في موقع التزلج الأكبر في الشرق الأوسط العربي في قرية دوبيان، التي تبعد حوالي ساعة سفر عن بيروت، أصبحوا الآن مستعدين لاستيعاب آلاف المتزلجين الذين يتوقع مجيئهم في نهاية الأسبوع عند افتتاح موسم التزلج في لبنان. القرية نشرت عدة تعليمات للمستجمين، يطلب فيها منهم المجيء بسيارات مزودة بسلاسل للثلوج والتزود بالطعام والماء خوفا من الاختناقات المتوقعة؛ عدم الانحراف عن المسارات والامتثال لتعليمات رجال الشرطة وقوات الأمن التي ستأتي من أجل الإشراف على حركة السير. ولكن خلافا للسنوات السابقة، التي تم فيها حجز غرف فندقية قبل الموسم بأشهر فإنه في هذه السنة الحجز ضعيف ومدراء الموقع يقولون إنه فقط 30 – 40 في المئة من الغرف تم حجزها. سبب ذلك لا يحتاج إلى الكثير من التفسير.
المستجمون من العراق لا يمكنهم السفر مباشرة من بغداد إلى بيروت بسبب قيود الطيران في سماء سوريا، لذلك فان سعر تذكرة السفر ارتفع بشكل كبير. دول الخليج أمرت مواطنيها بالامتناع عن زيارة لبنان، رغم أن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ قبل أكثر من شهر. الأردنيون ينشغلون بمشكلاتهم، وحسب قول وكيل شركة سياحة في الأردن، أجرى مقابلة مع موقع في لبنان فإنه “لا يوجد للأردنيين مزاج للتزلج في لبنان، في الوقت الذي فيه غزة والضفة الغربية تشتعلان الآن”. لذلك، لا يوجد لأصحاب مواقع التزلج إلا الاكتفاء بالسياح اللبنانيين، وبعضهم توجد لهم بيوت بملكيتهم في الجبل أو أنهم ليسوا بحاجة إلى خدمة المبيت.
افتتاح موسم التزلج ربما هو الاشارة الأولى الواضحة على جهود الدولة من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية، وربما أن الطبيعية هي مفهوم نسبي في لبنان. فحتى في الأوقات العادية قبل الحرب كان لبنان دولة مفلسة، بدون حكومة فاعلة وميزانية وأفق اقتصادي أو سياسي. في حينه كان يبدو أنه لم يعد لديه مكان يتدهور إليه، إلى حين تبين أنه لا يوجد قعر لهذه الهاوية.
ملخصات السنة التي أجرتها وسائل إعلام رئيسية في لبنان مليئة بالأرقام الكئيبة التي تصف حجم الأضرار والكارثة التي تسببت بها الحرب في لبنان. حوالي 150 ألف بيت تم تدميرها بالكامل أو بشكل جزئي، وحوالي 20 ألف مبنى عام تدمرت، ومئات المصانع الصغيرة أو المتوسطة توقفت عن العمل، وتقريبا مليون وربع مواطن هجروا من بيوتهم، و3500 شخص تقريبا قتلوا وأصيب الآلاف. التكلفة المالية للأضرار قدرت بأكثر 13 مليار دولار، نصفها أضرار مباشرة والنصف الآخر ضرر غير مباشر للاقتصاد. وهذه حتى ليست أرقاما نهائية، لأنه رغم وقف إطلاق النار إلا أن إسرائيل تستمر في القصف في لبنان. وحسب ادعاء بيروت فقد خرقت وقف إطلاق النار أكثر من 800 مرة.
الآن العيون في المنطقة تشخص إلى أطواق النجاة السياسية والاقتصادية التي يتم القاؤها في محاولة لإنقاذ وقف إطلاق النار. سيكون عليها الاهتمام بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في نهاية الستين يوما التي حددت في الاتفاق، وأن يتم فتح صنبور المساعدات الدولية التي بدونها لن تكون أي فرصة لإعادة إعمار لبنان، وأن يكون أخيرا هناك رئيس للدولة، لأنه بدون ذلك لا يمكن تشكيل حكومة مستقرة وموثوقة يمكنها إدارتها.
“لبنان تسنح له الآن فرصة تاريخية جديدة”، كتبت أمس كاتبة المقالات اللبنانية جوزفين ديب. “العام 2025 يفتح فصلا جديدا في لبنان سيترك خلفه سنوات من الأزمات المتواصلة”. أملها تعلقه ديب على التقارير التي تقول إن السعودية تنوي أن تحل محل إيران، وربما أن تصبح راعية لبنان الجديدة بعد أن تم إبعاد طهران عنها.
محللون لبنانيون يعطون أهمية كبيرة للزيارة المتوقعة، كما يبدو في نهاية الأسبوع، لوفد سعودي رفيع يترأسه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، والمسؤول السعودي للشؤون اللبنانية يزيد بن فرحان. “هذا يمكن أن يكون خروج لبنان إلى الحرية من دائرة إيران والعودة إلى الدائرة العربية”، كتب وليد شقير كاتب المقالات.
حتى الآن من المبكر تقدير دور السعودية في الخطوات السياسية في لبنان. في الحقيقة السعودية تعمل على حل الأزمة السياسية في لبنان، وإلى جانبها تعمل قطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة منذ سنتين تقريبا. ولكن حتى الآن اكتفت بمشاركة سفيرها بالنقاشات بين هذه الدول. ورفع تدخلها إلى مستوى مشاركة وزير الخارجية ربما سيغير قواعد اللعب.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حصل على ضربة سياسية قاسية في لبنان في 2017، عندما حاول التدخل بشكل فظ في الشؤون اللبنانية وقام باعتقال رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض، وطلب منه الاستقالة من رئاسة الحكومة التي يوجد في عضويتها ممثلين عن حزب الله. الانتقاد والردود المضادة الشديدة للبنان وتدخل فرنسا أجبرته على التراجع وإطلاق سراح الحريري ورفع يده عن لبنان. الظروف الآن مختلفة. فالضعف العسكري والسياسي أيضا لحزب الله وابعاد إيران والانقلاب في سوريا، كل ذلك يعطي السعودية فرصة لتوسيع نفوذها والعودة إلى الساحة، التي تم ابعادها عنها أو أبعدت نفسها عنها. وحضور سعودي نشط في لبنان، مرفق برزمة مساعدات كبيرة، يمكن أن تكون بشرى مهمة ليس فقط للبنان، بل لكل المنطقة. أيضا هي يمكن أن تشكل الضمانة لتقليص قوة حزب الله السياسية ووقف قنوات النفوذ لإيران.
لكن من أجل تحقق كل ذلك فإنه يجب على لبنان أولا وقبل كل شيء التوصل إلى الاتفاق على انتخاب الرئيس. يوم الخميس المقبل ستكون هذه القدرة في امتحان، عندما سيدعو رئيس البرلمان نبيه بري إلى عقد جلسة خاصة من أجل انتخاب الرئيس. وقد دعا إلى هذه الجلسة سفراء الدول في لبنان لإظهار جديته. ولكن هنا توجد إشارة تحذير. تقريبا 12 جلسة برلمان تم عقدها في السابق من أجل تعيين رئيس للبنان ولكن بدون نجاح. أيضا في هذه المرة لا توجد موثوقية بأنه سيتم عقد الجلسة، وأيضا لا توجد موثوقية إذا عقدت بأنها ستنجح في التوصل إلى اتفاق حول انتخاب الرئيس.
لكن ربما في هذه المرة هناك احتمالية أكبر، بالأساس بسبب نتائج الحرب التي تحمل حزب الله المسؤولية عن الدمار في لبنان، وبسبب الخوف من أنه إذا فشلت عملية انتخاب الرئيس فإن استمرار تنفيذ وقف إطلاق النار أيضا يمكن أن يتفجر.
الضغط الدولي على لبنان كبير جدا، الذي تشارك فيه فرنسا وأمريكا. المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين يتوقع أن يزور لبنان في الأسبوع المقبل قبل عقد جلسة البرلمان، إضافة إلى السعودية وقطر ومصر. المرشح المفضل في هذه الاثناء بالنسبة لدول الوساطة هو قائد الجيش الجنرال جوزيف عون، الذي ينشغل الآن في انتشار الجيش في جنوب لبنان على طول الحدود مع إسرائيل. وهو أيضا الشخص الذي يجب عليه نزع سلاح حزب الله في جنوب لبنان، وبعد ذلك نزع السلاح من المناطق التي توجد شمال نهر الليطاني.
انتخاب عون كرئيس، الذي حسب صلاحياته سيقوم بتعيين رئيس الحكومة وتقرير من سيكون قائد الجيش الذي سيستبدله، سيؤثر بشكل كبير على تصميمه وعلى قدرة لبنان على تنفيذ هذه المهمة الكبيرة. حزب الله برئاسة نعيم قاسم، ما زال يؤيد المرشح المنافس سليمان فرنجية، المقرب من حزب الله، والذي يعتبر المقاومة قوة مشروعة الدولة بحاجة إليها. من هنا فان انتخاب الرئيس ليس فقط مسألة إجراءات إدارية وفتح قنوات المساعدات للبنان، بل قرار استراتيجي يمكن أن يحدد مصير حزب الله كتنظيم عسكري.
في البيان الذي بثه أمس نعيم قاسم في التلفزيون صرح أن “المقاومة استعادت قوتها وهي في الطريق لتكون أقوى”. ولكن، هذه “لكن” مهمة، “يجب على حكومة لبنان التي وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار أن تتابع الاتفاق بواسطة لجنة الرقابة على تنفيذه. هنا توجد فرصة للبنان كي يظهر قدرته بواسطة عملية سياسية”.
هذا تصريح مخفف لنعيم قاسم، أو على الأقل أكثر مرونة، وهو لا يكرر التهديدات السابقة لكبار قادة الحزب بأنه إذا لم تتوقف إسرائيل عن خرق اتفاق وقف اطلاق النار فإنه “في اليوم الواحد والستين القصة ستكون مختلفة”.
هنا توجد أيضا مسؤولية لإسرائيل في مساعدة لبنان على تحقيق فرصة “العودة إلى المستقبل” وتمكين الجيش اللبناني من الانتشار على طول الحدود وإخلاء القرى التي ما زالت تسيطر عليها.
إسرائيل حتى الآن لا يجب أن تتنازل عن حقها في “الدفاع عن نفسها”. هذه الكلمات تعني فعليا الأذن بمهاجمة لبنان، ولكن من داخل إسرائيل، وبدون التواجد العسكري لها في لبنان.