إلى أي مدى يمكن اعتبار لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ في كاليفورنيا ناجحا؟
تشير بعض المؤشرات إلى نتائج مختلطة؛ ففي اليوم التالي لاجتماع بايدن وشي، انخفض مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ، فكان الأسوأ في الأسواق الآسيوية. كما شهد أكثر من 4200 شركة في بورصات الصين الرئيسة انخفاضا كبيرا في قيمتها.
ما الإنجازات التي حققها هذا اللقاء في ما يتعلق بالقضايا الثنائية والمتعددة الأطراف؟
اتفق الزعيمان على عدد من آليات الحوار الثنائي التي تشمل التمويل والتجارة ومراقبة الصادرات والتعريفات الجمركية وتغير المناخ والدفاع، وهي اتفاقات تهدف فقط لإبقاء الحوار بين البلدين مفتوحا. وكان الاتفاق الجوهري الوحيد الذي توصلا إليه هو الحملة المشتركة على سلسلة توريد الفنتانيل من الصين، والتي لم يتمكنا من التوافق بشأنها إلا بعد موافقة البيت الأبيض على إزالة معهد أبحاث الأمن العام الصيني- الذراع البحثية للمجمع الأمني الصيني- من القائمة السوداء للولايات المتحدة. ولكن، حتى هذا التقدم الضئيل يمكن أن يكون مؤقتا، وذلك بسبب عدم وجود آليات تنفيذ تضمن تطبيق هذا الاتفاق على نحو فعال.
ولم تتحقق جهود بايدن وشي التي طال انتظارها لتقييد استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة النووية والمستقلة. وبدلا من ذلك، اتفق الجانبان على إبقاء الحوار مفتوحا بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي.
والجدير بالذكر أن الرئيس شي لم يتلق دعوة رسمية للقيام بزيارة دولة إلى البيت الأبيض، ومن المرجح أن الصين كانت ترغب في مثل هذه الدعوة، لأنها تعني الاعتراف بالنفوذ العالمي الذي تتمتع به دولة ما. لقد رحب بايدن بالرئيس شي بحماسة ولكن في كاليفورنيا، بينما كرم الرئيسَ الإندونيسي جوكو ويدودو باستقباله رسميا في البيت الأبيض.
إلى ذلك، اتفق زعيما الولايات المتحدة والصين على عدد قليل من المسائل المتعلقة بالأجندة الثنائية، ولكن التوافق كان أقل بكثير فيما يتعلق بالنزاعات العالمية ذات النطاق الواسع، بما في ذلك الحرب في كل من غزة وأوكرانيا. ويبدو أن الدولتين غير متحمستين كثيرا لحل النزاعات العالمية على نحو مشترك، نظرا لاختلاف العقائد والمصالح العالمية لكل منهما.
كما ساهمت إشارة الرئيس بايدن إلى الرئيس شي باعتباره “ديكتاتورا”، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع الجانبي، في تبديد كل النوايا الحسنة التي ظهرت خلال جولتهما في الحديقة، وفي المصافحة الطويلة بينهما، وأثناء التقاط الصور الودية.
محاولات اقتصادية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
ويبدو أن الرئيسين شي وبايدن كانا أكثر تركيزا على تحقيق إنجازات أخرى على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC). إذ تحدث الرئيس شي أمام المئات من كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال في الولايات المتحدة- بما في ذلك رموز الصناعة مثل إيلون ماسك وتيم كوك- في حفل أعمال نظمته جمعيات أميركية صديقة للصين. وكان الرئيس شي في مزاج جيد، وقال للمسؤولين التنفيذيين الأميركيين إن الصين هي شريك تعاون، وليست خصما تنافسيا، وهو الأمر الذي لقي ترحيبا حارا بسببه. وبين صور “السيلفي” والمصافحات، حاول الزعيم الصيني جذب الشركات الأميركية للعودة إلى الصين، من أجل التخفيف من الاضطرابات الاقتصادية المحلية ومواجهة التحديات السياسية في العاصمة واشنطن.
كما جمع الرئيس بايدن 13 ممثلا عن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي صممته الولايات المتحدة حديثا، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ. وخلال اجتماع استمر لمدة 30 دقيقة، اتفقت الكتلة الجديدة على ثلاثة عناصر رئيسة ضمن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي مكافحة الفساد، والاستثمار في الاستدامة، وبناء مرونة سلسلة التوريد. لكن الكتلة فشلت في التوصل إلى اتفاق تجارة حرة إقليمية.
أمن المحيطين الهندي والهادئ
عندما قام الرئيس شي بإطلاع الرئيس بايدن على عدم وجود جدول زمني يوضح توقيت سيطرة بكين على تايوان عسكريا، سواء في عام 2027 أو 2035، أعرب عن استيائه، مؤكدا: “لم يناقشني أحد في هذا الخصوص”. وكان يبدو منزعجا من جهود واشنطن لإقامة صناعة تنبؤ بتوقيت الحروب المحتملة ضد تايوان.
ربما كان الرئيس شي يقول الحقيقة؛ إذ لا توجد مناقشة رسمية حول جدول زمني لضم تايوان. لكنه صرح علنا بأن قضية ضم تايوان لا يمكن تركها للجيل القادم (من القيادة الصينية). ومع ذلك، ونظرا للواقع السياسي الصيني، فإن الجيل القادم من القيادة الصينية قد لا يصل إلى السلطة إلا بعد مرور سنوات، وربما عقود.
كما أن قول الرئيس شي إن أحدا لم يناقشه في هذا الخصوص كان صادقا أيضا. فالرئيس شي يعتبر الشخص الوحيد الذي يمكنه اتخاذ قرار ذي أهمية وطنية وعالمية كضم تايوان، ولا يمكن لأي شخص آخر أن يطرح مثل هذا الاقتراح إلا الرئيس شي نفسه.
ولن تتوقف الولايات المتحدة عن بيع الأسلحة إلى تايوان. ولم يصدر الرئيس بايدن بيانا رسميا يعارض فيه استقلال تايوان قبل انتخاباتها المقررة في يناير/كانون الثاني المقبل.
ومع انعقاد قمة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، أطلقت الصين وباكستان مناورات عسكرية تعتبر الأوسع على الإطلاق. كما زار وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان الهند بهدف تعزيز التعاون الأمني والدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويُتوقع أن يستمر سباق التسلح في منطقة المحيط الهادئ في التصاعد.
العالم بعد لقاء بايدن وشي
في الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه الرئيس شي في الاجتماع الثنائي، انتقد أطروحة الولايات المتحدة لتوصيف العلاقات الحالية بين الولايات المتحدة والصين، قائلا: “يجب أن لا يشكل التنافس بين الدول الكبرى سمة العصر الحالي”.
إن الارتقاء بالمفهوم الأساسي للعلاقات بين القوى العظمى فوق حالة التنافس أمر مريح وحتمي. وينبغي أن لا تحدد حالة الطبيعة الهوبزية شكل النظام العالمي الحديث بعد الآن.
إن الولايات المتحدة والصين ليستا في حالة حرب، باردة كانت أم ساخنة. بل نحن في مرحلة انتقالية، نبحث عن نظام عالمي جديد يستند إلى إخفاقات النظام الحالي.