تحليلاتٌ كثيرة مجرّد تمارين ذهنية. يقول سياسي مصري معروف، تختفي عيناه عندما يتحدّث، فلا تستطيع أن تعرف صدقه من كذبه: إنَّ هناك شبهة في أنَّ ثمة علاقة بين نتنياهو والسنوار، وإنَّ طوفان الأقصى عملية متفق عليها بينهما”. وهو تحليلٌ طريفٌ يتفق مصادفة مع هتافات المظاهرات في تل أبيب: “بيبي” هو خماس! وكان الخُلد المنتوف قد حثّ السيسي على المساومة على ثمنٍ جيّد لاستقبال النازحين من غزّة؛ وهو حصة من ماء النيل الذي فقده في القمار السياسي. السيسي عطشان يا صبايا دلوه ع السبيل، وقبله قال محلّلون: إنّ علامة “البزنس” أنّ الحكومة الإسرائيلية صرفت أموالًا كثيرة لحكومة حماس، يقصدون أن بيبي حمساوي، وليس فتحاويًا ولا زملكاويًا!
ويقول سياسي سوري معارض (كان قد زار إسرائيل) مبشرًا بسقوط حركة حماس: إنَّ إسرائيل ستنتصر على حماس، وتحارب بروبوتات تحمل جرارًا من الغاز، تحقنها في الأنفاق، فتموت كل كتائب القسام بالسكتة القلبية والزهايمر والتحليلات السياسية، وقد انتظرنا نبوءته التي استقاها من إعجابه الشديد بإسرائيل وديمقراطيتها وأفلام الخيال غير العلمي، وما زلنا.
ويقول تحليل سياسي ثالث، محذرًا العرب من أنَّ إصرار إسرائيل على احتلال مشفى الشفاء هو لإبعاد الشبهة عن مخطّط آخر مجهول على طريقة: بصّ العصفورة. ويقول محلّل رابع مأخوذ بفيلم “المحفظة معايا” أو “عقلي فوق الشجرة”: سبب غضب حكومة إسرائيل ليس طوفان الأقصى وكسر هيبة الجيش الذي لا يُقهر، ولا أسر جنرالات، إنما هو من استيلاء كتائب القسّام على هارد ديسك، يحتوي أسرارًا كبيرة، هذه فلاشة (رياض) الشعيبي السوري، أيها السادة.
ويقول محلّل سياسي سوري يدرّس العلوم السياسية في جامعات دمشق، له لثغة، مبرّرًا سبب برودة دمشق تجاه طوفان الأقصى: إنّ إسرائيل تستفزّ دمشق يوميًا لجرّها إلى معركة في توقيتها هي، وليس في توقيت الأسد، فساعته رمليةٌ فيها حصى كثير، النظام السوري يعمل حسب أوقات الدوام الرسمية والعطل الأسبوعية. ويقول خالد العبّود، نائب المربعات والأشكال الهندسية والمنحرفة في مجلس الشعب، أفصح المحلّلين السياسيين السوريين لسانًا وأكثرهم غرورًا: إنّ حماس من الإخوان المسلمين، وإنها متآمرة مع إسرائيل. ويقول رفيق نصر الله (شركة محور المقاومة المحدودة): إنّ حماس “بطيشها السياسي والعسكري” قد أفسدت عملية كبيرة كان يخطّط لها محور المقاومة باجتياح الجليل”! أما روبسبير الثورة المصرية وائل غنيم، فيقول وهو يعمّر الجوزة: إنّ (إسماعيل) هنّية قد انتقل بأهله إلى قطر، وترك شعبه تحت القصف والنار.
ومن أمثال هؤلاء محللون غربيون يذكّروننا كل ساعة حوار أنَّ إسرائيل منتخبة (حماس أيضًا منتخبة، ولها برلمان)، والمنتخب يحقّ له القصف بالفوسفور والكلور والنووي! وكانت إسرائيل سفيرة الديمقراطية الغربية إلى العرب قد فجّرت برلمان غزّة، حتى تحتفظ بلقب الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فلا يجتمع في فلسطين المحتلة برلمانان!
وظهر محلل سياسي باقعة، ليقول إنه يتوقع تحالفًا بين حماس وأميركا لمواجهة الصين، بعد أن أثبتت حماس كفاءتها، وانكشف خوار إسرائيل وعوارها، وغرض التحالف بينهما حماية قناة السويس، وإن أميركا ستغيّر “الفتوة”!
وأريد أن أهمس في أُذن القارئ، إني أتابع الأخبار على مدار الساعة من غير مخدّر، وإني عجبتُ مثل جميع الناس من أمرٍ وجبَ ألا يفوتني؛ أنّ إسرائيل قد شابهت أخواتها الأنظمة العربية، القذة بالقذة، وكانت تحرص على أن تسبقها بخطوةٍ أو خطوتين، حتى يقال انظروا إن إسرائيل لم ترتكب جرائم مثل هذه الجرائم، فهي تُحسن الأقنعة واستخدام أدوات التجميل السياسي. ووجدتُ محلّلا شهيرا من محور المقاومة، وهو أعرضهم وسادا، يقول إن “حماس” لم تُحرز نجاحها في عملية طوفان الأقصى المدويّة إلا بعد المصالحة مع دمشق. أما صاحب هذه السطور، فوجد أنّ بشّار الأسد كان يحترم دستوره أكثر من احترام أميركا أوتار آلة القانون الدولي الموسيقية، وإن بشّارا جمع برلمانه وغيّر الدستور حتى يستطيع أن يقفز من فوقه من غير عصا زان، أما أميركا، فهي ترقص على ألحان القانون التي تعزفها حكومة إسرائيل، المنتخبة بالفوسفور المضيء.