مع تقلص نفوذ إيران ودور “أذرعها” في الإقليم، يتوقع الفاعلون السياسيون في إقليم كردستان العراق عودة التوازن السياسي والأمني إلى علاقة الإقليم بإيران، بعدما كانت الأخيرة قد مارست طوال السنوات الماضية ضغوطاً كبيرة على الإقليم، وقصفته بالصواريخ أكثر من مرة.
القنصل الإيراني العام في مدينة السليمانية في إقليم كردستان محمد محموديان أشار في تصريحات لوسائل إعلام محلية إيرانية إلى رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع إقليم كردستان. وقال: “المستوى الحالي للعلاقات مع إقليم كردستان العراق غير كافٍ، ولا يتناسب مع القدرات المشتركة للجانبين. تسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الشاملة مع إقليم كردستان العراق وجميع المعنيين يسعون لتوسيع هذه العلاقات”. كلام القنصل الإيراني جاء عندما كان يتفقد الحدود المشتركة بين الطرفين قبل أيام.
المراقبون في إقليم كردستان اعتبروا تصريح القنصل الإيراني، معطوفاً على الأجواء الإيجابية للزيارات المتبادلة بين مسؤولي الطرفين، ودور إيران الإيجابي في تحسين علاقات إقليم كردستان مع الجهات العراقية المرتبطة بإيران، بمثابة عودة إلى التوازن في علاقة الطرفين، بعدما شهدت مراحل طويلة من التوتر.
وتمتد الحدود المشتركة بين كردستان وإيران لأكثر من 500 كلم، وأغلبها مناطق جبلية شديدة الوعورة، وبينهما ملفات أمنية معقدة، مثل المسألة الكردية داخل إيران ومشكلة مئات الآلاف من اللاجئين والمعارضين الإيرانيين الذين يقيمون في مخيمات في الإقليم وفي مدنه، في موازاة علاقات اقتصادية متنامية، ويصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 10 مليارات دولار.
ومنذ عام 2003 تبدلت علاقة إيران مع كردستان. فقد كانت إيران مُرحبة بموقف الإقليم من إسقاط النظام العراقي السابق، وترى الأحزاب الكردية شريكة لحلفائها الشيعة في العراق. لكن الصورة ما لبثت أن تبدلت مع الوقت، تحديداً منذ أن تمادت الطموحات السياسية الإيرانية داخل العراق، عقب خروج القوات الأميركية في أواخر عام 2011، وتطلع إيران للهيمنة التامة على الفضاء السياسي والأمني في العراق، وهو ما عارضه إقليم كردستان بشدة، بحكم هويته الدستورية واستراتيجية قواه السياسية.
وتفاقمت الضغوط السياسية الإيرانية على الإقليم، وأغلبها كان عن طريق القوى السياسية والمسلحة العراقية التابعة لها، بالذات بعد عام 2017، حينما نفذ إقليم كردستان “استفتاء الاستقلال”. لكن مرحلة أخرى من الضغوط الإيرانية على كردستان بدأت عبر اتهام الإقليم بالتعاون مع “الاستخبارات الإسرائيلية”، وصولاً إلى قصف الأماكن المدنية داخل مدينة أربيل أكثر من مرة، ومثلها قصف معسكرات الأكراد الإيرانيين في كردستان، وصولاً إلى التهديد باجتياح عسكري ما لم تُبعد الساسة والمخيمات الكردية الإيرانية عن الحدود المشتركة، ودائماً باعتبار الإقليم جزءاً من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
وانخفضت مستويات الضغوط الإيرانية طوال الشهور الماضية، فاستقبلت طهران رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني أكثر من مرة، فيما زار الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان مدينتي أربيل والسليمانية في الإقليم والتقى كل المسؤولين الأكراد، وأطلق تصريحات إيجابية تجاه الإقليم، متحدثاً باللغة الكردية أكثر من مرة.
مصدر سياسي كردي رفيع، شرح في حديث إلى “النهار” ما اعتبرها الأسباب الموضوعية الثلاثة التي دفعت إيران إلى أن تُعدل سلوكها المناهض لإقليم كردستان، وتطلب التودد وعلاقات إيجابية في الحاضر والمستقبل، وقال: “خلال شهور الصراع الطويلة بين إسرائيل وإيران وأذرعها، لم يُظهر إقليم كردستان أي عداء أو استغلال للظرف الأمني والسياسي الصعب الذي مرت به، بل على العكس تماماً، أظهر قادة الإقليم تعاطفاً مع ضحايا هذه الحرب الإسرائيلية، وطالبوا بوقفها. السبب الآخر هو زيادة وتيرة الصراعات الطائفية خلال المرحلة نفسها، وإقليم كردستان ليس له أي نزوع في ذلك الاتجاه، بل يسعى لأن يكون مثالاً للتعايش المدني بين كل التشكيلات المذهبية والطائفية. لأجل ذلك، كانت إيران تسعى لأن تُظهر نفسها جهة لا تتعامل بحسب تلك المعايير، خصوصاً مع الدول والكيانات المجاورة لها. مع الأمرين، فإن التحول الإيراني وتودده تجاه الإقليم هو بمثابة استعداد سياسي/لوجستي تجاه الإدارة الأميركية الجديدة، التي من المتوقع أن تمارس ضغوطاً شديدة على إيران، بالذات عبر العراق، ولذاك تريد إيران ضمان علاقات إيجابية مع أغلب الطيف العراقي”.
الكاتب والباحث هيما نيازي تحدث إلى “النهار” عما سمّاه فروض عودة إيران إلى علاقاتها التقليدية مع جوارها، بعد مرحلة تراجع نفوذها الإقليمي، وقال: “علاقات إيران مع كردستان من موقع القوي خلال السنوات الماضية، كانت مؤشراً إلى تنامي نفوذها وسطوتها الإقليمية، لذلك كانت ترى في الإقليم كياناً مستضعفاً، يمكن ضمه سياسياً وأمنياً. لكن تراجع نفوذها الإقليمي والأمني، وقابليتها لأن تكون كياناً مستهدفاً من الداخل، خصوصاً أن الأقلية القومية الكردية داخلها شديدة الحيوية، تدفعها لأن تفكر بعلاقات معتدلة مع إقليم كردستان، إذ ترى في مثل تلك العلاقة أداة للتقارب مع القوى الحاضرة في إقليم كردستان، الولايات المتحدة بالذات”.