تشدّد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على أنها لن تسلّم سجوناً تحتجز بها منذ عدة سنوات قياديين وعناصر من تنظيم داعش، للإدارة الجديدة في دمشق، في خطوة بدا أن هدفها هو مواصلة الاستثمار في هذه الورقة التي تُشكّل هاجساً كبيراً لدى الغرب، وذلك من أجل الحصول على مكاسب سياسية. ونقلت وكالة رويترز قبل أيام عن إداري في “قوات سوريا الديمقراطية” قوله إن “قسد” تتمسك بسجون “داعش” وتعارض تسليمها إلى الإدارة السورية الجديدة. ووفقاً للمسؤول نفسه فإنّ التنظيم “حاول تنفيذ هجومين على السجون في محاولة لإطلاق سراح أتباعه منذ الإطاحة ببشار الأسد من السلطة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي”، لافتاً إلى أن سجن الحسكة (شمال شرقي سورية)، يضم نحو 4500 من مسلحي التنظيم. وباعتقاده فإنّ “سلطات قسد ستسلم السجون للإدارة الجديدة”، مردفاً: “التشارك في هذا مع الحكومة الجديدة لن يكون مقبولاً، حماية السجون مسؤولية التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية فقط”.
هشام اسكيف: يجب إعادة المسلحين الأجانب الى دولهم
“قسد” تتمسك بسجون “داعش”
في المقابل كان وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، اللواء مرهف أبو قصرة مرهف أبو قصرة واضحاً لجهة أن ما تسعى إليه الإدارة الجديدة هو “السيطرة على المؤسسات والسجون والحدود”، مشيراً إلى أن “قسد” قدمت عرضاً لتسليم آبار النفط في شرقي البلاد، لكنه قوبل بالرفض. ولفت أبو قصرة إلى أن “قسد” تشدّد على أنها لن تسلم سلاحها للإدارة الجديدة، وأنها تريد الدخول إلى الجيش الجديد بما هي كتلة، لكن “ذلك لا يحقق المصلحة العامة”.
وتعليقاً على رفض “قسد” تسليم السجون للإدارة الجديدة، يرى هشام اسكيف القيادي في”الجيش الوطني” في شمال سورية في حديث مع “العربي الجديد” أن “قسد” تتمسك بسجون “داعش” و”تستخدم كل ما لديها من أوراق ضغط على الجميع من أجل حجز مكان وفق تصوراتها في سورية الجديدة”. ويؤكد أن الإدارة الجديدة في البلاد “لديها القدرة على التعاطي مع التهديد الأمني الذي يشكله مخيم الهول وسجناء التنظيم لدى قوات قسد”، مضيفاً: يجب إعادة المسلحين الأجانب الى دولهم وتأهيل السوريين عبر برامج مخصصة لهذا الأمر. ويعتبر اسكيف أن “الاحتجاز بهذه الصورة المتبعة من قبل قوات قسد لمسلحي التنظيم، لن يؤدي الى التخلص من الفكر الإرهابي المتطرف، بل يعمل على تزكيته، الأمر الذي يهدد لعودته مرة أخرى”.
تقارير عربية
“العفو الدولية”: انتهاكات مروّعة في سجون “قسد”
من جانبه، يرى الخبير العسكري ضياء قدور في حديث مع “العربي الجديد” أن “قسد” تتمسك بسجون “داعش” بما “يعكس نيّة واضحة لدى هذه القوات للاحتفاظ بنفوذها في شمال شرقي سورية”، مضيفاً: هذه القوات التي تستخدم هذا الملف ورقة ابتزاز باتت مكشوفة لجميع الأطراف. ويشير قدور إلى أن السيطرة على هذه السجون من قبل إدارة العمليات العسكرية في البلاد خطوة حاسمة لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة كلها، وتعزز قدرة الإدارة الجديدة على مكافحة الإرهاب وضمان عدم عودة التنظيم للنشاط مستقبلاً في سورية. ويشدّد على أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها قوات “قسد” محتجزي التنظيم لديها ورقة ابتزاز للمجتمع الدولي، مضيفاً أنه في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى (2017 ـ 2021) هددت “قسد” بسحب يدها من إدارة سجن الحسكة عندما أعلنت الإدارة الأميركية نيتها سحب قواتها من شمال شرقي سورية. ويعرب عن اعتقاده بأن هذه القوات عاودت استخدام هذه الورقة في الوقت الراهن لـ”الضغط على المجتمع الدولي للحصول على مكاسب سياسية وأمنية”.
وتتهم قوات “قسد” بأنها تهدف من وراء تعظيم الخطر الذي ربما ينجم جراء تسليم السجون للإدارة الجديدة، إلى دفع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للضغط على الإدارة الجديدة، من أجل التوصل لاتفاق يُبقي هذه القوات جهة مسيطرة في شمال شرقي سورية تحت ذريعة درء خطر التنظيم. غير أن الإدارة الجديدة في دمشق، وجّهت تطمينات للغرب ولدول الإقليم، مبدية التزامها تماماً بمحاربة “داعش” والإرهاب عموماً في البلاد، لنزع هذه الورقة من يد “قسد”، التي باتت أمام خيارين: إما حل نفسها وتسليم السلاح، أو مواجهة الخيار العسكري الذي تحاول الإدارة الجديدة تجنّبه.
ضياء قدور: السيطرة على سجون “داعش” من قبل إدارة العمليات العسكرية خطوة حاسمة لضمان الاستقرار
آلاف المعتقلين من “داعش”
ولا توجد أرقام رسمية عن عدد قياديي وعناصر التنظيم المحتجزين لدى قوات “قسد”، التي خاضت حرباً بمساعدة من التحالف الدولي بدأت في عام 2015 وانتهت مطلع عام 2019 بالقضاء على “داعش” في شمال شرقي سورية. كما لا توجد معلومات كافية عن عدد السجون وأماكن تموضعها في مناطق سيطرة “قسد”، بيد أن المرصد السوري لحقوق الإنسان قدر في عام 2022 عدد سجناء التنظيم بنحو 12 ألف سجين من السوريين والأجانب. وثمة تقديرات أخرى تقدر العدد بأقل من عشرة آلاف. كذلك تحتجز قوات “قسد” عائلات مسلحي التنظيم في مخيم الهول في ريف الحسكة.
وترفض غالبية الدول التي يحمل هؤلاء المسلحون جنسياتها تسلّمهم من قوات “قسد” بسبب المخاطر الأمنية، وسط غياب أي محاولات دولية جادة للتعامل مع هذا الملف الشائك، من قبيل إنشاء محاكم متخصصة لمحاكمتهم. ونفذ سجناء “داعش” خلال السنوات الماضية أكثر من عصيان احتجاجاً على الظروف الصعبة التي يعيشونها في السجون من دون محاكمات. وشنّ التنظيم هجوماً واسع النطاق مطلع عام 2022 على سجن الحسكة، في محاولة لم تنجح لإطلاق سراح السجناء في هذا السجن الذي يضم نحو 100 قاصر. ولطالما استثمرت قوات “قسد” في هذا الملف خلال السنوات الماضية، للحصول على مكاسب سياسية أو لدفع الغرب للضغط أكثر على الجانب التركي للحيلولة من دون قيامه بعمليات عسكرية لتقويض هذه القوات، التي تنظر اليها أنقرة على أنها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني وتشكل خطراً على الأمن التركي القومي. وتدرك قيادة “قسد” أن ملف سجناء “داعش” له الكثير من الأهمية في الدوائر الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، التي تخشى من عودة نشاط التنظيم في سورية، لذا فإن “قسد” تتمسك بسجون “داعش” لمواجهة التحديات، لا سيما إصرار الإدارة الجديدة في دمشق على حل هذه القوات لنفسها والانضمام بشكل فردي إلى الجيش الجديد وتسليم الشمال الشرقي من البلاد.
مقاتل من “قسد” مع جنود أميركيين بالحسكة، مارس الماضي (دليل سليمان/فرانس برس)
تقارير عربية