج إلى تحليل سوسيولوجي وثقافي كبير، إذا استندنا إلى طغيان الزوار الملتحين الذين ظهروا يحملون أكياسًا ثقيلة مليئة بالكتب الدينية التي جاءت بها كثير من دور النشر العربية”
الصحيفة نفسها، التي كلفت صحافية معروفة بمهنيتها وجديتها بتغطية صالون الكتاب، هي نفسها الصحيفة التي اقتصرت على محاورة مسؤولي دور نشر من دون الزوار المنتمين إلى مختلف الشرائح الاجتماعية، ومن بينهم الزوار الذين يخرجون بحقيبة مليئة بكتب دينية، ولا يقفون لحظة واحدة أمام كتب فكرية وأدبية وروايات ودواوين شعرية، كما أكدت لنا ذلك آسيا علي موسى، صاحبة “دار ميم للنشر”.
الروائي بشير مفتي، المسؤول في دار “الاختلاف”، إلى جانب مديرتها آسيا موساي، التي نشرت روايات المبدع الصاعد بومدين بلكبير، بالتعاون مع دار ضفاف اللبنانية، أكد بدوره تراجع الكتب الفكرية أمام الرواية، التي أصبحت كثير من دور النشر تراهن عليها، بشقيها المعرب والمفرنس، لكسب معركة أدبية وتجارية في الوقت نفسه، وبدرجات متفاوتة. من بين هذه الدور دار “برزخ”، التي أفردت مكانة تحت الشمس لمدللها الروائي والصحافي كمال داوود، ولروائيين آخرين ينضوون تحت خطها الافتتاحي. الروائي كمال قرور، صاحب دار “الوطن اليوم”، اعترف في مراسلة مكتوبة بإقبال الجمهورعلى ثلاثية الروائية فضيلة الفاروق، التي طبعت لأول مرة في كتاب الجيب. الدار نفسها تميزت بنشر كتب 11 شخصية تندرج ضمن مشروع 1000 شخصية تنتمي إلى حقول معرفية عديدة. كثيرة هي دور النشر الجزائرية التي ظهرت بعناوين جادة غطت السير والإشكالات السياسية والمذكرات والتاريخ بكثير من الحذر المحسوب، حتى لا يتم تجاوز خطوط حمراء ما زالت تؤخر كتابة تاريخ جزائري يتطلب حرية مؤجلة حتى إشعار جديد. دور القصبة، والشهاب، والوكالة الوطنية للنشر والإشهار، والأمة، وبهاء الدين، والمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، انفردت بكتب هامة. وتميز حضور دار بهاء الدين بكتب “الحركة الوطنية” لرابح بلعيد، و”أسباب فشل نظام الحكم في إعادة بناء الدولة الجزائرية” للدكتور العربي الزبيري، و”إكليل خمسيني” للشاعرة المغتربة رشيدة محمدي، و”فرانتز فانون… رجل القطيعة”، و”عن الطب بوجه عام والطب النفسي في الجزائر بوجه خاص” للمحلل النفساني والمؤرخ المغترب عبد القادر بن عراب. حكيم بحري، صاحب دار بهاء الدين، تباهى أكثر بنشره في قسنطينة موسوعة “خريدة القصر وجريدة العصر” للعماد الأصفهاني، التي أشرف عليها الدكتور مبروك المناعي، وصدرت الموسوعة التي توزعها داره عربيًا أيضًا عن دار مداد يونيفرسيتي براس لصاحبتها نسرين بن علاق. وكما جرت العادة، راهنت كثير من دور النشر العربية على الترجمة (دار العبيكان كنموذج صارخ)، وعلى شتى أنواع الفكر والرواية. ومع الأسف، ورغم أهمية عناوينها، لم نقف عند إقبال مفترض أمام أجنحة دور الساقي، والفارابي (لبنان)، وخطوط وظلال (الأردن)، ودور عربية أتت بكتب فكرية مترجمة. دار “عصير الكتب” المصرية نجحت مجددًا في تسويق كتب الجن والسحر والدم والرعب، وأقبل على جناحها، الذي يشبه في تصميمه محلًا لبيع الأكل السريع، شباب تجدر دراسته هو الآخر.
جمهور التنفيس والترفيه واللقاءات التاريخية
إذا كان جمهور الكتاب الديني حقيقة لا ينكرها إلا الأعمى في صالون الجزائر الدولي للكتاب، فإن جمهور بعض نجوم الكتابة، وخاصة في مجال الرواية، لا يقل أهمية سوسيولوجية عن مثيله الديني، حتى وإن كان الشرخ الاجتماعي بينهما هائلًا. الثاني نخبوي النزعة والمنحى بامتياز، مقارنة بالأول الغارق في شعبية جارفة تفسر ظاهرة لا تعني حتمًا إقبال الجزائريين على القراءة، كما يقول أكثر من مسؤول رسمي. واسيني الأعرج، وأمين زاوي، وأمل بوشارب، وعبد الرزاق بوكبة، والسعيد بوطاجين، وبومدين بلكبير، ومدني عامر، وبشير فريك، وأسامة وحيد، وكمال بوشامة، وعبد القادر بن دعماش، وآخرون كثر صنعوا الفارق بطرق مختلفة يجمع عليها بعضهم، ويستنكرها ويستهجنها بعض آخر، لهذا السبب، أو ذاك، لخلفيات شخصية وأيديولوجية ومزاجية كثيرة.
“ضفة ثالثة”، التي حاولت رصد ما يستحق الرصد، رغم وصول مراسلها متأخرًا لأسباب صحية، وقفت عند حقيقة تألق الأسماء المذكورة بالحضور الإبداعي والشخصي على السواء، بغض النظر عن الخلاف الذي تطرحه كوجوه وكمسارات وتوجهات وكتابات. واسيني الغني عن التعريف، مثله مثل زاوي، أكدا تفردهما غير الجديد في الساحة الروائية، وبوكبة، وبلكبير، عمَّقا موهبتهما السردية إلى جانب روائيين آخرين كثر، وأمل بوشارب حضرت بوجهها الروائي الجزائري والإيطالي، وأسامة وحيد نحت لنفسه تواجدًا لافتًا ومشرعًا على كل التأويلات الجادة والساخرة، والشيء نفسه ينطبق على بشير فريك، المسؤول السياسي الذي اشتهر كسجين سابق لبوتفليقة، وككاتب، بشكل أو بآخر. مدني عامر، النجم التلفزيوني الدائم، ورغم مرور سنوات على هجرته الاضطرارية، مثله مثل العشرات من الصحافيين الجزائريين في عز العشرية السوداء، ولد مهنيًا من جديد بشكل لا ينكره إلا المريض بالبغضاء والحسد. عامر لم يعد ذلك النجم التلفزيوني الذي يحسن الظهور في الشاشة شكلًا ومضمونًا، وأضحى كاتبًا يطوع الفكرة والكلمة والمنهج. أثناء توقيعه كتابه الهام والأول من نوعه، والذي صدر عن “دار ميم للنشر” بعنوان “إعلام الأزمات وأزمات الإعلام”، أثبت وهو يناقش الجمهور الذي أقبل على كتابه أنه من طينة الإعلاميين النادرين الذين يفكرون ويكتبون، ولا يكتفون بضوء النجومية وبالسفسطة المجانية. عبد القادر شنيوني نجم تلفزيوني آخر برز في صالون الكتاب بكتابين متميزين، ألا وهما “أوقات إضافية تذكارية”، و”الرياضة الجزائرية في كل حالاتها (1962 ــ 2021)”. لم يوقع كتابيه، لكنه تحدث عنهما في استديو صحيفة “المجاهد” بشكل أدهش زوارًا تعجبوا لجرأة محلل رياضي لا يهادن، وخاصة حينما يصبح الأمر تغطية إعلامية على فشل عام، وليس رياضيًا فقط على حد تعبير أحدهم. الزوار الذين عدوا بالآلاف، وقيل إنهم يكذبون مقولة “الجزائري لا يقرأ”، ترددوا كثيرًا على جناحي بيع الأواني المنزلية والحقائب النسوية، والتفوا بالنافورة ملتقطين صورًا تذكارية ليوم تنفيسي وترفيهي بامتياز، حسب من يعتقد أن صالون الكتاب مناسبة سياحية لجزائريين يأتون من كل فج وطني عميق للتنزه وليس لاقتناء الكتب بالضرورة. آخرون قالوا إنه فرصة للقاء الأصدقاء والأعداء والأقارب والعقارب في عاصمة بلد كبير ومترامي الأطراف. آخرون قالوا: “الزوار يقضون وقتًا أكبر واقفين في طوابير لشراء ساندويتش، ووقتًا أصغر قبالة الكتب الغالية والأقل أهمية في حياة كثيرين عشية غلاء المعيشة قبل وعشية وبعد شهر رمضان المبارك”. آخرون قالوا: “كفاكم سخرية من الجزائري الذي يقرأ كما أثبت ذلك الإقبال على صالون الكتاب بعيدًا عن الأفكار المسبقة والمعلبة”!
شارك هذا المقال