ولدت القاصة والروائية الشابة سارة النمس عام 1989 في مدينة تيارت الجزائرية، تخرجت في جامعة الآداب واللغات بشهادة ليسانس في اللغة الإنكليزية. في رصيدها مجموعتان قصصيتان “الدخلاء” و”إبليس يطلب المغفرة” وأربع روايات: “الحب بنكهة جزائرية”، “ماء وملح”، “جيم” التي ترشّحت في القائمة الطويلة لجائزة بوكر و”على فراش الحياة”. “المجلة” التقت النمس وحاورتها حول تجربتها مع الكتابة والقراءة.
-
بمَ تتميّز روايتك “جيم” التي ترشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة “بوكر” العربية عن إصداراتك السابقة؟
“جيم” بلا شك أنضج من الأعمال التي سبقتها، ولعلها تتميّز بتنوع ثيماتها وجرأتها. هذا الترشيح أفاد النص نفسه لكنه أضرّ بنصوصي الأخرى، فالجوائز بصورة عامة تضيء على النصّ وتغري القرّاء بالاطلاع على العمل، لكنّها قد تتحوّل إلى لعنة تهمّش النصوص الأخرى لأنّ القراء سيستمرون بالإهتمام بالكتاب الذي رشّح للجائزة ويهملون الإطلاع على بقية الأعمال.
-
هل تفكرين في المتلقي او النقاد حين تكتبين؟ أم أنك تدخلين في عزلة خلال الكتابة؟
في البداية أكتب كأن أحدا لن يقرأ ما أكتبه، حتى أنّني أحمي تلك المخطوطات الأولى بكلمات سرّية وأرفض مشاركتها حتى أنتهي من المرحلة الثانية للكتابة. قد أفكّر في النقاد أثناء المراجعة الأخيرة فقط وفي ما يتعلق بتقنيات السرد ومواطن ضعف النص ولكن ليس من ناحية الموضوع الذي اخترته وتفاصيل مضمون الرواية أو طبيعة نوعِها. حين أؤمن بفكرة ما وبحكايةٍ، عليّ أن أرويها فأنا عنيدة في كتابتها ومشاركتها حتى مع معرفتي أنّها قد تقابَل بالرفض أو بالهجوم أو حتى بقلة الاهتمام.
حريّة الكاتب
-
هل الكاتب كائن حر حقا في كلّ ما يكتب؟
الكاتب يجب أن يكون حرا أو على الأقل عليه أن يسعى إلى تلك الحرية من خلال الكتابة كفعل انعتاق. نعم أنا حرّة في اختيار مواضيعي والتعبير عنها بلغتي الأم وكذلك بنشر معظم كتبي مع “دار الآداب” اللبنانية التي تحترم الكاتب وتقدّر حريته وإبداعه.
-
ما محلّ الخيال مما تكتبين، وكيف يتداخل مع الواقع؟
بدأتُ بالكتابة طفلة من خلال اليوميات، وأدركتُ قوة الكتابة وسحرها في ذلك العمر المبكّر، وأدركت أنني قبل الكتابة أكون شخصا، وأصبح خلالها وبعدها شخصا آخر، ولهذا تمسكت بها كعادة وممارسة تطوّرت لاحقا إلى الرسائل والقصص القصيرة والروايات.
بصورة عامة، أكتبُ عمّا عشته وأعايشه وما لا أستطيع أن أعايشه، ما حدث ويحدث وما لا يمكن أن يحدث، عن الهاجس والحلم ووجهة النظر والتصوّر والتخيّل، عن العالم الحقيقي والسوريالي وما يتداخل بينهما، عن الحق والعدالة والظلم والنذالة التي نواجهها كل يوم، عن المدن التي عشنا فيها وأماكن أخرى متخيّلة لا يمكنها أن تكون وتنوجد في الواقع وهنا يكمن سحر الكتابة في فضاءاتها اللا محدودة واللا نهائية.
غلاف رواية سارة النمس
-
ذكرت سابقا أنك قرأت لنوال السعداوي وأنك تعتبرينها من الكاتبات الجريئات، وأيضا ذكرت أحلام مستغانمي وغادة السمان، وقلت إنهن حوربن وهُمشن لأنهن نساء، هل تحررت المرأة العربية في نصها؟ أم أنها استعبدت بأفكارها عن الرجل والهجوم عليه؟
من خلال قراءاتي لهنّ لم أر هجوما على الرجل ومعاداة له، فهناك الكثير من الرجال النبلاء والأسوياء الذين يحترمون كيان المرأة ومكانتها في الحياة والمجتمع، لكنّ الهجوم كان على طريقة تفكير وعادات وأعراف تقيّد الكثير من حقوق المرأة بما في ذلك حقها في التعبير عن رأيها بصوت مرتفع لا يزال مهضوما في المجتمعات المحافظة. هي كلمة حق ونضال كان لا بد منه لم تخضه الكاتبات وحدهن بل إلى جانب الرجال المثقفين والواعين الذين دافعوا عن حقوقها بشراسة، حق المرأة في ألاّ يشوّه جسدها بالختان، حقها في أن تكمل تعليمها، في أن تحب، وأن تعمل، وأن تختار شريك حياتها، وحقها في الانفصال أيضا وما إلى ذلك.
ذكور وإناث
-
هل الحرب على الكاتبات من بعض الذكور مصدرها الصراع على السلطة في مجتمعات تمتدّ فيها السلطات الذكورية؟
صحيح، هو صراع على السلطة والتخوّف من تحرّر المرأة، التخوّف من الانفتاح والفهم وتمرد الكاتبات والقارئات على واقعهن وعلى الأعراف التي تتحكّم بمصائرهن.
-
شخّصت رواياتك بأنها “مجنونة وصادمة وكتبتها بحرية تامة”، من أين لك هذه الجرأة للكتابة في مجتمع لا يتحمل همس المرأة، فكيف لو صدحت؟
عندما أشرع في الكتابة، أنسى من أين جئتُ ومن أكون، تختفي سارة النمس وتظهر شخصيات أخرى، شخصيات نابضة بالحياة وأحيانا أكثر حيوية وحقيقية من شخصيات موجودة حولي في الواقع، ذلكَ التقمص يمنحني قوة كافية لأروي الحكاية بشجاعة مثلما تحدث في مخيّلتي.
-
هل ما زال بإمكاننا أن نتكلم على نص أنثوي وآخر ذكوري؟
هذه ليست إشكالية بالنسبة إليّ. النص الجيد نص جيّد بغض النظر عن جنس من كتبه، امرأة أم رجلا، لكن بإمكاننا التوقف عند هذه النقطة في تحليل بعض المواضيع الأنثوية التي كتبتها امرأة، أو الذكورية التي كتبها رجل، أي تجارب خاصّة بالجنس نفسه يعبّر عنها بخصوصية تستحق الالتفات إليها والتركيز عليها.
-
بمن تأثرت ولمن تقرأين من مجايليك؟
أوّل كاتبٍ قرأتُ له وجعلني أدمنُ القراءة كان جبران خليل جبران، قرأتُ له طفلة ولم أكن أفهم معاني رموزه وإشاراته كلّها لكن لغته كانت واضحة وبسيطة ومعانيه دافئة ونبيلة، وبفضله أحببتُ الكتب. لكنني لم أتأثر بكاتب أو كاتبة محدّدة مع اعترافي بالتيه في البدايات، حتى وجدت بصمتي أخيرا وهويتي الناضجة ككاتبة في رواية “ماء وملح” بعد إصدارين. أقرأ هذه الأيام لكاتبة مغربية اسمها ريم نجمي وقبلها استمتعت برواية ليلى سليماني “أغنية هادئة” الفائزة بجائزة “غونكور”، وهناك كتّاب كثر أرغب في ذكرهم لكنّهم ليسوا من أبناء جيلي.
شعر ورواية
-
هل قرأتِ شعرا وهل حاولتِ كتابة الشعر؟
قد ينجح الشاعرُ في كتابةِ الرواية لكن الروائي لا يمكنه كتابة الشعر إن أراد. يبدو لي الشعر موهبة خاصة تصقل وتتطور مثل الغناء، إمّا أن يكون لديك صوت جميل أو لا يكون، كذلك هو الشعر، إمّا أن تكون شاعرا أو لا تكون، لا يمكنك المحاولة والإجتهاد، حاولتُ في مراهقتي وكنتُ أفشل في كتابةِ كل قصيدة، واستسلمتُ في النهاية، وبعدها بسنوات، كنت أشارك عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعض النصوص، وقيل لي إنها نصوص شعرية، وتواصل معي شخص من المغرب ليدعوني إلى مهرجان شعر، فاعتذرت وشرحت له أنّه يمكنه أن يطلق أي تسمية على تلك النصوص، لكنّ ما أعرفه جيدا أنّ آخر ما يمكن أن أكونه هو شاعرة، وأكتفي بتذوق الشعر والاستمتاع به.
-
ماذا تفعل الكتب في عالم مدمّى، وماذا تقول للضحايا؟
هذا السؤال مؤلم، يخجلني الاعتراف بشعوري باللاجدوى، هذا بالضبط ما أعيشه هذه الأيام ونحن نتابع العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، يبدو لي أن الكتب لا تفعل الكثير، صحيح أنّ الكتابة أيضا فعل مقاومة وصحيح أننا نستطيع من خلالها تأريخ ذاكرة وتمرير رسائل إلى أجيال أخرى، لكنّ الكتب لن تمسحَ الدموع ولن تحبس الدماء ولن تسد الجوع وتروي العطش، فرغيف يشبع طفلا يتضوّر جوعا أهم من آلاف الكلمات المكتوبة ولكنّنا نعيش في عالمٍ محكومٍ بالظلم والحروب، وربما لهذا السبب يجد بعضنا العزاء في الكتابة.
-
ما مصير الكتّاب والكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الصناعي لا أفهمه جيدا بعد، هو مدهش لكنّه غير مرعب. لا يمكنه التفوق على ذكاء العقل البشري.