لم يلقَ الإعلان عن تشكيل حكومة تصريف أعمال في سوريا بعد إطاحة الرئيس بشار الأسد أيّ اعتراض من القوى السياسية السورية الفاعلة، سواء في الداخل أم في الخارج، بل لعلّ السلاسة التي انتقلت فيها الصلاحيات من حكومة محمد غازي الجلالي إلى حكومة محمد البشير عززت أجواء الطمأنينة وقلّلت من احتمال حدوث فوضى دستورية أو أمنية. غير أنه بعد مضيّ أكثر من أسبوع على تولّي البشير رئاسة حكومة تصريف الأعمال، ارتسمت علامات استفهام كثيرة حول أداء الحكومة ومدى تقيّدها بحدود تصريف الأعمال، لا سيما أن بعض القرارات التي تصدر عنها لها طابع استراتيجي لا يتفق مع التعريفات الدستورية السائدة لحكومة تصريف الأعمال.
ومن أمثلة الفوضى التي بدأت تلفت انتباه المراقبين والخبراء الدستوريين: إصدار بيانات تتضمن سنّ عقوبات على تصرفات معينة يصل بعضها إلى السجن أكثر من سنة، وكذلك إجراء تسوية لضباط الجيش السوري وعناصره، لأن ملف الجيش وتسريحه أو الحفاظ عليه أو على قسم منه لا يدخل بأي شكل من الأشكال في مهمات تصريف الأعمال، وأيضاً حلّ مجالس النقابات المركزية كما حدث مع نقابة المحامين وتعيين مجلس جديد من دون انتخابات ولا مشاورات. بل أن بعض الأنباء تتحدث عن مفاوضات حول علاقات سوريا مع بعض الدول، وبالأخص موضوع بقاء القواعد الروسية من عدمه، وهذه مواضيع ذات صبغة استراتيجية بحتة قد تكون على قدر من الأهمية لا يجوز أن تتحملها حكومة تصريف أعمال ذات صلاحيات محدودة.
والمفارقة أن بعض الموالين لإدارة العمليات العسكرية لا يخفون قناعتهم بأن كل ما يُقرّر في هذه المرحلة يستند إلى مبدأ “الشرعية الثورية” التي تبيح استخدام العنف الثوري ضدّ فلول النظام السابق وشبيحته وفق التعبير الدارج.
وكان محمد البشير الذي كلّفه أحمد الشرع تشكيل حكومة تصريف الأعمال، قد حدّد مهمات حكومته بالقضايا التالية: ضبط الأمن والحفاظ على استقرار المؤسسات، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من دون انقطاع.، ومنع تفكك الدولة خلال المرحلة الانتقالية.
وهذه المهمات تتوافق مع تعريف حكومة تصريف الأعمال من دون أن تكون لها صلاحية اتخاذ أي قرارات جديدة ذات طابع مهم أو استراتيجي.
كذلك وصف البشير الحكومة بأنها حكومة موقتة، وقال إنها سوف تستمر حتى آذار (مارس) 2025، ويتمّ خلال هذه الفترة العمل على ضمان استقرار الدولة في انتظار تسوية القضايا الدستورية وتشكيل حكومة جديدة تمثل تطلعات الشعب السوري.
وقال البشير إنه تمّ تشكيل حكومة تصريف الأعمال من عدد من وزراء حكومة “هيئة تحرير الشام” التي كانت تدير منطقة إدلب وما حولها تحت اإسم “حكومة الإنقاذ”. ولم تنشر التشكيلة الكاملة لأعضاء الحكومة في أي موقع رسمي
وتتشكل حكومة الإنقاذ من الأسماء التالية:
رئيس الحكومة محمد البشير ، مواليد جبل الزاوية في إدلب عام 1983
وزير التعليم العالي والبحث العلمي: عبد المنعم عبد الحافظ من معرشورين في إدلب (مواليد 1961).
وزير الإعلام: محمد يعقوب العمر من بلدة خان السبل جنوبي إدلب.
وزير العدل: القاضي شادي محمد الويسي، من حلب (مواليد 1985).
وزير الاقتصاد والموارد: باسل عبد العزيز، من حلب (مواليد 1984).
وزير الزراعة والري: محمد طه الأحمد، من مدينة حماة (مواليد 1982).
وزير الصحة: مازن محمد دخان من إدلب (مواليد 1969).
وزير الداخلية: محمد عبد الرحمن من إدلب (مواليد 1985).
وزير الإدارة المحلية والخدمات: محمد عبد الرحمن مسلم من حلب (مواليد 1988).
وزير التربية والتعلم: نذير محمد القادري من دمشق (مواليد 1970).
وزير الأوقاف: حسام حاج حسين من إدلب (مواليد 1977).
وزير التنمية: فادي القاسم حماة (مواليد 1983)
وخلت الحكومة من وزارات الدفاع والخارجية والاتصالات. ولم يتضح حتى الآن مصير وزارة الخارجية، وما إذا كان الوزير السابق بسام الصباغ يقوم بتسيير أعمالها أو لا، علماً أن معظم السفراء السوريين أعلنوا تأييدهم التغيير الذي حصل وعلى رأسهم من كان يُلقّب بـ “أسد الديبلوماسية السورية” سفير سوريا في موسكو بشار الجعفري. غير أن بعض المصادر أكّدت أن الجولاني هو من يتولّى عملياً الإشراف على وزارتي الدفاع والخارجية.
ويؤخذ على هذه التشكيلة أنها تفتقر إلى أدنى مستوى من مستويات التمثيل الشعبي والسياسي، فجميع أعضائها من لون واحد. فهي تتكون عملياً من5 وزراء من إدلب و3 من حلب ووزيرين من حماة، ووزير واحد من دمشق. فليس هناك من يمثل الأقليات الدينية كالعلويين والمسيحيين والاسماعيليين وغيرها من الطوائف. كذلك فإن تمثيل دمشق بوزير واحد لا يتناسب مع أهمية المدينة السكاني والسياسي باعتبارها عاصمة البلاد.
كما من الواضح أنه غاب عن تشكيلة حكومة تصريف الأعمال تمثيل المرأة. وإذا كان من المفهوم ألا تمثل المرأة في حكومة الإنقاذ في إدلب، فإن غياب تمثيلها عن حكومة تصريف الأعمال في دمشق يعتبر انتكاسة كبيرة للمكاسب التي حققتها المرأة في سورية خلال العقود الماضية، وإن كانت في معظمها مكاسب شكلية. علماً أن الحكومة السورية السابقة كانت تتولى فيها النساء ثلاث حقائب وزارية.