وسيلة فعالة لخنق الإقليم
خضوع قضية استئناف تصدير نفط إقليم كردستان العراق للاعتبارات السياسية بعيدا عن الطابع الأصلي القانوني والاقتصادي والتقني للقضية، يسير بها نحو المزيد من التعقيد ما يكلّف العراق عموما وإقليم كردستان على وجه الخصوص المزيد من الخسائر المالية التي تتجاهلها قوى متنفذة في السلطة الاتّحادية في سبيل تحقيق غايتها بمواصلة التضييق على الإقليم والضغط على قياداته.
بغداد- تسير قضية إعادة تصدير نفط إقليم كردستان العراق المتوقّف منذ مارس الماضي نحو المزيد من التعقيد مخالفة بذلك رغبة سلطات الإقليم التي تعلّق آمالا على حلّ القضية بأقصى ما يمكن من السرعة، بما من شأنه أن يساعدها في تجاوز الصعوبات المالية التي تواجهها.
وتقدّمت حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني بمقترح جديد يتعلّق بتعديل قانون الموازنة الاتّحادية، وذلك في وقت جرت فيه محاولات لإقرار التعديل بالتصويت عليه من قبل البرلمان العراقي كون إعادة التصدير تتوقّف عليه حيث يتضمن تحديد كلفة إنتاج الخام في حقول الإقليم.
ويساهم في تعقيد القضية التي يفترض أنّها اقتصادية – قانونية – تقنية بالأساس خضوعها لاعتبارات سياسية تتمثّل في استخدامها من قبل قوى متنفذة في السلطة الاتحادية العراقية كورقة ضغط على الإقليم وقيادته السياسية بسبب عدم انتماء أبرز رموزها إلى المحور الإيراني الذي ينتمي إليه أبرز قادة الأحزاب والفصائل الشيعية الممسكة بزمام السلطة في العراق.
جمال كوجر: عجينة تعديل قانون الموازنة ستحتاج إلى ماء أكثر
جمال كوجر: عجينة تعديل قانون الموازنة ستحتاج إلى ماء أكثر
وتخشى دوائر سياسية واقتصادية كردية أن ينسف مقترح الحكومة، الذي يتضمّن المزيد من الاشتراطات المتعلّقة بإعادة تصدير النفط، التقدّم الذي تمّ تسجيله مؤخّرا نحو تمرير تعديل قانون الموازنة ومن ثمّ فتح الباب لاستئناف التصدير.
ورغم قيام البرلمان باستكمال القراءتين للتعديل فإنّ المجلس لم يتمكّن من إنجاز الخطوة الأخيرة المتمثّلة في طرحه للتصويت في ظلّ تمترس ممثلي عدد من الأحزاب والكتل النيابية خلف مواقفها المتشدّدة بشأن الخلافات المالية والاقتصادية بين بغداد وأربيل.
وكشف سوران عمر عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي عن قيام حكومة السوداني بإرسال مقترح جديد لتعديل قانون الموازنة المتعلق بملف نفط الإقليم إلى البرلمان، متوقّعا أن تخلق هذه الخطوة تعقيدات إضافية في عملية إقرار التعديل.
وتوقّف تصدير النفط المنتج في حقول إقليم كردستان العراق منذ أن كسبت الحكومة الاتّحادية دعوى كانت رفعتها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد تركيا بشأن تصدير الخام من تلك الحقول عبر ميناء جيهان التركي خارج سلطة شركة تسويق النفط العراقية سومو.
ويقدّر حجم النفط المصدّر قبل توقّفه بنحو 480 ألف برميل يوميا بعوائد مالية تبلغ أكثر من مليار دولار شهريا باحتساب معدل سعر البرميل الواحد عند سبعين دولارا.
سوران عمر: السوداني اتخذ هذه الخطوة بسبب ضغوط من الأطراف السياسية
سوران عمر: السوداني اتخذ هذه الخطوة بسبب ضغوط من الأطراف السياسية
وتواجه سلطات الإقليم صعوبات اقتصادية ومالية خلّفت أثرا على الأوضاع الاجتماعية للسكان الذين لا يتمكّن الموظفّون منهم من استلام رواتبهم بشكل كامل ومنتظم، في وقت تدفع فيه أبرز الأحزاب والفصائل الشيعية الحاكمة في العراق نحو المزيد من التشدّد بشأن تحويل المخصصات المالية الكافية لتسديد تلك الرواتب وكذلك بشأن تمكين الإقليم من حصته من موازنة الدولة الاتّحادية، والمحدّدة وفق الدستور العراقي باثني عشر في المئة من حجم الموازنة.
وفي هذا السياق تحديدا وقفت ضغوط تلك القوى ذاتها وراء تراجع الحكومة العراقية عن النص السابق الذي اقترحته هي نفسها لتعديل قانون الموازنة وتقديمها مقترحا جديدا أوضح العضو في اللجنة المذكورة أنّه يرتّب على الإقليم اشتراطات إضافية تتمثّل في أنّ عليه تسليم جميع إيرادات مبيعات النفط والغاز والمنتجات النفطية سواء محليا أو خارجيا بالكامل ودون أي تخفيض إلى الخزينة العامة.
ووردت الإشارة في نص التعديل الجديد إلى أنّ الإجراءات المقترحة تتوافق مع “الإجراءات المتبعة في المناطق الأخرى من العراق،” وهي عبارة تحيل مباشرة إلى مطالبة شخصيات وأحزاب شيعية ممثّلة لمحافظات وسط وجنوب العراق بالامتناع عن تمويل باقي المناطق العراقية من عوائد النفط المنتج في تلك المحافظات، وهي مطالبة تهدف بشكل أساسي إلى وقف إمداد إقليم كردستان بحصة من موازنة الدولة على أساس أنّ تلك الموازنة ممولة في جزء كبير منها من نفط محافظة البصرة.
وتتهم أحزاب عراقية سلطات إقليم كردستان بعدم الشفافية في موضوع الإيرادات. وقال مصطفى الكرعاوي عضو اللجنة المالية في مجلس النواب إن الإقليم لم يسلّم شيئا من الإيرادات النفطية إلى الحكومة الاتحادية، مرجعا سبب الإشكالات والخلافات القائمة حاليا بين بغداد وأربيل إلى عدم الالتزام بنصوص الموازنة، ومحمّلا الإقليم مسؤولية ما قال إنّه تراجع في حصة العراق من إنتاج النفط وتصديره والمقررة في نطاق منظمة البلدان المصدّرة للنفط أوبك.
وقال سوران عمر لوسائل إعلام محلية إن السوداني “اتخذ هذه الخطوة بسبب ضغوط من الأطراف السياسية، ما يخلق مشاكل وعقبات إضافية لتمرير التعديل، خاصة أن بعض الأطراف الشيعية كانت مختلفة حول هذه القضية سابقا.”
تصدير النفط توقّف منذ أن كسبت الحكومة الاتّحادية دعوى كانت رفعتها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية
وعلّق جمال كوجر النائب في البرلمان العراقي على تقديم حكومة السوداني لمقترح جديد بشأن تعديل قانون الموازنة بالقول إن “هذه العجينة تحتاج إلى ماء أكثر،” في إشارة إلى ضرورة الخوض مجدّدا في كم هائل من الجدل والنقاشات بما من شأنه أن يغرق قضية استئناف تصدير النفط في متاهة جديدة بعد أن كانت على وشك الحسم.
وقال لموقع رووداو الإخباري إن الحكومة من جهة تصر على نصها السابق ومن جهة أخرى تضيف مقترحات جديدة، وهو ما يزيد الوضع تعقيدا، معتبرا أنّ النص الجديد يقيّد إقليم كردستان لأنه يوجب على الإقليم تسليم جميع إيرادات النفط والغاز إلى الحكومة الاتّحادية.
وأشار كوجر إلى أنّ “حكومة الإقليم غير موافقة على هذا المقترح حتى الآن،” مؤكّدا أن “تمرير التعديل يواجه عقبات كثيرة وهناك تدخلات سياسية كبيرة فيه،” ومعتبرا أن “اقتراب انتخابات البرلمان العراقي سبب آخر لتعقيد الوضع.”