Shutterstock

الأربعاء الماضي، بعد أربعة أيام على الهجمات التي شنتها “حماس” على مواقع مدنية وعسكرية إسرائيلية، مما أطلق حرباً إسرائيلية غاشمة على قطاع غزة حيث تتمركز الحركة، أعلنت إسرائيل أن وحدة الأمن السيبراني في منظمة “لاهف 433” التابعة للشرطة الإسرائيلية جمدت حسابات بالعملات المشفرة تخص “حماس”. وأفاد بيان للشرطة الإسرائيلية، وفق “تايمز أوف إزراييل”، بأن الحركة الفلسطينية المسلحة تستخدم هذه الحسابات لتمويل نفسها مذ اجتاح مقاتلوها المواقع الإسرائيلية المحاذية للقطاع وما تلاها من قصف إسرائيلي عنيف للمنطقة لم يستثن الأهداف المدنية، ومن تحضيرات لاجتياح إسرائيلي باجتياح للقطاع وتهجير أهله.

وبحسب بيان الشرطة الإسرائيلية، تعمل المنظمة، التي يعني اسمها “الشَّفرة” ويعود تأسيسها إلى عام 2008 وتُعتبَر النسخة الإسرائيلية من مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي “إف بي آي”، بالتعاون مع وزارة الدفاع الإسرائيلية ووكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية (شين بيت) ووكالات استخبارية محلية أخرى، لإغلاق قنوات تستخدمها “حماس” وغيرها من حركات حليفة لها في تمويل نفسها من طريق العملات المشفرة. وأفاد البيان، وفق الصحيفة الإسرائيلية الإلكترونية، بأن البورصة العالمية للعملات المشفرة، “باينانس”، تعاونت مع إسرائيل في تحديد مواقع الحسابات المعنية وإغلاقها. كذلك تعاونت “لاهف 433” مع الشرطة البريطانية لإغلاق حساب معني بحملتها في مصرف “باركليز” البريطاني.

يسلط الخبر عن وقف هذه التحويلات بالعملات المشفرة الضوء على جهود قديمة ومستمرة تبذلها الولايات المتحدة وإسرائيل لقطع التمويل الأجنبي عن “حماس” وحليفيها حركة “الجهاد الاسلامي” و”حزب الله” اللبناني.

وقد تلقت الحركات الثلاث، وفق “وول ستريت جورنال”، خلال السنة المنتهية بهجوم “حماس” المباغت لمواقع إسرائيلية براً وجواً وبحراً، أموالاً “كبيرة الأحجام” من خلال تحويلات بالعملات المشفرة، واستندت الصحيفة الأميركية في تقريرها إلى أوامر أصدرتها الحكومة الإسرائيلية وتقارير لمحللين لحركات سلاسل الكتل المعنية، أو مجموعات “البلوكتشاين”، وهي قواعد بيانات موزعة تشكل سجلات متنامية الأحجام، تغطي في هذه الحالة المعاملات المرصودة.

أموال غزيرة… يصعب تقديرها

وتُقدَّر الأموال التي تلقتها “الجهاد” خلال السنة، التي يُعتقَد بأن الحركات الثلاث نسقت فيها هجوم السبت، بنحو 93 مليون دولار، في حين حصلت “حماس” بالطريقة نفسها على نحو 41 مليون دولار. وتشارك “الجهاد” مع “حماس” عملياتها منذ السبت، في حين يشتبك “حزب الله” مع القوات الإسرائيلية بين حين وآخر عبر حدود لبنان الجنوبية.

وإذ لم تذكر الصحيفة كم جمع “حزب الله” من المال بالعملات المشفرة، مكتفية بالإشارة إلى أن “الجهاد” حولت له عملات مشفرة بقيمة 12 مليون دولار منذ عام 2021، وكانت “أسوشيتد برس” أوردت في يونيو/حزيران الماضي تقريراً نقلت فيه عن الحكومة الإسرائيلية إعلانها مصادرة عملات مشفرة تساوي قيمتها “ملايين الدولارات” من حسابات تتلقى أموالاً أو ترسلها من “حزب الله” و”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”. وأفادت وكالة الأنباء بأن العملية شارك فيها “معهد الاستخبارات والعمليات الخاصة” (الموساد) ومكتب الاستخبارات العسكرية والشرطة الإسرائيلية وغيرها.

 

تلقت “حماس” وحليفيها حركة “الجهاد الاسلامي” و”حزب الله” خلال السنة المنتهية بهجوم “حماس” المباغت لمواقع إسرائيلية براً وجواً وبحراً، أموالاً “كبيرة الأحجام” من خلال تحويلات بالعملات المشفرة

 

“وول ستريت جورنال”

وشدد خبراء في العملات المشفرة تحدثت إليهم “وول ستريت جورنال” على أن ما صادرته إسرائيل من أموال موجهة إلى الحركات الثلاث لا يمثل على الأرجح سوى غيض من فيض ما تلقته، ولم يتضح، وفق الصحيفة، مقدار الأموال المتلقاة المستخدمة في تمويل عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها “حماس” السبت. ونقلت الصحيفة عن الشرطة الإسرائيلية تأكيدها أن الحركات الثلاث تطلب تبرعات بالعملات المشفرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حين لفتت إلى تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي يفيد بأن “فجوات في ضوابط الجريمة المالية” تتيح تحويلات بالعملات المشفرة إلى حركات تدرجها واشنطن في خانة الإرهاب، ويشير إلى افادة تنظيمي “القاعدة” و”داعش” من تحويلات كهذه في الماضي غير البعيد.

 

 

وتحقق وزارة العدل الأميركية في القواعد المطبقة لمكافحة تبييض الأموال لدى “باينانس”، كبرى بورصات العملات المشفرة في العالم. وقال ناطق باسم “باينانس” للصحيفة إن فريق البورصة “يعمل في الوقت الحقيقي وعلى مدار الساعة لدعم الجهود المبذولة” أميركياً وإسرائيلياً لمصادرة العملات المشفرة الموجهة إلى الحركات الثلاث وغيرها. ولفت باحثون في تمويل “حماس” إلى أنها تستقدم دعماً مالياً بالعملات المشفرة إلى غزة من مصر. وتقدر السلطات الأميركية أن إيران تبقى الممول الرئيسي للحركة إذ تمدها بنحو 100 مليون دولار سنوياً.

 

قال ناطق باسم “باينانس” إن فريق البورصة “يعمل في الوقت الحقيقي وعلى مدار الساعة لدعم الجهود المبذولة” أميركياً وإسرائيلياً لمصادرة العملات المشفرة الموجهة إلى الحركات الثلاث وغيرها

 

 

لا تخفي “حماس” استعانتها بالعملات المشفرة للحصول على تمويل، ويعود أقدم إعلان لها في هذا المضمار إلى عام 2019 على الأقل، فقد استعان جناحها العسكري، “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، بحساب على تطبيق التواصل الاجتماعي “تلغرام” لطلب دعم عن هذا السبيل، بل ونشر على الحساب عنوان محفظة تخصه للعملات المشفرة، ويُقدَّر أنه حصل على 30 ألف دولار عامذاك من خلال هذه المحفظة.

وما لبثت الحركة أن سحبت عنوان محفظتها لحماية المتبرعين بعدما تابع محققون أميركيون مصادر التمويل من خلال مجموعات البلوكتشاين المعنية. وفعّلت “حماس” أدوات معالجة تنشئ عناوين في شكل تلقائي تضخ ما تتلقاه من أموال في محفظتها التي بات عنوانها خفياً. ثم أعلنت في أبريل/نيسان في بيان التوقف عن تلقي تبرعات من طريق العملات المشفرة لحماية المتبرعين.

كريبتو من الهند الى محفظة “القسام”

وبرزت صلة بالهند. فقد نشرت “بزنس توداي” أن تحقيقاً رسمياً تجريه الهند في عملية احتيال طاول محفظة للعملات المشفرة في البلاد كشف عن تحويل غير مشروع لنحو ثلاثة ملايين روبية (36 ألف دولار تقريباً) من المحفظة إلى مَحافظ تخص “القسام”، يجري تشغيل بعضها في الجيزة بمصر ورام الله بالضفة الغربية. وأوضحت المجلة الهندية أن الأموال تنقلت بين مَحافظ عدة قبل حلولها في محافظ “القسام”. وتقاطع التحقيق الهندي مع آخر كان يجريه “المكتب الوطني لمكافحة تمويل الإرهاب” في إسرائيل. ولم تحدد المجلة عدد المَحافظ التي كان المكتب الإسرائيلي يلاحقها.

ولا يخشى خبراء في العملات المشفرة من تأثر سوق هذه العملات بالتحقيقات الأميركية والإسرائيلية بقدر ما يخشون من الحرب نفسها. يفيد موقع “كوين ديسك” الإلكتروني المتخصص بأخبار هذه السوق نقلاً عن خبراء بأن نتائج حرب غزة تعرّض عملات مشفرة أكثر مخاطرة، مثل البتكوين، إلى ضغوط.

 

لا يعرف كم جمع “حزب الله” من المال بالعملات المشفرة، إلا أن “الجهاد” حولت له عملات مشفرة بقيمة 12 مليون دولار منذ عام 2021

 

“وول ستريت جورنال”

ولفت الخبراء إلى أن نشوب الحرب في الشرق الأوسط الغني بالنفط يقلق المستثمرين، ولا سيما منهم من يضعون أموالهم في العملات المشفرة، مذكّرين بالارتفاع، ولو البسيط (1في المئة)، الذي شهدته أخيراً الأسعار الفورية للذهب، المعتبر ملاذاً آمناً للاستثمارات، إضافة إلى أسعار النفط، بالتزامن مع تراجع أسعار الأسهم. وفي هذه الأثناء، تتقلب أسعار العملات المشفرة، لكن الميل العام هو إلى الانخفاض.

من المعروف أنه يتم إخضاع العملات المشفرة إلى ضوابط تدريجية لا تزال بعيدة عن تلك التي تحيط بالعملات التقليدية، لكن من غير المستبعد أن يعزز هذا التوجهَ، الإطباقُ الإسرائيلي وإلى حد ما الأميركي على تمويل “حماس” و”الجهاد” و”حزب الله” بالعملات المشفرة، التي بات بائعون كثر يقبلونها لقاء بضائعهم، وصولاً ربما إلى تحجيم التداول بهذه العملات أو إخضاعه إلى قواعد مثل التداول بالعملات التقليدية التي ترعاها المصارف المركزية.