تدخل انتفاضة السويداء جنوب سورية، يومها المائة دون تراجع عن أي مطلب سياسي أو اقتصادي بل شهدت المحافظة اتساع رقعة الاحتجاجات مع انضمام فئات جديدة من المجتمع.
وجاءت كلمة الشيخ حكمت الهجري ، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، المتلفزة، قبل ثلاثة أيام، لتزيد من إصرار المحتجين والمحتجات على الاستمرار فى البقاء بالساحات على الرغم من معرفتهم بطبيعة النظام السوري الذي “لا يستجيب لأحد، بسبب عجزه وموته السريري واحتلال قراره”.
وتميز اليوم الجمعة بحضور أعداد من الموظفين من قطاعات مختلفة وكتاب وشعراء ودخول وفود من المشايخ لتأكيد دعمهم المطلق لمشايخ العقل.
ورصد مراسل “العربي الجديد” خلال الأيام القليلة الماضية تشكيل عدد من التكتلات السياسية والشعبية في محاولة لتنظيم الحراك السلمي سياسياً واجتماعياً، ومخاطبة الرأي العام الداخلي أولاً، ثم التوسع نحو المحافظات الأخرى والخارج.
وكان أول هذه التكتلات التي تشكلت بعد انطلاق الحراك الكتاة الوطنية” وهي مقربة من الشيخ حكمت الهجري والتي أخذت على عاتقها مسؤولية التواصل مع المناطق والأرياف للحفاظ على الحراك، والانتقال لاحقاً لملفات الخدمات العامة وإيجاد الحلول المناسبة للسير في محاولة تشغيلها بالشكل الصحيح بعد عقود من الفساد دون أن تقصي الموظفين التابعين لحزب البعث.
فيما ظهر تكتل سياسي جديد حمل اسم “تيار الحرية والكرامة” الذي ضم عشرات المشتغلين في السياسة ووجوها من الشباب. كما أُعلن منذ أسبوعين عن إنشاء حزب جديد بديل لحزب البعث حمل اسم حزب “البعث الشعبي” الذي يتكون من أعضاء سابقين في حزب البعث، لكن حتى الآن لا شعبية كبيرة له.
وفي هذا الوقت لا يزال البعث الحالم يعمل على الأرض كونه متحكما بكل مفاصل المؤسسات والدوائر، وإن كان بشكل خجول خوفاً من أي ردة فعل للمتظاهرين، حيث يصر الحراك على أن الحزب انتهى إلى الأبد في السويداء وهؤلاء موظفون فقط.
ومن ناحية أخرى، تابعت العصابات المسلحة التابعة للنظام السوري نشاطها خلال الأسابيع الأخيرة، وتصاعدت عمليات السلب والقتل والخطف في محاولة لتخريب الحراك ونزع مصطلح السلمية عنه، فيما تابعت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام النظام شبه الرسمية لغة التخوين واتهام المحتجين بالتبعية للخارج.
وقال الكاتب الدكتور جمال الشوفي لـ”العربي الجديد” عن استمرار الحراك في السويداء “لقد راهنوا منذ البداية على أن أهل السويداء سوف يملون ويتراجعون، وها هي الانتفاضة قد قطعت أشهرها الأول والثاني والثالث وتدخل المئوية بكل عزم على الاستمرار”.
وأضاف الشوفي “شعب يدخل بكامل ثقافته ومدنيته ورجال دينه؛ بمعلميه ومهندسيه، بأطبائه وكتابه الذين حرموا من النشر داخل سورية .. يدخلون ساحة الكرامة ويؤكدون على الحل السياسي لكل السوريين وتنفيذ القرار 2245، وعلى حرية الرأي والتعبير ودولة المؤسسات والقانون، دولة للشباب لكي لا يهجروا خارج بلدهم.. لا نريد لأولادنا أن يعيشوا خارج سورية بل داخلها، هذا الجيل من الشباب الذي عاش ما بين من دفن تحت التراب وبين من تهجر خارج البلد”.
وعن ساحة الكرامة قال إنها “الساحة التي تطالب بالتغيير السياسي، وتنفع كل السوريين من الساحل وحلب وحماة وشرق الفرات وجنوب سورية وكل مكان يحقق السلام في المنطقة”، مشراٍ إلى أن “مائة يوم مر ولم تسجل حادثة خاطئة بساحة الكرامة لحضارة ومدنية وسلمية هؤلاء وقدرتهم على الإنتاج، وإصرارهم على مطالبهم بدولة الحق والقانون”.
آراء مختلفة
وبعد مائة يوم على انتفاضة السويداء تختلف آراء المجتمع المحلي بين اللاجدوى من الحراك الشعبي وبين إنجازات حققها الحراك على الصعيدين الوطني والعالمي.
وترى فئة كبيرة من أهالي السويداء أن هذا النظام الحاكم تمرّس على العنف والاضطهاد ولايمكن أن يستجيب لمطالب الشعب ولن يُثنيه عن مواقفه إلا القوّة، وهذا لن يتحقق من إنتفاضة محدودة الحراك ومؤطرة في محافظة شبه نائية، ويدعم هذا الرأي الشريحة الأكبر من الجمهور المتفرج حتى الآن، ولسان حالهم يقول لن يسقط النظام بسبب السويداء وحدها، ويستدلون على ذلك بأن “مائة يوم لم تحرك ساكناً في المجتمع السوري ولم تغيّر في سياسة السلطة”.
ويقول نادر علم الدين لـ”العربي الجديد” إن “النظام لن يسقط إلا بقرار واتفاق دولي، ومازالت بعض الدول وخاصة العربية تسعى لتعويم الأسد من جديد وتلعب على الوقت لتحقيق مكاسب على الأرض السورية” مضيفاً “على الحراك الشعبي أن يعي أن المطالب أكبر من حجم الحراك ولن تستجيب دول النزاع السوري ما لم تجد مُجتمعة المصلحة المشتركة في تغيير النظام، وربما كانت هناك فرصة تهدد مصالحهم وتدفعهم للعمل على خلع النظام الحاكم لو استجاب الشعب السوري لهذا الحراك”.
أما الرأي الآخر فيدّعي أن الحراك الشعبي إستطاع خلال مائة يوم أن يُسقط النظام في السويداء ويرى أنه استمرار للثورة السورية ومقدمة للنضال الوطني على أسس ومبادئ “كاد النظام الحاكم أن يمسحها من ذاكرة السوريين” وفي مقدمتها وحدة الشعب والمصير السوري بكل أطيافه والوانه ورفض التقسيم والتجزئة بالإضافة الى إنعاش القرارات الدولية بعدما حيّدتها مؤتمرات “سوتشي” وغيرها.
ويقول الأستاذ سليمان كفيري لـ”العربي الجديد” إن “مائة يوم لخصت الواقع الحقيقي لكل الشعب السوري، وقدمت الوجه الإنساني والحضاري للعالم، وحملت رسائل للداخل السوري والخارج، لعل أهمها الرفض القاطع لاستمرار هذه السلطة الحاكمة ولكل محاولات التقسيم والتغيير الديمغرافي. لقد أعاد الحراك قضية الشعب السوري إلى واجهة الأحداث والحراك العالمي بعدما أعلنت السلطة الحاكمة عن إنتصارها وعادت لتُرسي دعائمها المحلية والعربية”.
ويضيف الكفيري “لقد أسقطنا الأسد عربياً وعالمياً بعدما روج ونظامه لانتصاراته على الشعب السوري وأوقفنا إعادة تعويمه، وعلى الصعيد الداخلي أثبت الحراك القدرة على الاستمرار والابداع رغم الظروف الأمنية والحصار الاقتصادي ورغم الظروف الاقليمية المُستجدة، ومازال يقدم لوحة رائعة ومتجددة عن التعايش الحضاري بين مختلف شرائح المجتمع، ولن أبالغ إذا إعتبرت أن رجال الدين وفي مقدمتهم الرئاسة الروحية هم أول من دعا للعلمانية والتعددية السياسية في المجتمع السوري”.
ورغم مرور مائة يوم لم يُثمر حراك السويداء عن تشكيل جسم سياسي موحد رغم التشجيع الكبير من الرئاسة الروحية للطائفة، حيث دعا الهجري في عدة بيانات ولقاءات مسجلة إلى توحيد الصف في جسم سياسي موحد ينظم الحراك الشعبي ويُعبر عن تطلعاته أهدافه.
فيما مازالت العديد من القوى الوطنية تسعى لاستقطاب جمهور الانتفاضة، في الوقت الذي ظهرت فيه بعض المسميات الجديدة والتي تمثل جزءا من الحراك مثل الكتلة الوطنية وتجمع الشباب الأحرار وغيرها.
وتقول الناشطة هند عرموني “لايدعي أي من التكتلات أنه يمثل كامل الحراك الشعبي بالرغم من وصول البعض منها لأعداد كبيرة من الجمهور المشارك مثل الكتلة الوطنية، ويصعب على أي جهة منفردة استقطاب الجميع، فنحن أمام حراك شعبي منوّع في الفكر والانتماء ومتداخل العلاقات الأسرية والمناطقية والعشائرية وحتى الدينية، إضافة الى هذا فلا يوجد تجارب وإرث على مر عقود لدى السوريين بالعمل السياسي.
ومجمل هذه العوائق تؤخر إنتاج جسم سياسي موحد قادر على تمثيل الحراك الشعبي وإصدار بيان شامل، وفي هذه الحالة يبقى التمثيل الأول والأهم هو الرئاسة الروحية للطائفة”.