يلقي كل رئيس جمهورية خطاب القسم بعد انتخابه في مجلس النواب، ويعرض فيه رؤيته لعهد يمتد ست سنوات. وقد عبّرت مختلف القوى السياسية عن ارتياحها لخطاب الرئيس جوزاف عون وأشادت به، ولكن لا يمكن الاعتماد كثيراً على مواقفها، فهي في معظم الأحيان تتبنى الأسلوب نفسه من الاشادة في بداية كل عهد، قبل أن تتلاشى الحماسة وتبدأ الخلافات والتعطيل.
من اللافت أن القوى نفسها أشادت بخطاب الرئيس السابق ميشال عون عند انتخابه، ولكن أي قارئ يمكنه أن يلاحظ فروقاً جوهرية بين الخطابين. الحديث هنا لا يتعلق فقط بذكر موضوع المقاومة أو عدمه، بل بنبرة الخطاب وأسلوبه.
الرئيس جوزاف عون اعتبر أنه يتحمل مسؤولية كبيرة في “ظل زلزال شرق أوسطي تصدّعت فيه تحالفات، وسقطت أنظمة، وقد تتغير فيه حدود”. وأشاد بلبنان الذي، على الرغم من اختلاف مكوناته، يحتضن بعضه البعض في الأزمات، لأن “انكسار أحد هو انكسار للجميع”.
أما خطاب الرئيس ميشال عون، فقد ظهر وكأن إلقاءه بحد ذاته إنجاز. إذ قال إنه كان يفضل الاكتفاء بالقسم، لكنه اضطر إلى الخطابة بسبب الخلل في البلاد. وقد طغت لغة “الأنا” على بداية خطابه، فأشار إلى أن “من يخاطبكم اليوم هو…”، مذكّراً بمسيرته “النضالية” الطويلة، والمسؤوليات التي حملها.
في المقابل، اتسم خطاب الرئيس جوزاف عون بالتواضع، بحيث وصف نفسه بـ”الخادم الأول” في الحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني، التي تعهد بتطبيقها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا. كما أكد عزمه على ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كـ “حَكَم عادل”.
وتميز خطابه بإشراك الحكومة والمجلس النيابي والشعب اللبناني في العهد، إذ قال: “إلى أحبائي اللبنانيين أقول: عهدي هو عهدكم، ورش العمل كثيرة، ولا قدرة لي عليها وحدي. إنها مسؤوليات السادة النواب والوزراء والقضاء والأحزاب والمجتمع المدني”.
بينما طغى على خطاب الرئيس ميشال عون نبرة الفخر بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، معتبراً أن انتخابه تأخر في “إنجاز الحلم” الذي ناضل من أجله مع تياره. وعلى الرغم من حديثه عن الشراكة الوطنية، فإنه لم يذكر المجلس النيابي أو الحكومة، ولم يتطرق إلى البدء الفوري باستشارات لتكليف رئيس حكومة، كما فعل الرئيس جوزاف عون. وركز خطابه على شخصيته ورغباته الشخصية في إنجاح العهد.
على النقيض، استخدم الرئيس جوزاف عون لغة العمل الجماعي، مثل: “سنثبت”، “تجعلوا”، “إبداعكم” و”فيكم”. كان خطابه غنياً بروح الشراكة والتعاون، بينما كان خطاب سلفه حافلاً بلغة “الأنا”، مع نفحة من استعراض الفضل بقبوله تولي منصب رئاسة الجمهورية، بالاضافة إلى النبرة السلبية تجاه كل العهود السابقة.
على الرغم من التشابه في المضمون العام بين خطابي الرئيسين، وغالبية الخطابات السياسية، خصوصاً في الحديث عن الاصلاحات في السياسة والادارة والقضاء، إلا أن الفارق الأبرز يكمن في الأسلوب. فقد تحدث الرئيس جوزاف عون بلغة الموظف الذي نال شرفاً كبيراً، ويريد أن يسجل له التاريخ إنجازاته من خلال التعاون مع المؤسسات والقوى السياسية والشعب، بينما تحدث سلفه بلغة فوقية أن على الجميع شكر النعمة التي حصلوا عليها بانتخابه رئيساً.
كما كان لافتًا تركيز الرئيس جوزاف عون على دعم المؤسسة العسكرية وتقويتها، وهو أمر لم يسمعه اللبنانيون من رئيس جمهورية منذ عقود.