في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) الفائت، وخلال الدقائق القليلة التي لم يقاطعه خلالها أعضاء الكونغرس بالتصفيق، ذكر بنيامين نتنياهو إيران نحو 28 مرة.
كانت الحرب الإسرائيلية في غزة في أوجها، وجبهة الإسناد مفتوحة. حينها كرّر مقولته بأنه يفضّل الحلّ الديبلوماسي مع “حزب الله”، لكن إسرائيل ستفعل ما بوسعها “لإعادة السكان إلى الشمال”.
رسالته إلى واشنطن حينها كانت في مضمونها عبارة عن بضع كلمات: “إسرائيل تخوض حروب أميركا في الشرق الأوسط نيابة عنها”. كان يريد ضوءاً أخضر من مبنى الكابيتول يتردد جو بايدن في منحه إياه. إنه ضوء أخضر يطلق يده في الحرب ضد “محور المقاومة” برأسه الإيراني، الذي ما إن يصير نووياً حتى تكون أميركا نفسها الهدف التالي له بعد إسرائيل.
الأحداث التي تتالت على مسرح الشرق الأوسط منذ ذاك الخطاب وقعت في فترة خمسة أشهر، تبدو كأنها عقود. بعد حرب إسرائيل الشرسة على لبنان، والقضاء على بنية “حزب الله” القيادية من رأسها وصولاً إلى الصف الثالث، والدمار الهائل الذي ألحقه ببنية الحزب العسكرية وبحياة المدنيين على حد سواء، وصل نتنياهو إلى وقف إطلاق النار بخلاصة أنه، بعد “حماس”، شلّ قدرة “حزب الله” على التأثير في صراع إسرائيل مع إيران.
التهاوي المذهل لكامل منظومة بشار الأسد خلال أيام تبنته أطراف دولية عديدة بصفته انتصارها. الولايات المتحدة التي أنهكت روسيا في أوكرانيا وبالعقوبات الاقتصادية، وعدم تحمّسها بالتالي للغرق في وحل جبهة ثانية، وتركيا بدعمها “هيئة تحرير الشام”، وإسرائيل بالغطاء الجوي المستمر منذ حرب غزة في قصف مراكز “حزب الله” ومستودعاته وخطوط الإمداد من إيران عبر سوريا، كما أن إسرائيل عطّلت أيّ قدرة للحرس الثوري الإيراني على التحرك في سوريا. وبسقوط الأسد، بادر نتنياهو إلى اجتياح الأراضي السورية بينما سلاحه الجوي يعمل على تدمير كل القدرات العسكرية التي خلفها الجيش السوري وراءه.
شهية نتنياهو المفتوحة على الحروب لا تلقى اعتراضاً غربياً ولو يتيماً. الإدارة الأميركية الحالية، الآيلة إلى نهايتها بعد أسابيع، ترى أن إسرائيل عليها أن تفعل ما تراه مناسباً لحماية نفسها. الإدارة المقبلة تريد السلام في كل مكان، إن بين روسيا وأوكرانيا، أو بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن دونالد ترامب الذي اختارته مجلة “تايم” رجل السنة قال في الحوار مع المجلة رداً على سؤال عمّا إذا كان الخيار العسكري مطروحاً مع إيران بأن “كل شيء ممكن”.
أجريت المقابلة في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، قبل أيام من بداية النهاية للنظام في سوريا. أخيراً أعلن نتنياهو أنه اتفق وصديقه الحميم ترامب في اتصال هاتفي على “إكمال انتصار إسرائيل”. الانتصار الذي يستعجله نتنياهو بتحقيق “الشرق الأوسط الجديد”، الذي ذكر بوعده السابق بأنه “سيغيّره، وها هو يتغيّر”. نتنياهو الذي ما زال منتشياً باغتيال “محور المحور” كما سمّى السيد حسن نصرالله توعّد إيران و”حزب الله” بأنه سيواصل مهاجمتهما في كل مكان وفي أيّ زمان لمنعهما من “أذية إسرائيل”. الآن، وبينما يستعرض قوته في سوريا، وبينما إيران تعيش أسوأ أيامها، بات باستطاعته أن يهددها، وأن يقول إن “سوريا لم تعد هي نفسها، كذلك غزة ولبنان وإيران التي لا شكّ أنها تشعر بوطأة قوتنا”.
لم يخفِ نتنياهو يوماً طموحه الجارف للقضاء على النظام الإيراني، أو على الأقل نزع أظفاره الإقليمية لمرة واحدة وأخيرة، ولم تكن الفرصة سانحة للتفكير بمثل هذا الطموح أكثر من الآن. وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت قال لـ”وشنطن بوست” إن الهجوم الإسرائيلي على إيران في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت كان معداً منذ أشهر، وقد فتح ممراً لإسرائيل لمهاجمة طهران مستقبلاً. الهجوم الإسرائيلي دمّر، بحسب غالانت، الدفاعات الجوية الإيرانية الروسية الصنع S-300، وطهران الآن باتت مكشوفة، ومن دون دفاع استراتيجيّ، كما أن الهجوم على المنشآت عوّق قدرة إيران على إنتاج الوقود الصلب للصواريخ الباليستية. تقديرات غالانت تشير إلى أن إيران باتت بالكاد قادرة على إنتاج وقود لصاروخ واحد أسبوعياً بعدما كانت تنتج وقوداً لصاروخين يومياً، وأنها بحاجة إلى سنة على أقلّ تقدير لاستعادة إيقاعها السابق في الإنتاج. نتنياهو الذي لم يهاجم المنشآت النووية الإيرانية بضغط أميركي وغربي المرة الفائتة، يبدو أن الحلم عاد ليداعب خياله مجدداً. بحسب قناة “فوكس”، فإن القوات الجوية الإسرائيلية تتحضر لضربة محتملة ضد البرنامج النووي الإيراني، في ظل “حملة ضغط أقصى” تحضرها إدارة ترامب الانتقالية ضد البرنامج. وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس قال الشهر الفائت إن “إيران مكشوفة أكثر من أيّ وقت مضى لتلقّي ضربات في برنامجها النووي. ولدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأسمى في القضاء على هذا الخطر الوجودي على دولة إسرائيل”.
“هآرتس” قالت الإثنين إن “مسؤولاً كبيراً في الجيش الإسرائيلي أخبر صحافيين الأسبوع الفائت بأن سلاح الجو يستعدّ للمهمة الكبرى المقبلة التي قد تحظى بدعم الإدارة الأميركية الجديدة، خصوصاً أنها تستهدف إيران”.
هل يحقق نتنياهو حلمه في لحظة العزلة الإيرانية الأصعب؟ ومتى؟ بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أم يسارع إلى تقديم رأس إيران النووية هدية إلى صديقه الحميم، عربون محبة على أعتاب “الشرق الأوسط الجديد”؟