دخل اتفاق وقف النار في غزة حيّز التنفيذ. بدأت ولاية الرئيس دونالد ترامب، من دون حروب في المنطقة. كل الأنظار مصوّبة الآن إلى عملية تنفيذ بنود الاتفاق. لا نتوقع أن تقدم “حماس” على أيّة خطوات تمنح إسرائيل حجّة لنقض الاتفاق. كل الدول العربية ترفض الحرب. كما أنّ تركيا، حاضنة حماس الفعلية، لا تريد عودة للحروب. فهي تعيش حالة نصر في المنطقة باهرة وتاريخية، كنّا قد توقعناه منذ عام 2011. وتعيش إيران راعية الحوثيين، حالة إرباك لم يسبق لها مثيل. تعلم أنّ إسرائيل، وبدعم من الرئيس ترامب، تنتظر الفرصة المناسبة لشنّ هجومها على منشآتها النووية. نتوقع أن تتوقّف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وعلى إسرائيل. لا عودة إلى الوراء. التوجه الآن نحو الغد.
ينطبق هذا الأمر أيضا على لبنان. لا عودة إلى الحرب. انتهى مفعول السلاح تماما. ما قاله الرئيس جوزف عون في خطاب القسم عن حصريّة السلاح بيد الدولة، لم يكن موقفا عدائيّا للثنائي الشيعي. فالرئيس ملتزم تحرير لبنان إذ تحدّث عن استراتيجية دفاعية بغية تعزيز مناعة الوطن وقوته في مواجهة أيّة احتمالات عدوانية في المستقبل ضده. لكنّ الرئيس كان واضحاً جداً وحازماً برفضه دور ذلك السلاح الموجّه لخدمة مصالح خارجية. أكد الرئيس أنّ لبنان يلتزم اتفاق الهدنة فيما يتّصل بحقوقه الوطنية، في مواجهة إسرائيل. كما أكد على حياد لبنان، فلا يكون طرفاً إطلاقاً في خلافات ونزاعات بين دول المنطقة. هذا الأمر، لا يعني أنّ لبنان سيغمض العين عن الحقوق المشروعة لأيّ صاحب حق، ولا سيّما بالنسبة للقضيّة الفلسطينيّة، بل أنّه سيصر على تسوية مثل تلك الخلافات والنزاعات سلميّاً، وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدوليّة.
وقد بدأ الرئيس ترامب عهده بتحذير إسرائيل من العودة إلى الحرب في لبنان، والتأكيد على إنهاء أذرع إيران في المنطقة. كما حضر أمين عام الأمم المتحدة وأكد بدوره على حصريّة الجيش وقوى الأمن اللبنانية، في دور الدفاع عن لبنان وحفظ الأمن في الجنوب. وزار لبنان كذلك، الرئيس الفرنسي ماكرون الذي جال بين الناس ليؤكد على أهمية لبنان بالنسبة لفرنسا.
وعليه، لا يجب أبدا النظر إلى تشكيل الحكومة ودورها من منطلق الربط مع الماضي، بل من منطلق الإنطلاق إلى الغد. وقد أكد الرئيسان عون وسلام، بأنّ العمل يجب أن يتّجه إلى استكمال اتفاق الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) الذي تحوّل عملياً إلى دستور لبنان القائم. ونحن نأمل أن يتمّ تشكيل الحكومة بهذه الروحية، واستنادا إلى الدستور. الحكومة يجب أن تكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. لا يوجد أيّ نصّ في الدستور يدل على مبدأ 6 و 6 مكرّر. كل لبناني ومن أيّ مذهب من المذاهب الإسلاميّة، يمثل المسلمين. وكل لبناني ومن أيّ مذهب من المذاهب المسيحية، يمثّل المسيحيين. ولا يوجد أيّ نص في الدستور يشير إلى أن يكون المسيحي أو المسلم صاحب هويّة سياسية، أو عقائدية، أو حزبية. المطلوب إذا عدم النظر لإرضاء القيادات التقليديّة، بل يجب المجيء بوزراء يمكنهم نقل لبنان إلى الغد.
ومتطلبات لبنان الغد، مرتبطة ارتباطاً مطلقاً بموجبات لبنان الدولية وفقاً لنظام العولمة القائم. نحن بلد ديمقراطي ويجب إثبات ذلك عبر احترام الحريّات العامة، وتشجيع عمل المنظمات غير الحكومية. ندعو مسبقا إلى تشكيل حكومة ظلّ تتابع عمل الحكومة ليس من منطلق المعارضة، بل من منطلق ضمان العمل نحو الغد.
نحن بلد يلتزم حقوق الإنسان. يجب لإثبات ذلك، الإنضمام إلى الاتفاقيّات والمعاهدات الدولية التي تضمن هذه الحقوق وأهمّها الإنضمام إلى المحكمة الجنائيّة الدولية. يجب عدم القبول بالتّورية على الجرائم، وعدم السماح بالتهرب من المسؤولية، وقد طالبنا بضرورة إيجاد آلية للخروج من موروثات الحرب، من خلال تنظيم مؤتمر للمصارحة والمصالحة، وإنهاء ملف المفقودين والأسرى السياسيين سواء داخلياً أو خارجياً.
يقوم النظام الدولي الراهن على النظام الاقتصادي الحرّ مع احترام متطلبات حماية البيئة. أطلق هذا النظام مفهوم التنمية المستدامة. التزم لبنان هذا النظام الاقتصادي منذ استقلاله، لكن يجب العمل على توفيق القوانين المعمول بها مع الأحكام الحديثة التي فرضتها العولمة بغية تمكين لبنان من الإنضمام إلى تكتلات اقتصادية، واستقطاب الاستثمارات المباشرة الدوليّة، واللحاق بالموجبات الدولية في حماية البيئة، وإقامة نظام للتنمية المستدامة تجمع بين حماية البيئة والإدارة السليمة للثروات المعدنيّة الوطنية، حفاظا على حقوق الأجيال الطالعة. نقترح إعادة إحياء اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة في وزارة الخارجية، وتعزيز دور القطاع الخاص ومشاركته في إدارة الخدمات العامة، وضمان وجود نظام قانوني يحمي المستثمر، وقضاء مستقل يمنح الضمانات القانونية لأصحاب الحقوق من المستثمرين.
إلتزم لبنان منذ استقلاله علاقات الصداقة في روابطه الدولية. لكنّه عانى منذ عام 1969، من فقدان سيادته فتحوّل إلى ساحة حروب للإضرار بالآخرين. وعليه، فإن من أولى البديهيّات وقف كل نشاط يأخذ من التراب اللبناني مكاناً للإساءة إلى الآخرين. كل الذين يعيشون على الأراضي اللبنانيّة ملزمون باحترام سيادة لبنان، وعلاقاته الخارجية، وروابطه مع باقي أعضاء المجتمع الدولي. نحن نريد أن نكون جزءاً فاعلاً وناشطاً في ضمان مفهوم الليبراليّة الديمقراطية، ونتطلع إلى علاقات خارجية من منطلق الاحترام المتبادل. ونرى أنه من الضروري إعادة النظر بقانون الأحزاب والجمعيّات بغية توأمتها مع أحكام الدستور.
ولا يمكن بأي شكل، استمرار التعامل مع الانتشار اللبناني من منطلق المصالح الحزبية، والطائفية والمالية. فالاغتراب ثروة لبنان، ورمز امتداده التاريخي، وقوّة وجوده المعنوي. نريد أن يكون الاغتراب جزءاً لا يتجزأ من عملية بناء مستقبل الوطن.