من داخل منزل تضرر في غارة إسرائيلية في قرية مروحين قرب الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل في 24 نوفمبر وتظهر مستوطنة موشاف زرعيت الإسرائيلية (أ ف ب)

بعد تصاعد المواجهات ما بين “حزب الله” وإسرائيل على الحدود الجنوبية اللبنانية، على أثر اندلاع حرب غزة، السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد إعلان “الحزب” وعلى لسان أكثر من مسؤول تابع له، أنه دخل معركة طوفان الاقصی على طول الشريط الحدودي في جنوب لبنان بالتنسيق مع فصائل “المقاومة الفلسطينية”، وما أعلنه أمينه العام ​حسن نصر الله​ في إطلالتيه أن الجنوب يعتبر “جبهة مساندة”، وذلك عبر إشغال الجيش الإسرائيلي بالجبهة اللبنانية، للتخفيف من حدة الهجوم على القطاع، يسود قلق من احتمال انهيار القرار الأممي رقم 1701، القرار الذي بسط هدوءاً نسبياً منذ ما بعد حرب يوليو (تموز) 2006.

حيثيات صدور القرار

في الـ12 من يوليو عام 2006 وبعد أسر “حزب الله” جنوداً إسرائيليين، وقتله آخرين، ورد إسرائيل بحرب مفتوحة ضد لبنان، وحصار بحري وحملات جوية مكثفة، استمرت لمدة 33 يوماً، توقفت الأعمال الحربية بين الطرفين، وذلك في الـ11 من أغسطس (أب) بعدما تبنى مجلس الأمن الدولي، وبالإجماع القرار ١٧١ وكانت قد أعدته الولايات المتحدة وفرنسا. وطالب القرار “الحزب” بالوقف الفوري لكل هجماته، وإسرائيل بالوقف الفوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية وسحب كل قواتها من جنوب لبنان، تزامناً مع نشر قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة “يونيفيل” نحو 15 ألف جندي لمراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق، ولمساعدة الجيش اللبناني على فرض تطبيق وقف لإطلاق النار. وتضمن القرار بنوداً عدة، وأهمها إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل وهضبة الجولان في السابع من يونيو “حزيران” 2000)، ونهر الليطاني تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوات “يونيفيل”، وتطبيق كامل لبنود “اتفاق الطائف” والقرارين 1559 عام (2004) و1680 عام (2006) اللذين يطالبان بنزع أسلحة كل المجموعات المسلحة في لبنان، لتصبح الدولة اللبنانية وحدها، وطبقاً لقرار الحكومة اللبنانية في الـ27 من يوليو 2006، تملك أسلحة، ولممارسة سيادتها بشكل كامل وبما يؤدي إلى عدم وجود أي سلاح من دون موافقتها، وعدم وجود أي سلطة غير تلك التي تمارسها الحكومة اللبنانية، والاحترام الصارم للخط الأزرق. وقرر مجلس الأمن حينها زيادة عدد قوات “يونيفيل” إلى 15 ألف جندي وأن تتولى القوة إضافة إلى تنفيذ ولايتها مهام عدة، من بينها رصد وقف الأعمال القتالية، وتقديم مساعدة لضمان وصول المساعدة الإنسانية إلى السكان المدنيين، والعودة الطوعية والآمنة للنازحين.

هدنة غزة

ومنذ بدء حرب غزة تقدم لبنان بأكثر من شكوى أمام مجلس الأمن ضد إسرائيل، متهماً إياها بتخطي ضرباتها الخط الأزرق وبتعمد قتل المدنيين، آخرها ما جاء في بيان وزارة الخارجية اللبنانية، بعد الجريمة الجديدة الموصوفة المتمثلة بالقتل المتعمد للصحافية فرح عمر والمصور ربيع المعماري، إضافة إلى المواطن اللبناني حسين عقيل. وأكد البيان أن الضربة الإسرائيلية “داخل الأراضي اللبنانية على مسافة بعيدة من الخط الأزرق، تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي بكل متفرعاته، وخرقاً لسيادة لبنان وسلامة أراضيه، واعتداء على مدنيين”. وقالت “وكالة الصحافة الفرنسية” في الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أن حصيلة القتلى في جنوب لبنان وصلت إلى 100 قتيل بينهم 69 مقاتلاً في صفوف “حزب الله”، و14 مدنياً، بينهم ثلاثة صحافيين. وأفادت السلطات الإسرائيلية من جهتها بمقتل تسعة أشخاص بينهم ثلاثة مدنيين. وبعد توصل إسرائيل و”حماس” إلى اتفاق هدنة لأربعة أيام، سأل مراقبون ما إذا كانت تلك الهدنة ستسري على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، لكن يقول مسؤول في الخارجية الإسرائيلية بحديث إعلامي إن الاتفاق لا علاقة له بـ”حزب الله”، ويرتبط “فقط” بالوضع في غزة. وأضاف المسؤول الإسرائيلي الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن “(حزب الله) يواصل مهاجمة إسرائيل من جنوب لبنان، وهو ما سترد عليه إسرائيل”. في المقابل قال رئيس مجلس النواب نبيه بري “شو بصير بغزة بصير بلبنان، وإذا حصل إخلال هناك سيحصل إخلال هنا”، بدوره أشار عضو كتلة “حزب الله” البرلمانية “الوفاء للمقاومة”، النائب رامي أبو حمدان في حديث إعلامي، إلى أن انعكاس الهدنة في غزة على لبنان “تحصيل حاصل”، مضيفاً أن “ما يحصل في غزة ينعكس على لبنان، بعدما أصبحنا جبهة واحدة، لكن انعكاس الهدنة يبقى مرهوناً بالميدان، فإذا استمر العدو الإسرائيلي باعتداءاته في جنوب لبنان، لن نسكت وسنرد عليها”مؤتمر “1701 الآن”

وكانت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا، قدما إحاطة إلى مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 1701، استناداً إلى أحدث تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وأكدت فرونتسكا الحاجة الملحة إلى تهدئة الوضع على طول الخط الأزرق، وقالت “يجب أن يتركز عملنا الجماعي وجهودنا على دعوة أطراف النزاع إلى ممارسة ضبط النفس والحث على العودة إلى وقف العمليات العدائية عبر تنفيذ كامل للقرار 1701، بهدف تجنب اندلاع صراع أوسع نطاقاً لا يريده لبنان ولا يمكنه تحمله.” معربة عن قلقها العميق إزاء المواجهات اليومية عبر الخط الأزرق منذ الثامن من أكتوبر، مشيرة إلى أن التطورات التي شهدناها في الأسابيع الستة الماضية تمثل أخطر انتهاكات للقرار 1701 منذ اعتماده عام 2006، وأكدت أن التنفيذ الكامل للقرار 1701 يعد مدخلاً أساسياً لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. وكانت قوى المعارضة اللبنانية قد وجهت نداءً للقمة العربية التي انعقدت في الرياض في الـ11 من نوفمبر الجاري، أكدت فيه “رفض اللبنانيين إدخال بلدهم عنوة في حرب شاملة، بعد أن تم إقحامه فعلياً في حرب محدودة خلافاً لإرادتهم”، وطلبت قوى المعارضة مساعدتها على “التصدي لمحاولة جر لبنان إلى الحرب في ظل سيادته المخطوفة وقراره المسلوب”. وكان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قد دعا إلى “حصر الوجود المسلح في الجنوب بالجيش اللبناني والقوات الدولية، لمنع إسرائيل من الاستمرار في خروقاتها، لأنه عندها ستكون أمام مواجهة الجيش اللبناني و10 آلاف جندي أجنبي موجودين على الأرض”، مشدداً على أنه من مهام وواجب الحكومة ومجلس النواب فرض تطبيق القرار 1701، كما عقد جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” مؤتمراً تحت عنوان “1701 الآن” بحضور عدد من نواب تكتل “الجمهورية القوية”، وممثلة المنسقة الخاصة للأمم المتحدة، وممثلين عن سفارات مصر والعراق والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وجمهورية تشيكيا ورومانيا وعدد من الدبلوماسيين. إذ أكد النائب جورج عقيص أن “تكتل الجمهورية القوية يضع القرار 1701 في أعلى أولوياته في ظل ازدحام كل الاستحقاقات من الملف الرئاسي إلى التهديد بالفراغ على مستوى قيادة الجيش”. منتقداً “ما يشيعه البعض عن أن تنفيذ هذا القرار في الوقت الراهن هو ضرب من الجنون”، ومشيراً إلى أن “الجنون الفعلي هو عدم الحديث عن القرار 1701 فهو صدر ليجنب لبنان ما يحصل اليوم”. وقال إن “القرار 1701 يجنبنا الخطر الخارجي القادم إلينا من خارج الحدود من قبل إسرائيل، أما الخطر الثاني الداخلي من داخل الحدود فتمثله إيران من خلال ذراعها حزب الله، وما يجنبنا هذين الخطرين هو تطبيق الـ1701”.

 خروقات للقرار 1701

في شهر يوليو الماضي، أصدر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقريره السنوي حول تطبيق القرار 1701 بناءً على ما قدمته منسقة الأمم المتحدة الخاصة في لبنان، للفترة ما بين الـ21 من فبراير (شباط) والـ20 من يونيو 2023، الذي على أساسه بنى غوتيريش تقريره، إذ أشار التقرير إلى أن “الطرفين اللبناني والإسرائيلي لم ينفذا بعد كامل التزاماتهما بموجب القرار 1701، ولم يحرز أي تقدم نحو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل”. إذ رصد في شهر أبريل (نيسان) إطلاق 24 صاروخاً من السماعية والمالكية وزبقين، عابرة إلى جنوب الخط الأزرق، وشن الجيش الإسرائيلي غارات جوية على ثلاثة مواقع قريبة من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، مذكراً أن “أشغال البناء والهندسة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي قرب الخط الأزرق كانت سبباً في إشعال فتيل التوتر في مناسبات عدة في عيتا الشعب وحولا. وصوب أفراد من الجيش اللبناني ومن الجيش الإسرائيلي أسلحتهم نحو بعضهم بعضاً قرب مارون الراس وعيترون، وتكرر ذلك في بليدا”. وأدت حوادث وقعت في مزارع شبعا أيضاً إلى إشعال التوتر. وفي السابع من مايو (أيار) الماضي لاحظت القوة الموقتة وجود خيمة يزيد حجمها على 30 متراً منصوبة جنوب الخط الأزرق قرب منطقة تدعى بسطرة. ورصدت في وقت لاحق اجتياز أفراد الخط الأزرق من جهة الشمال مراراً للوصول إلى الخيمة. وفي الـ30 من مايو نصبت كاميرات تعمل بنظام الدوائر التلفزيونية المغلقة بجوار الخيمة. وفي الـ17 من يونيو لوحظ وجود خيمة ثانية، وقد طلبت القوة الموقتة من الجيش اللبناني إزالة هاتين الخيمتين. أيضاً عرض التقرير لما حصل “قرب كفر شوبا، إذ قام أفراد بإلقاء الحجارة وانتهاك الخط الأزرق من جهة الشمال وإشهار أفراد الجيش الإسرائيلي أسلحتهم واستخدامهم الغاز المسيل للدموع”. وأشار التقرير إلى “مواصلة إسرائيل خرق المجال الجوي اللبناني في انتهاك للقرار 1701 وللسيادة اللبنانية، مسجلاً 131 انتهاكاً”، وغيرها من الخروقات للقرار.