يبدو أن القوى السياسية اللبنانية لا تزال تقرأ في كتب التاريخ، متجاهلة المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان وسط التغيرات الاقليمية وعودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في وقت يسعى فيه إلى ضم دول لبلاده من دون الاكتراث بالأعراف الدولية.
أدخلت الأحزاب الرئيس المكلف نواف سلام في متاهات الداخل، حيث هيمنت المحاصصة على المطالب، بدءاً بتمثيل المذاهب لا الطوائف، وصولاً إلى تمثيل المناطق مذهبياً. انقسمت الوزارات بين سيادية وخدماتية وجوائز ترضية، مع المطالبة بتمثيل لرئيس الجمهورية، وبيان وزاري يرضي الأطراف الداخلية والدول الراعية.
هذه العقد دفعت بالقاضي نواف سلام إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية جوزاف عون، وخرج بعد الاجتماع ناعياً جميع التشكيلات التي تم تداولها في الأيام الماضية، ما أدى إلى انخفاض منسوب الأمل بتشكيل حكومة قريبة قد تشكل دفعة انطلاقة للعهد الجديد.
وفي حين تردّد أن العقدة الحكومية تتعلق بالبيان الوزاري ومطالبة الثنائي ببنود معينة، نفت مصادر الثنائي هذا الأمر في حديث لموقع “لبنان الكبير”، مؤكدة أن “قرارنا هو تسهيل تشكيل الحكومة”. وأشارت إلى أن الرئيس المكلف “متجاوب ومتعاون تماماً”، وقد تم الاتفاق على معظم النقاط المتعلقة بمشاركة الثنائي. وقالت: “سنشارك حكماً، ولم تعد هناك أي نقاط غامضة”.
ونقلت أجواء اللقاءات بين الرئيس المكلف والثنائي أن الكتلة الوحيدة التي كانت واضحة في مطالبها ومناقشاتها هي كتلة الثنائي، بينما لا تزال هناك تفاصيل عالقة بين الكتل الأخرى.
إلا أن هناك عقبات عدة تعوق التشكيل، أولها عدم الرغبة الدولية في أن يتسلم الثنائي وزارات أساسية في عملية إعادة الإعمار، مثل وزارتي الأشغال والمالية، خصوصاً أن الأخيرة تمتلك صلاحيات تعطيلية. وقد يكون الحل بمداورة الوزارات مع الإبقاء على المالية بيد شيعي يختاره الرئيس المكلف ويرضى به الثنائي.
عقدة أخرى تتمثل في مطالبة الثنائي بالحصة الشيعية كاملة، ما يهدد ميثاقية الحكومة إذا قرر وزراؤه الاستقالة في حال حدوث خلاف مع العهد الجديد. لذلك، يجري البحث عن حل وسط يرضي جميع الأطراف، خصوصاً الرئيسان سلام وعون.
وعلى الرغم من أن المعلومات تشير إلى أن الثنائي يتفاوض ببراغماتية، إلا أن العقد لا تقتصر عليه فقط. فقد عادت أزمة الوزارات السيادية لتطفو على السطح، لا سيما بين القوى المسيحية. ويطالب رئيس الجمهورية بحقيبتين سياديتين، في حين يعتبر حزب “القوات اللبنانية” أنه الراعي للعهد الجديد، ومن حق كتلته النيابية الحصول على وزارة سيادية. في المقابل، يرى “التيار الوطني الحر” أنه الداعم الأساسي لتكليف نواف سلام، وبما أن لديه كتلة نيابية وازنة، فإن من حقه الحصول على حقيبة سيادية.
كما تبرز أزمة وزارة الطاقة، بحيث يرى “التيار الوطني الحر” أن أي وزير سيتسلم الحقيبة سيبني على إنجازاته، بينما يصرّ خصومه على أن أحد أبرز عناوين التغيير هو سحب وزارة الطاقة من التيار.
يعيش لبنان حالياً تحت مجهر المجتمع الدولي، الذي ينتظر منه تغييراً حقيقياً، إلا أن التقسيمة السياسية والطائفية تعوق تحقيق هذا التغيير. هناك من يرى أن الحل يكمن في الانتخابات النيابية المرتقبة العام المقبل، ما يفرض تمرير المرحلة الحالية بأقل الأضرار، فيما يعتبر آخرون أن عدم التغيير الآن يعني بقاء النفوذ السياسي بيد القوى نفسها، ما يجعل التغيير مستحيلاً، وبالتالي يجب أن يبدأ العمل فوراً.
ويبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الرئيس المكلف الصمود أمام هذه الضغوط، أم أن لبنان سيشهد “اعتذاراً عن التكليف” بجزء ثانٍ؟
إشترك بالقائمة البريدية