عندما تحرّرت حلب في نهاية عام 2016، فُسّر ذلك على أنه نهاية للحرب، وانتصار حاسم للرئيس السوري، بشار الأسد، على خصومه. لكن تجدُّد الحرب، بدءاً من الأسبوع الماضي، وسقوط المدينة، وتقدُّم المسلحين المعارضين في عمق ريف حماة واقترابهم من مركزها، دفع الأتراك إلى أن يتصرفوا على أساس أن التوازنات في سوريا قد تبدّلت، وأن الغلبة أصبحت لمصلحة سلطة رجب طيب إردوغان، وحليفه دولت باهتشلي.
ورغم محاولات أنقرة نفي تورّطها في الأحداث الميدانية، إلا أن تصريحات مسؤوليها تعكس مسارعةً إلى استثمار تقدُّم الفصائل المسلحة لفرض الشروط على دمشق. وتمظهر ذلك خصوصاً في تصريحات كلّ من إردوغان وباهتشلي، والتي وصلت إلى حد التهديد، وفقاً لِما عنونت به صحيفة «يني شفق» أمس صفحتها الأولى، بالقول: «إردوغان للأسد: التهديد الأخير». كما أن الرئيس التركي دعا، في اتصال مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى ضرورة أن تنخرط سوريا في عملية المصالحة بشكل فاعل، و«إلا فإن الأمور ستذهب إلى الأسوأ بالنسبة إلى النظام». وفي ما يشبه العودة إلى مراحل التدخّل التركي في سوريا، في بداية الحرب، قال إردوغان إن «الأولوية التركية هي الاستقرار في ما وراء الحدود، وعدم إلحاق الأذى بالشعب السوري»، مكرّراً أن «مصلحة تركيا تكمن في وحدة الأراضي السورية».
وبدوره، اتهم زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، في خطاب مطوّل، الأسد بأنه «لم يقابل اليد التي مدّها إردوغان إليه، بالمثل». وجدد القول إن «مصلحة الأسد الشخصية أولاً، ثم مصلحة بلاده، أن يُظهر إرادة التطبيع وإقامة حوار ولقاء من دون شروط مسبقة». ولفت إلى أن «سوريا لم تعرف الاستقرار منذ 14 عاماً، وها هي الجبهات تُفتح من جديد. إن الأساس هو الوحدة السياسية والجغرافية للجمهورية العربية السورية». وأضاف: «سوريا هي في وضع الدولة التي لا تسيطر على ثلثي أراضيها وتكاد تنقطع الصلة بين اللاذقية ودمشق… نحن أمام فاجعة أكبر في حال خسارة المركز وجلوس الأطراف لتقاسم سوريا». وتابع باهتشلي أن «الوقت لم يفت بعد، والأسد يجب أن يدرك أن تنظيف سوريا من الإرهاب الكردي هو بأهمية تنظيف الأناضول من هذا الإرهاب»، داعياً إلى إعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا ومنع أيّ دولة ثالثة من عرقلة هذا الهدف. وفي ما يشبه التهديد، قال: «على الأسد أن يعرف أنه لن يبقى طويلاً في الحكم، وإذا اعتقد ذلك، فهو يخدع نفسه وسيفهم ذلك عاجلاً أم آجلاً»، مضيفاً أنه «من واجبنا التفكير في تأثيرات اندلاع المواجهات من حلب إلى حماة، على مصالح تركيا. وبعد السيطرة على تل رفعت، نتمنّى ألّا يتأخّر سقوط منبج وتنظيفها من المسلحين الأكراد».
وإضافة إلى الكتّاب الموالين لإردوغان، لفت أن بعض الأقلام التي تتبع رئيس وزراء تركيا السابق، أحمد داود أوغلو، باتت تدعو، رغم معارضتها الحالية للرئيس التركي، إلى التخلص من حُكم الأسد. فوفقاً لمحمد أوجاقتان، في صحيفة «قرار» المعارضة والموالية لداود أوغلو وعلي باباجان، فإنه «إذا اقتربت نهاية دكتاتور، فلِمَ لا؟». وقال أوجاقتان إن «أكثر من نصف الشعب السوري اضطرّ إلى مغادرة سوريا، فضلاً عن مقتل عشرات الآلاف. وكل هذا بدعم من روسيا وإيران»، لافتاً إلى أن الوضع تغيّر بالنسبة إلى الفصائل المعارضة، إذ «تتحرّك بتنسيق تام في ما بينها، وتمتلك أسلحة حديثة ومسيّرات كما لو أنها جيش نظامي. ويجب أن نقارب الوضع في سوريا في ضوء هذه المعطيات». وأضاف أن «السيطرة الروسية – الإيرانية على سوريا تراجعت، والأسد تم كسره، وهو الآن وحده»، فيما «مسار أستانا انتهى، ويجب مراقبة السلوك الأميركي الداعم للقوات الكردية في شرق الفرات». ورأى أن «الموقف الجديد في سوريا يعزّز موقف تركيا ويقوّي يدها. ونحن نعرف أن الأسد لم يتجاوب مع مبادرة مد إردوغان يده إليه. ربّما لو مدّ الأسد يده، لكان الوضع مختلفاً الآن. ولكي تحافظ تركيا على هذا التفوّق، عليها أن تحميه بحملات مكثّفة لدى روسيا وأميركا، وعلى أعلى مستوى».
ومن جهته، كتب طه آقيول، في الصحيفة نفسها، أن «وضع إيران وروسيا المتراجع في هذه المرحلة، شكّل الظرف الأنسب للفصائل المعارضة المدعومة من تركيا لتقوم بمهاجمة مناطق النظام السوري، وتسيطر على تل رفعت، المركز الأهم للأكراد في غرب الفرات، من دون مقاومة، وهي التي كانت تحت سيطرة روسيا». واعتبر آقيول أن «يد تركيا في سوريا باتت أقوى الآن. وإذا لم تعترف المعارضة التركية بهذا الواقع، تكون عمياء. ولكن تعزيز يد تركيا ليس حتى الآن نصراً، إذ يجب انتظار سير المعارك التي لم تنتهِ بعد. ويجب ألا نخطئ بالقول إن الموصل وكركوك لنا، أو أن حلب مدينة تركية. على القوميين الأتراك ألّا يوسّعوا حدود تركيا، بل أن يرتقوا بتركيا وأن تكون تركيا دولة متطوّرة وتصل إلى الرفاه والمنعة».