في ظل التطورات السياسية المتسارعة في سوريا، يبرز خطاب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع كوثيقة أساسية لتقييم مدى توافق المرحلة الانتقالية مع الشرعية الدولية. ويكتسب هذا الخطاب أهمية خاصة بالنظر إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يمثل الإطار القانوني الرئيسي للحل السياسي في سوريا.
من هذا المنطلق، يسعى هذا التحليل إلى استعراض مدى التزام خطاب الرئيس أحمد الشرع بمضامين القرار 2254، ومدى تطابقه مع المعايير الدولية لضمان انتقال سياسي شامل ومستقر في سوريا.
الأساس القانوني لتقييم خطاب الرئيس أحمد الشرع وفق القرار 2254
يعد القرار 2254، الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي في 18 ديسمبر 2015، المرجعية القانونية الرئيسية لتنظيم عملية الانتقال السياسي في سوريا. إذ وضع هذا القرار خارطة طريق واضحة، تضمنت:
1. بدء مفاوضات سياسية بين الأطراف السورية برعاية الأمم المتحدة.
2. تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية.
3. صياغة دستور جديد يضمن حقوق جميع السوريين.
4. إجراء انتخابات ديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهرًا من بدء العملية الانتقالية.
5. وقف إطلاق النار باستثناء العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية.
6. تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية.
7. ضمان عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم بأمان.
الشرعية الثورية وتأثيرها على القرار 2254
بينما ينص القرار 2254 على ضرورة التفاوض بين الأطراف المختلفة، فإن سقوط النظام السابق بفعل إرادة شعبية وشرعية ثورية غيّر طبيعة تطبيقه. فمع ظهور سلطة جديدة تستند إلى الإرادة الشعبية، لم تعد الحاجة إلى المفاوضات السياسية قائمة، وأصبح التركيز منصبًا على تنفيذ بقية بنود القرار، لا سيما تشكيل حكومة انتقالية شاملة وضمان انتقال ديمقراطي وفقًا للمعايير الدولية.
مدى توافق خطاب الرئيس أحمد الشرع مع القرار 2254
في خطابه الأول كرئيس للمرحلة الانتقالية، أكد أحمد الشرع التزامه بمبادئ القرار 2254، حيث طرح رؤية سياسية متكاملة لتحقيق انتقال سياسي سلس ومنظم، يرتكز على:
1. تشكيل حكومة انتقالية شاملة وذات مصداقية
شدد الشرع على أهمية تشكيل مجلس تشريعي مؤقت ، وهو ما يتوافق مع أحكام القرار 2254، الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية تشمل كافة الأطياف السياسية السورية. وأكد أن الحكومة الانتقالية ستكون غير طائفية وشاملة، ما يعكس التزامه بمبدأ الحياد السياسي وضمان التمثيل العادل لجميع المكونات السورية.
2. إعداد دستور جديد
أعلن الشرع عن تشكيل لجنة تحضيرية لصياغة دستور جديد، في خطوة تنسجم مع القرار 2254، الذي يؤكد على ضرورة إعداد إطار دستوري يضمن حقوق جميع السوريين، لا سيما الحقوق السياسية والمدنية للأقليات والمكونات المختلفة.
3. إجراء انتخابات ديمقراطية
تعهد الشرع بإجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة بعد تشكيل المجلس التشريعي المؤقت. ورغم أنه لم يحدد إشراف الأمم المتحدة عليها، إلا أن تأكيده على ضرورة نزاهة الانتخابات يتماشى مع روح القرار 2254، الذي يطالب بإجراء انتخابات حرة خلال 18 شهرًا من بدء العملية الانتقالية.
4. إطلاق حوار وطني شامل
أعلن الشرع عن تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، الذي سيشمل جميع القوى السياسية والاجتماعية، وهو ما يتماشى مع القرار 2254، الذي يدعو إلى إشراك كافة الأطراف السورية في العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة.
5. تفكيك مؤسسات النظام السابق وإعادة بناء الدولة
تطرق الشرع إلى إلغاء دستور 2012 وحل مجلس الشعب والأجهزة الأمنية المرتبطة بالنظام السابق، وهو ما يعكس توجهًا نحو إزالة الهياكل السلطوية السابقة، تمهيدًا لإقامة نظام جديد يعكس تطلعات الشعب السوري، بما ينسجم مع مبادئ القرار 2254.
6. تحقيق السلم الأهلي وتعزيز السيادة الوطنية
أكد الشرع على ضرورة ضمان السلم الأهلي ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري، وهو ما يتماشى مع القرار 2254 الذي ينادي بحماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة. كما شدد على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية كخطوة أساسية لتعزيز السيادة الوطنية، وفقًا للمطالب الدولية بضرورة تحقيق استقرار سياسي مستدام.
التحديات القانونية والاعتراف الدولي؛
-رغم أن خطاب أحمد الشرع يعكس التزامًا واضحًا بالشرعية الدولية، إلا أن هناك تحديات قانونية قد تعيق الاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية، أبرزها:
1. تفويض أحمد الشرع بتعيين المجلس التشريعي الانتقالي
نظرًا لأن المجلس التشريعي لم يتم انتخابه، بل يتم تعيينه من قبل الرئيس الانتقالي بناءا على تفويض من الادارة الجديدة في سوريا ، فقد يواجه صعوبة في تحقيق الاعتراف الدولي الواسع. ومع ذلك، فإن القرار 2254 لم يشترط أن يكون المجلس المنتخب هو الخطوة الأولى، بل شدد فقط على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية شاملة، ما يعني أن تعيين المجلس يمكن اعتباره إجراءً مؤقتًا لحين تنظيم انتخابات حرة ونزيهة مستقبلًا.
2. تنفيذ كافة متطلبات القرار 2254
يبقى الاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية مرهونًا بمدى تنفيذها لكافة بنود القرار 2254، لا سيما إشراك جميع الأطراف السورية في العملية السياسية وضمان تمثيلها العادل.
-الأساس القانوني لتعيين مجلس تشريعي انتقالي
يعد تشكيل مجلس تشريعي انتقالي بقرار رئاسي نقطة قانونية حساسة، إذ لم يفرض القرار 2254 أن يكون المجلس منتخبًا منذ البداية، بل ركز على ضرورة وجود حكومة انتقالية شاملة ذات مصداقية. وبالتالي، يمكن اعتبار هذا التعيين إجراءً انتقاليًا يتماشى مع الواقع السياسي الجديد في سوريا، شريطة ضمان تمثيل كافة الأطياف السورية، تمهيدًا لإجراء انتخابات حرة مستقبلية.
الاستنتاجات والخلاصة؛
تحليل خطاب الرئيس أحمد الشرع يظهر التزامًا واضحًا بالمعايير الدولية والقرار 2254، حيث يدعم تشكيل حكومة انتقالية شاملة، وإعداد دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية، وتعزيز الحوار الوطني، وتحقيق السلم الأهلي. ورغم بعض التحديات القانونية المتعلقة بالاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية، إلا أن الخطوات المعلنة تعزز فرصها في الحصول على الشرعية الدولية والمضي قدمًا في عملية انتقال سياسي مستدام.
بالتالي، يمكن القول إن خطاب الشرع يمثل خطوة مهمة نحو تنفيذ بنود القرار 2254، ويعكس إرادة حقيقية لبناء سوريا جديدة قائمة على أسس العدالة، الشفافية، والتمثيل الشامل لكافة مكونات المجتمع السوري.