“إن المقاتلين الأكراد الذين قدموا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المواجهة مع تركيا بشمال سوريا” تصريح لا شك بأنه مهم ودليل في نفس الوقت يأتي على لسان مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية بأن هناك مقاتلين أجانب في صفوف قسد، في حقيقة الأمر لم يكن أحد يحتاج هذا الاعتراف لأن الكل يعلم كيفية إنشاء قوات قسد وتغيير اسمها من أجل إصباغ اللون السوري عليها وأن قيادات حزب العمال الكردستاني هي من نسقت الأمر مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل إنشاء القوات الكردية الذراع البشري للبنتاغون داخل الأراضي السورية لأهداف متعددة منها إنهاء تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن السؤال المهم لماذا أطلق مظلوم عبدي هذا التصريح في هذا الوقت وهل هو قادر بشكل فعلي على إخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني من منظومته العسكرية و هل تركيا تحتاج هذا التصريح وتقبل به وكأنه عقدة الربط والحل في هذا التصريح، لو بدأنا من تركيا التي لم ترد ولم تتعاطَ مع ما طرحه مظلوم عبدي، بل إن الجواب كان باستمرار المعارك بين الفصائل التي تدعمها تركيا و بين قسد لاسترداد كل النقاط التي تسيطر عليها الأخيرة غرب الفرات مع مشاركات خجولة حتى الأن للمسيرات التركية في تلك المعارك و هذا مرتبط يبدو بالتفاهمات التركية الأميركية لكن إلى متى سيستمر هذا التفاهم والذي بدوره مرتبط بتصريحات مظلوم عبدي التي جاءت بضغوطات أميركية من أجل إيجاد خارطة طريق تفاوضية بين البنتاغون و وزارة الدفاع التركية، وحتى مقترح جعل عين العرب (كوباني) منطقة خالية من السلاح لم يلقَ آذاناً صاغية من أنقرة على عكس الأميركيين الذين زاد تواجدهم في تلك المنطقة وبدأوا يأسسون نقطة عسكرية لهم هناك لها ما لها من أبعاد جيوعسكرية سواء في تنفيذ مقترح منطقة خالية من السلاح وبقاء القوات الأميركية لضمان ذلك وهذا الأمر يعتبر غريباً نوعاً ما لأنه من النادر اتخاذ قرارت عسكرية في واشنطن في الفترة الإنتقالية بين إدارة وإدارة أخرى وهذا الأمر يعني احتمالية أن هذه القرارات تأتي من القيادات العسكرية أكثر منه من القيادات السياسية وخاصة أن الوضع العسكري الأميركي في سوريا موضع نقاش جدلي بالنسبة للرئيس دونالد ترمب الذي يبدو أنه حتى الأن لم يحسم قراره حول زيادة القوات الأميركية في سوريا أو إنقاصها فتصريحه الأخير على أن سوريا ليست صديقة للولايات المتحدة الأميركية ولا يجب الانخراط فيها يعطي تساؤلاً محيراً حول ما سيتخده ترمب من قرارات في سوريا الجديدة بعد خلع منظومة الأسد من الحكم.
أما السؤال الثاني والذي هو في صيغة إشكال أمني بالنسبة لتركيا و حليفتها الولايات المتحدة الأميركية وهو بعد هذا الاعتراف من قبل قائد قوات قسد مظلوم عبدي بوجود مقاتلين أكراد غير سوريين، هذا يعني أن التسليح الأميركي الذي كان يُغدق على قسد كان يذهب لمقاتلي حزب العمال الكردستاني و هو المصنف على دوائر الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية وبكل تأكيد هذا بمنزلة إشكال قانوني في واشنطن سوف تستفيد منه أنقرة في المباحثات القادمة مع إدارة بايدن الجديدة في البيت الأبيض، أما الإشكال الثاني يكمن في إمكانية مظلوم عبدي من سحب تلك الأسلحة من أيدي المقاتلين الأكراد الأجانب “حسب وصفه” والذين هم وفق الرؤية التركية أنهم مقاتلو حزب العمال الكردستاني وهل يضمن السيد مظلوم عبدي أن تلك الأسلحة لم تُهرب نحو جبال قنديل وغيرها من المناطق التي تقلق تركيا في أمنها القومي، ويبقى السؤال الأهم و الأصعب ألا وهو هل يستطيع مظلوم عبدي التخلي عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني والذين هم عماد قوته و قواته ولولاهم لما كانت تشكلت قسد ولا وحدات حماية الشعب الكردي أصلاً وخاصة أن لديهم خبرة عسكرية وقتالية وتنظيمية عبر عقود من تأسيس حزبهم في تركيا مروراً بانتقالهم نحو جبال قنديل و أراضٍ في الشمال العراقي.
أخيراً و من وجهة نظر أخرى يمكن ربط ما صرح به مظلوم عبدي بما تلاه من حراك سياسي في الداخل التركي ومقابلة بعض من قيادات حزب DEM المناصر للقضايا الكردية في تركيا مع عبد الله أوجلان الأب الروحي لفكر حزب العمال الكردستاني وما جاء بعد ذلك اللقاء من تصريحات تؤكد أهمية تقوية أواصر الإخاء التركي الكردي في مظلة البرلمان، وفي حال نجاح هذه الوساطة وموافقة عبد الله أوجلان على إلقاء خطاب يدعو فيه مقاتلي الحزب إلى التخلي عن السلاح مقابل عملية سياسية شاملة يمكن اعتبارها وقتها بأنها تصب في صالح مظلوم عبدي و تقوية موقفه في إخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني من قسد ومن سوريا.