أُنتِجَ هذا البودكاست ضمن الدورة الأولى من «برنامج مِنَح الجمهورية للصحفيّات السوريات»، الذي يَدعمُ إنتاج مشاريع صحفية مُعمَّقة تتعلّقُ بشؤون السوريين والسوريات ومعاشهم داخل البلد وخارجه. عملت الزميلات الصحفيات على مشاريعهنَّ مع محررات ومحررين من فريق الجمهورية، وكان المُحرِّر المشرف على هذا البودكاست هو الزميل قاسم البصري.
* * * * *
يمرّ نهر الفرات في أربع محافظاتٍ سورية، تُشكّل أكثر من نصف مساحة بلادنا وعصبها الزراعي، لكنّه لم يحمل يوماً طابعاً سورياً عاماً، كما لم تحمل بلادنا في صفاتها أنها «بلد الفرات» مثلما هو الحال مع الدولَتين الجارَتين اللتين يرويهما النهر نفسه. وإذا لم يُتَح للنهر العظيم أن يكون جزءاً من هوية البلد ويعني شعبها بالكامل، فكيف بأكبر السدود المُقامة عليه؛ سدّ الفرات في مدينة الطبقة الواقعة في ريف الرقة.
لهذا السد، منذ لحظة تأسيسه، أهمية ذات أبعاد مختلفة: كان يُرجى منه استصلاح أكبر مساحةٍ من الأراضي الزراعية في أكثر مناطق البلاد خصوبة، وكان يُرجى منه تغذية مزيدٍ من البيوت والمنشآت السورية بالكهرباء التي لا تتطلب وقوداً أحفورياً. ولكنه كان فعلياً أول منجزات حزب البعث الذي يحكم بلادنا منذ لحظة بناء السد إلى يومنا هذا، وكان عنوان أول عملية سطوٍ لحافظ الأسد على سوريا وأهلها، وعلى جهد وعمل مَن سبقوه من رفاقه القدامى الذين زجّهم في السجون أو طردهم إلى المنافي، وكان عنوان أول عملية سطوٍ له على عَرَق السواعد السورية التي شيّدت السد، فصارت البحيرة التي شَكَّلها السدُّ خلفه «بحيرة الأسد» وحده، بعد أن «نزعَ الرئيس حافظ الأسد عن الفرات عباءته الطينية، وأعطاه قلماً ليكتب يومياته كنهرٍ متحضر» وفق تعبيرٍ ركيك للشاعر الكبير نزار قباني. عدا ذلك، كان السد الذي وعدنا بالخيرات الكثيرة قد أغرق بمياه بحيرته قرىً كثيرةً فيها الكثير من تاريخ بلدنا وعنه، وتسبّبَ بأول تهجيرٍ قسري وتغييرٍ في الهندسة الديمغرافية لمنطقة الجزيرة السورية بعد حكم البعث. فيَالها من سيرةٍ معقدة!
عاش سدُّ الفرات، هذا الأصل السوري المهم، قرابة خمسين عاماً فيها الكثير من الرتابة، ولكن فيها أيضاً الكثير مما لا يُطاق، تحديداً خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة: أربع سلطاتٍ متعاقبة وتفخيخٌ وقصفٌ بسلاح الطيران وتهديدٌ جدّي بالانهيار وعددٌ غير محدودٍ من مرّات الخروج من الخدمة كلياً أو جزئياً.
اليوم، إذا بحثنا عن سدِّ الفرات على محركات البحث سنجد الكثير من التفاصيل والتقنيات المتعلقة بتاريخه وأسلوب تشغيله، وسنجد بعض الصور أو الكثير منها، إضافةً إلى عددٍ من الأفلام الوثائقية القديمة والحديثة. معظم المعلومات الموجودة والأساليب المُختارة لعرضها ستكون موجهةً، على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، للمتخصصين أو الصحفيين أو الباحثين، وسنجد أن هذه المعلومات متضاربةٌ علاوةً على جمودها وخُلوِّها من المتعة. لماذا نخبركم بذلك؟ لأننا قررنا تحطيم صورة السدِّ الجامدة والمملّة، ورسم حكايةٍ تجريبيةٍ ممتعةٍ وعميقة ورصينة المصادر، توخّينا من خلالها كسر جمود الكتلة الأسمنتية العملاقة بالسرد والصوت والترفيه وتقديم الجديد، بما في ذلك الفصل الأخير من حياة السد، ومن خلال أحد المسؤولين عن تشغليه لحظة تَعرُّضه لخطر الانهيار.
نقول في ختام حكايتنا التي ستسمعونها إنّ سدَّ الفرات لجميع السوريين، ومن حقهم أن يعرفوا المزيد عنه قبل أن يصل إلى «منتصف العمر» بعد فترةٍ قريبة، رغم أنه عاش جميع «أزمات منتصف العمر» مبكراً جداً. فلـ«نتعلّل» سوياً مع هذا البودكاست، كما يفعل عادةً أهل الفرات في جَمْعاتِهم الحميمة.
تعليق وإخراج: مينا ورد
رسم وتصميم وتحريك: ريتا أديب
الإشراف العام والتحرير: قاسم البصري