يكشف نزول بعض الدول الصديقة المهمة والمؤثرة بقضّها وقضيضها في ملف انتخاب رئيس للجمهورية من أجل ضمان انتخاب رئيس جديد في جلسة 9 كانون الثاني حجم الضغط الذي انهال على رؤوس القوى السياسية من أجل إتمام هذا الاستحقاق وعدم المماطلة في اإنجازه . كما يعطي هذا الاندفاع المؤشرات القوية على أن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ستكون مثمرة وأن السيناريوات المتداولة حيال القلق من عدم انتخاب رئيس أو الفشل في ذلك بات ضعيفاً جداً، ولم يعد متاحاً.
فهذه الدول تؤكد حضورها في بيروت لتشهد على انتخاب الرئيس العتيد وتهنئه وليس لأن تكون شاهدة زور على ديموقراطية بائسة فاشلة في إثبات نفسها . ويشكل هذا الأمر أي هذا الحضور الإقليمي والغربي المؤثر من المملكة السعودية ( وهي خطوة بالغة الأهمية بعد سنوات من الابتعاد ) إلى فرنسا وقطر والولايات المتحدة فضيحة في حد ذاتها للقوى اللبنانية العاجزة والرافضة لتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية على رغم أن الامر كان يفترض أن يكون أكثر سهولة لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الذي كان يتحكم بهذا الاستحقاق وسواه عبر حلفائه الذين شعروا بأنفسهم أنهم أيتام على نحو مفاجئ ومن دون سابق إنذار واضطروا إلى مراجعة حساباتهم إنما ليس من دون مساعدة خارجية قوية كذلك، تلقفتهم في اتجاه دفع ما تراه مناسباً للبنان في المرحلة المقبلة.
إذ لم يسبق أن شهد انتخاب أو الدفع لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هذا الحضور الديبلوماسي الضاغط شكلاً ومضموناً بما يجعل شبه مستحيل عدم انتخاب رئيس في جلسة 9 كانون الثاني . هذا الفشل المصاحب لعجز القوى السياسية عن الاتفاق يشكل من حيث أبعاده الباب الأول للذهاب في المرحلة المقبلة إلى إعداد قانون انتخابي جديد بعدما أظهرت الانتخابات وفق القانون النسبي الذي أجريت على أساسه الانتخابات التي أفرزت المجلس النيابي الحالي إلى كارثة.
ولكن هذا موضوع آخر في انتظار إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية تصاعدت مع بدء العد العكسي لموعد الجلسة مجاهرة الكتل النيابية بمرشحها، وقد أظهرت دعمها الواضح لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يحظى بدفع إقليمي ودولي واضح . كما ينتظر هذا الموضوع تأليف حكومة جديدة وإقلاع البلد من جديد بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي المديد والحرب الإسرائيلية التي دمرت مناطق الجنوب وقرى بقاعية وضاحية بيروت الجنوبية.
فيما أوفد رئيس مجلس النواب نبيه بري نائبه الوزير السابق علي حسن خليل للقاء الموفد السعودي يزيد بن فرحان في مؤشر على مدى اعتماده على حسن خليل الذي تقول مصادر ، على ذمتها، إن بري يطالب بتوزيره مجدداً من أجل حمايته من وطأة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليه وعلى سبيل تبرئة ساحته، جنباً إلى جنب مع طلبه المساعدة في إعمار الجنوب وقراه عبر مجلس الجنوب تحديداً. يقال إن هذين الطلبين من بين الشروط التي وضعها بري فيما استمر في موقفه من الحاجة إلى تعديل دستوري يسمح بانتخاب جوزف عون للرئاسة وفيما أن ” حزب الله” يطالب بتبني تفسيره اتفاق وقف النار في تنفيذ القرار 1701 وليس الاتفاق وفق ما تم التوقيع عليه بموافقة الحزب.
تقول مصادر سياسية إن توالي إعلان كتل نيابية معروفة بتحالفها مع الثنائي الشيعي والمجموعات السنية في شكل خاص، دعمها انتخاب قائد الجيش للرئاسة الأولى يشكل ضغطاً إضافياً عليه وليس دعم قوى سياسية في المعارضة لهذا الانتخاب.
إذ يحفل دعم هذه الكتل الحليفة لقائد الجيش بدلالات كبيرة لجهة صعوبة ان يشكل الثنائي ائتلافا داعما لاي مرشح اخر قد يختار دعمه سواء كان مرشحه الاساسي الوزير السابق سليمان فرنجيه او سواه، كما صعوبة ان تبقى خياراته مفتوحة الى الحد الذي يسمح له بالمناورة في ربع الساعة الاخير . ولكن هذه الكتل التي استبقت بعض القوى في المعارضة ايضا في مجاهرتها تأييد انتخاب جوزف عون زايدت لا بل حشرت ايضا هذه القوى التي تؤكد ذهابها بموقف موحد الى مجلس النواب. هذا على الاقل ما باتت تؤشر اليه الامور ما لم يتم خلط للاوراق في ربع الساعة الاخير . وهذا ليس جديدا في الحسابات اللبنانية.