صباح اليوم تدخل الهدنة في قطاع غزة بين إسرائيل، وبنهاية النهار يفترض ان يتم تبادل اول دفعة من المحتجزين بين الطرفين على ان تتبع ذلك اربع دفعات متتالية. قد تنجح العملية في يومها الأول، لكن ما من ضمانة فعلية ان تنجح في دفعاتها الأربع. والأهم ان الهدنة لا تعني ان الحرب انتهت. الحرب مستمرة لأسباب عدة، أهمها ان الطرف المتضرر منها أي إسرائيل لم يحقق لغاية الان أهدافه الرئيسية منها. بمعنى انه لم يستكمل بعد السيطرة على شمال غزة. ولم يستكمل حصار الجزء الجنوبي من القطاع لاسيما مدينة خان يونس التي تعتبر بعد ان حوصرت مدينة غزة شمالا نقطة ارتكاز رئيسية لحركة حماس والفصائل، ولا يزال امام إسرائيل استحقاقات اخراج جميع الرهائن من غزة، واستكمال اضعاف حماس عسكريا، وإعادة ترميم قدرة الردع العسكرية. والهدف النهائي هو تغيير الواقع في قطاع غزة، أي انتزاع القطاع من يد حركة حماس.
اذا افترضنا ان الوسطاء نجحوا في تأمين عدة عمليات تبادل للمحتجزين، سوف يستغرق الامر عدة أسابيع. وقد تبرد الحرب بصيغتها الراهنة خلال هذه الفترة، ولكنها ستستمر مدة كافية لكي يرتفع منسوب الضغط الخارجي والداخلي على المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي للإسراع بإنهائها اما بسبب تفاقم الازمة السياسية وبدء عملية تحديد المسؤوليات والمحاسبة، او بسبب تعاظم الكلفة على الاقتصاد الإسرائيلي. لكن الضغط الأكبر في مرحلة التبريد سيقع على عاتق حركة حماس، ومصدره مئات الآلاف من النازحين من الجزء الشمالي، او مئات الآلاف من الذين فقدوا منازلهم في الجزء الجنوبي او تضرروا بشكل من الاشكال. لن تستطيع حركة حماس مواجهة الكارثة الإنسانية، حتى لو تلقت مساعدات كبيرة من الخارج. فالأزمة اكبر بكثير من ان تعالج في ظل حرب مستمرة، ومع تواصل عملية تفريغ الشمال والوسط وجعلهما غير قابلين للحياة لمدة طويلة جدا. كل ذلك في ظل تحكم إسرائيل بالإمدادات الاغاثية، ومواصلة القيام بغارات على اهداف في كل مكان.
هنا سيطرح موضع مستقبل قطاع غزة. وهنا ستطرح التصورات العملية بناء على واقع القطاع لمرحلة ما بعد الحرب. واللافت ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قال يوم امس في تصريح ان بلاده مستعدة لتكون جزءا من المعاجلة الأمنية لقطاع غزة بعد الحرب. ومعنى هذا الكلام ان تركيا تدرك ان حماس قد تخرج من القطاع امنياً وعسكرياً. واذا بقيت فبصيغة معدلة، وتتقاسم الحكم مع السلطة الوطنية الفلسطينية (المحدثة) مع مرجعية عربية تتحمل مسؤولية القطاع الى حين اجراء انتخابات فلسطينية شاملة تزامنا مع اطلاق مسار تفاوضي لحل الصراع.
في الاثناء من غير المتوقع ان يلتحق لبنان بهدنة غزة. ستبقى الجبهة الجنوبية مع إسرائيل خاضعة لمنطق “التسخين” الذي تشرف عليه ايران وتنفذه ذراعها المحلية (حزب الله). لكن لبنان الشرعية يحتاج الى اطلاق مسار دبلوماسي عربي ودولي جدي من اجل تأمين استقرار وهدوء مع إسرائيل لإبعاد شبح الحرب التي قد تسعى اليها اسرائيل. لان الحرب المقبلة المتوقعة لن تنشب مع الفصائل الفلسطينية، بل مع “حزب الله” نظرا لحاجة المجتمع الإسرائيلي الى ترميم قدرة الردع مع “حزب الله” واستعادة الشعور بالأمن والأمان في الشمال وربما ابعد من الشمال.