لا تختصر عبارة رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب القسم، “اليوم تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ لبنان”، النهج الإصلاحي الذي يسعى لتكريسه في العهد الجديد، بما يتلاقى مع تغيرات في الداخل والمنطقة. فمجرد انتخاب رئيس يتحدر من الجنوب، للمرة الأولى منذ انشاء لبنان الكبير، يعكس تبدلاً في شكل الحكم في لبنان المعروف بأنه حكم مركزي، وصل الى رئاسة الجمهورية رؤساء من المركز (بيروت وجبل لبنان) وامتداداته في زحلة وزغرتا، ولم يصل من الأطراف أي مرشح لرئاسة الجمهورية.
يمثل عون، أول وجه مسيحي ماروني جنوبي في تاريخ لبنان يصل إلى رئاسة الجمهورية. وهذا يحمل رمزية كبيرة بالنسبة للبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً. قد يكون الوضع المشتعل في الجنوب، دافعاً مهماً لايصال الرئيس عون، الى جانب ميزات أخرى، كشخصية قيادية ووسطية وخبيرة في التعامل مع التعقيدات الداخلية والدولية، ساهمت في إيصاله.
التحرير في مستهل الإصلاح
ويقرأ الوزير الأسبق كريم بقرادوني، وهو مؤرخ ووزير سابق، وشغل منصب مستشار لأكثر من رئيس سابقاً، في هذه المتغيرات في انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ويقول لـ”المدن” إنه “خلال أشهر، سيكون الجنوب تحت سيطرة الجيش اللبناني، وهذا يعود بفضل عون، فالرجل من الجنوب ويعرف حساسيات المنطقة ويسعى لمعالجتها بهدوء”.
هذا الواقع، واكبه عون ومهد له منذ كان في قيادة الجيش. يقول: “للمرة الأولى نرى تقدماً وانتشاراً للجيش اللبناني في الجنوب من دون أن يتلقى ردود أفعال تدفعه إلى التراجع. والأهم أن الجيش يدخل بدعم واضح من اللبنانيين”. ويعتقد بقرادوني أن المشروع الإصلاحي يبدأ من المشروع التحريري.
العوامل الداخلية لوصوله
لم تكن هذه المرة الأولى التي يكون فيها عون شاهداً على تحرير أرضٍ من الاحتلال، فقد برز دوره بشكل كبير في جرود رأس بعلبك والقاع عندما أطلق الجيش اللبناني معركة “فجر الجرود” في العام 2017 ضد التنظيمات الإرهابية مثل “داعش”، وحقق انتصاراً باستعادة الأرض والانتشار على الحدود.
ويعبّر بقرادوني عن تفاؤله بالرئيس عون والإصلاحات التي سيقوم بها لتحسين الأوضاع الراهنة في البلاد. ويضيف: “عندما ينجح عون في الجنوب بشكل كامل، سيكون الطريق مفتوحاً أمامه للنجاح على صعيد لبنان”.
أمرة الجيش.. والجمهورية
ووفقاً لبقرادوني، فإن “أمرة الجيش تختلف عن أمرة الجمهورية”. فقد أثبت عون أن الجيش هي مؤسسة رسمية ونظيفة، وكما نجح في قيادة الجيش، فإن الناس يأملون أن ينجح في إدارة البلاد. ووجوده كرئيس جمهورية يطرح شرطين: الأول هو تشكيل حكومة، والثاني هو وضع إصلاحات، لكي تتمكن البلاد من الحصول على المساعدات. ويضيف بقرادوني أن وجود عون يعني أن البلد قادر على التحرك في إطار الديمقراطية وليس عن طريق الانقلاب”.
متغيرات في وضعية “حزب الله”
أسفرت الحرب الأخيرة على لبنان عن تغيرات في وضعية “حزب الله” العسكرية، بعد اغتيال قادته. يقول بقرادوني إن “اغتيال قادة الحزب قد أضعف قوته، فالحزب يحتاج الآن إلى الدولة اللبنانية، وليس العكس. وتعتبر هذه المعادلة جديدة، خصوصاً أن الثنائي الشيعي يسعى في الوقت الحالي لتحقيق حقائب وزارية بعد أن كان يشكل دولته المستقلة إلى جانب الدولة اللبنانية”.
الشهابية في العهد الجديد
ويشبه بقرادوني عهد عون بعهد الرئيس وقائد الجيش الأسبق فؤاد شهاب، الذي تولى الحكم في العام 1958 باتفاق أميركي – مصري، وباعتباره رجل إصلاحي، وإن كان قد شغل منصباً أمنياً سابقاً.
يقول بقرادوني: “عون وشهاب يتشابهان في المعرفة الدقيقة بتأثيرات الوضع العربي المحيط وتداعياته على لبنان”. ويؤكد ذلك من خلال تسليطه الضوء على التنوع في الزيارات والاستقبالات التي يقوم بها الرئيس الحالي مع معظم القوى المحلية والاقليمية والدول الكبرى، لا سيما “المجموعة الخماسية”، وبصورة خاصة الأميركيين والفرنسيين.
التاريخ يعيد نفسه
“وإن التاريخ يعيد نفسه”.. يقول بقرادوني، إذ بعد الزلزال الذي وقع في العام 1956 ودمّر بلدات في جبل لبنان، عملت الدولة اللبنانية على إعادة الإعمار في عهد الرئيس كميل شمعون. وبالتالي، “اليوم يجب على الدولة أن تعيد إعمار ما دمره العدو الإسرائيلي في الجنوب، ليصبح المواطن أهلاً لها وليس تابعاً لجهات أخرى”، وفقاً لبقرادوني.
ومن ناحية الإنفاق، يضيف بقرادوني أن عون يسعى إلى تحصيل تمويل خارجي للجنوب تحديداً، إذ أن “الجنوب هو مفتاح المستقبل واستقرار لبنان من استقرار الجنوب، وفي لبنان، يوجد مشروع تحرير، ومشروع توحيد، ومشروع تجديد، هذه هي الثلاثة، المشاريع التي تصنع التغيير الكبير، لنرى إن نجح عهد جوزاف عون أم لم ينجح”.
وفي حديثٍ سابق لـ “المدن” مع الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، ذكر أن خسائر الحرب تحتاج كحد أدنى إلى 11 مليار و200 مليون دولار لإعادة الإعمار، إن توفر التمويل. وبالتالي، فإن عون يقود تأمين هذا التمويل من خلال علاقاته الخارجية.
هنا، يشير بقرادوني إلى أنه ” سابقاً كنا نقول إن أمن لبنان من أمن الجنوب، واليوم نقول العكس، أمن الجنوب من أمن لبنان”. والمعنى أن لبنان اليوم سوف يعمر الجنوب من خلال الأموال الخارجية لكن الإدارة ستكون لبنانية، و”بذلك أنا مع التمويل الداخلي”، مستكملاً أنه بقدر ما ينجح عون في هذا الموضوع الداخلي، بقدر ما يكون كميل شمعون الثاني.