أ- هناك نقطتان رئيستان خلقتا قبولًا نسبيًا لقائد العمليات العسكرية، ولولاهما لكانت القوة العسكرية المستخدمة في إسقاط النظام بلا قيمة، بل ووبالًا على السوريين خلال الفترة من 27 نوفمبر حتى 8 ديسمبر الماضي، وهما:
1- الخطاب شبه الوطني: كان الخطاب المرافق لاستخدام القوة العسكرية مقبولًا نوعًا ما على المستوى الداخلي والخارجي، ولا سيَّما عندما أكَّد على تحرير السوريين من النظام السابق، وعلى الحرية لجميع السوريين، إضافة إلى التطمينات التي نشرها.
تخيَّلوا لو أن العمليات العسكرية جرت بالتزامن مع استخدام الخطاب المعتاد لجميع الفصائل (ومنها هيئة تحرير الشام) الذي يرتكز على الخطاب الجهادي، والدين، والقتل، والوعيد والثأر؛ لو حصل ذلك لكانت العمليات العسكرية بلا قيمة، ولكان السلاح كارثيًا كما كان لمدة 13 عامًا، والأهم ما كان لقسم كبير من السوريين أن يتفاعل إيجابيًا مع الحراك العسكري الذي حصل، ولما سمحت أميركا وروسيا على نحو خاص باستمرار العملية العسكرية وإسقاط النظام.
هذا هو ما أسميه: سحر الخطاب الوطني، والذي يسمح لنا بالتأكيد مرة أخرى: كل سلاح لا يعمل وفق بوصلة وطنية ديمقراطية يجب أن يُرمى في المزبلة.
ملاحظة: ما زلت أسمي الخطاب المستخدم خطابًا شبه وطني أو خطابًا نصف وطني لأنه ما زال يستخدم لغة التطمينات سيئة الصيت التي تنظر إلى السوريين على أساس أديانهم وطوائفهم لا على أساس كونهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. ففي الخطاب الوطني لا حاجة لأي فرد إلى أن يطمئنه أحد ما، وليس من حق أحد أن ينظر إلى نفسه بأنه صاحب البلد فيما الآخرون ضيوف ينبغي تطمينهم.
2- الخطاب المتوازن تجاه الدول الإقليمية والكبرى: كان الخطاب المرافق لاستخدام القوة العسكرية خطابًا إيجابيًا تجاه الدول كلها على العموم، فهو لم يكن عصابيًا أو متشنجًا أو شعبويًا، ولم يُناصب أي دولة العداء، ولم يدخل في أي محاور إقليمية أو دولية، بما فيها الدول التي ارتكبت جرائم واضحة في حق الشعب السوري (إيران وروسيا) لإدراكه بأن سوريا في وضعيتها وأحوالها الراهنة تحتاج إلى الجميع الآن أو غدًا. لذلك، أيضًا لو كان الخطاب المرافق للعملية العسكرية خطابًا عدائيًا على المستوى الدولي لما تكللت العملية بالنجاح.
ب- نقطتا القوة المذكورتان سابقًا بديهيتان ولا تحتاجان إلى كثير من الذكاء، بل كان من الممكن اكتشافهما في عام 2011 وليس في عام 2024 (لذلك لا حاجة إلى التطبيل للإدارة الجديدة)، وهذا يعني ما يلي:
1- حماقة القوى المعارضة، السياسية والعسكرية والفصائلية، التي لم تنتبه باكرًا إلى أهمية النقطتين السابقتين في الأداء السياسي والعسكري طوال الفترة من 2011 وحتى 2024.
2- كي تنجح الفصائل العسكرية التي شاركت في حراكها العسكري كان لا بدَّ لها من أن تقوم بالتكويع إيجابيًا بعكس ما اعتادت عليه طوال 13، وباتجاه الخطاب الوطني والعقلانية السياسية، فأهلًا بهذه التكويعة.
3- ما تقدَّم يعطي مشروعية وطنية وعقلانية للمقولة: “كل سلاح لا يخدم بوصلة وطنية ديمقراطية يجب أن يُرمى في المزبلة”.
أخيرًا؛ إن التذكير بهذا الكلام ضروري اليوم أيضًا من أجل ألَّا يعتقد أي فصيل مسلَّح (كائنًا من كان) أن السلاح الذي بحوزته يمكن يفيده أو يفيد سوريا إذا لم يلتزم حقًا البوصلة الوطنية الديمقراطية.