.
لم يحسم بعد المستقبل السياسي لشمال سوريا وشرقها، لكن محاولات حثيثة تقوم بها السلطات الجديدة لضم إقليم الحكم الذاتي الكردي إلى البلاد وتسلّم السلاح. وفي جديد القضية، قال الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إن المفاوضات مع “قسد” مستمرّة وأن الأخيرة أبدت “استعدادها للحفاظ على وحدة سوريا وضبط السلاح”، لكن ثمّة خلاف على بعض “الجزئيات”.
في الحقيقة، الواقع أكثر تعقيداً من ذلك، ويمكن تلخيص المشكلات العالقة بين “قسد” والقيادة السورية الجديدة بنقطتين، الأولى مرتبطة بالواقع السياسي والدستوري لمنطقة شمال شرق سوريا، حيث يريد الأكراد نوعاً من اللامركزية، والأخرى مرتبطة بالمشهد العسكري، ويفضّل الأكراد التأنّي قبل تسليم السلاح وانتظار بلورة الدولة الجديدة وسلطاتها.
“قسد”: لا نريد التقسيم
عبسي عمر الطه، المعروف باسمه الحركي “أبو عمر الإدلبي”، قائد قوات الشمال الديموقراطية، وعضو القيادة العامة في “قسد”، تحدّث إلى “النهار” عن الأرضية المشتركة التي اتفق عليها وعن الجزئيات الخلافية، فقال: “نحن متفقون على وحدة سوريا والجيش، لكن ثمّة نقاط إشكالية عالقة، مرتبطة بآليات الوحدة وتوقيتها”.
وفي هذا السياق، يفصّل الطه هذه النقاط، ويقول إن “قسد” التي تضم قرابة 100 ألف مقاتل تؤيد الانضمام ككتلة عسكرية إلى الجيش الجديد، إلى أن يتم إجراء الانتخابات وتشكيل سلطات جديدة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وعندها يفتح باب التطوع فيتم الانتساب إلى الجيش كعناصر. ويسأل: “إلى من نسلّم سلاحنا اليوم؟ إلى هيئة تحرير الشام التي تضم عناصر أجنبية؟ وإلى من تنضم عناصرنا؟ إلى الهيئة؟”.
أما في الشق السياسي، فإن الطه ينفي نيّة التوجّه نحو التقسيم أو طرح الفيديرالية، ويقول إن الاقتراح كان لامركزية موسّعة في كل سوريا، مع اعتماد التقسيم الجغرافي وليس القومي أو المذهبي، وذلك لمنع العودة إلى ظواهر الديكتاتورية. ويؤكّد الرغبة بالمشاركة في الحكومة والعمل مع الإدارة الجديدة، لكنه يطالب بحلحلة نقاط خلافية كعودة النازحين بشكل آمن ووقف الهجمات التركية في مقابل الاستعداد لإخراج حزب العمال الكردستاني.
الاختلافات بين الطرفين
نورهات حسن، الصحافي المقيم في إقليم كردستان في العراق، تحدّث إلى “النهار”، عن الاختلافات، مشيراً إلى أن “قسد تريد لامركزية”، عكس رغبة القيادة الجديدة التي تعتبر أن سوريا “غير جاهزة” لمثل هذه الطروحات، لأن “أطرافاً قد تفكّر في الانفصال”، إضافة إلى ضمانات وقف التهديد التركي وإعادة الأكراد المدنيين الذي هجّروا من ريف حلب.
أما في الشق العسكري، فإن الأكراد “لا يثقون بالقيادة السورية الجديدة”، و”قسد” تعتبر تنصيب الشرع رئيساً “غير شرعي” كونه “تم من جانب واحد من دون مراجعة الأطراف الأخرى” وفق حسن. مع العلم أن “قسد” قاطعت اجتماعات الفصائل، وتريد آلية محدّدة للانضمام إلى وزارة الدفاع وإطاراً محدّداً لقواتها في الجيش السوري الجديد.
ويتطرّق الصحافي الكردي إلى تفصيل أزمة انضمام الأكراد إلى الجيش السوري، فيشير إلى أن الحكومة تريد انخراط العناصر على مستوى أفراد، فيما “قسد” تريد الانضمام “كتلة واحدة، وتشكيل ألوية خاصة بها ومنحها هامشاً معيناً في وزارة الدفاع، إضافة إلى تأدية أدوار قيادية”، والمفاوضات الحالية تشمل البحث في هذه النقاط التي لا تؤيدها القيادة السورية الجديدة وتعتبرها أشكالاً من الحكم الذاتي أو الانفصال.
لا يغيب الخطر التركي عن الأكراد، ويستشهدون بالمعارك المستمرّة بين “قسد” والفصائل المسلّحة القرّيبة من تركيا في الشمال، والضربات التركية الدورية على شمال شرق سوريا، لتبرير مطلبهم الاحتفاظ بالسلاح، وضمنياً، يفضّلون انتظار ما ستؤول إليه المرحلة السياسية الانتقالية التي قد تمتد لسنوات وفق ما يقول الشرع، لتحديد ملامح الدولة السورية الجديدة وتقرير مصيرهم.
في المحصّلة، فإن الموقف الكردي ليس يتيماً، ويتماهى مع الموقف الدرزي في السويداء الذي يفضّل جلاء المشهدية المستقبلية لسوريا قبل تسليم السلاح، وبالتالي فإن القيادة الجديدة تتشارك مع هذه الفصائل مسؤولية ترسيخ سلطة الدولة ومبدأ المواطنة لتشجيعهم على الانضمام إليها.