تستعد غزّة لإتمام المرحلة الأولى من الهدنة وإطلاق المرحلة الثانية، وهي أكثر تعقيداً مقارنة بسابقتها، كونها تشمل انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القطاع وإطلاق سراح الأسرى الأحياء مقابل الإفراج عن عدد كبير من السجناء الفلسطينيين، ومن المفترض أن تبدأ المرحلة الثانية بعد انتهاء الأولى التي تمتد 42 يوماً، ورغم تعقيداتها، تبقى أقل صعوبة من المرحلة الثالثة.
تنخرط كل من إسرائيل و”حماس” بمناقشات حول هذه المرحلة، وإذ بدأ حديث إسرائيلي – أميركي بهذا الشأن على مستوى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، فقد أعلنت بالمقابل الحركة الفلسطينية بدء محادثات، وبالتالي فإن الأنظار ستتجه إلى المرحلة الثانية خصوصاً بعدما استجدّ طرح تحويل غزّة إلى “ريفييرا”.
فراس ياغي، الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني يتحدّث عن المفاوضات وحظوظ نجاحها، ويشير إلى ربط نتنياهو استعداده بالانسحاب من غزّة وإنهاء الحرب بإنهاء “حماس” ونفي قادتها إلى الخارج، وهي أفكار من شأنها “عرقلة استمرار المرحلة الأولى وإفشال المرحلة الثانية”. لكن برأيه، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي “لا يريد اتخاذ موقف صريح قبل العودة من واشنطن ولقاء وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش”، كون استمرار الأخير في الحكومة غير مؤكّد.
لكن ياغي وفي حديثه لـ”النهار” لا يبدي تخوفاً كبيراً من فشل مفاوضات المرحلة الثانية بسبب سموتريتش أو نتنياهو، كون في جعبة الأخير مغريات لسموترتيش، كـ”تهجير سكّان غزّة وضم الضفة الغربية”، والأهم “توافر جدّية أميركية لإنهاء الحرب وتعهّد الولايات المتحدة باستمرار الهدوء ووقف إطلاق النار توازياً مع استمرار المفاوضات، وإسرائيل لن تعارض الرغبة الأميركية”.
لكن ثمّة مخاوف من إفشال طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهجير سكّان غزّة وتحويل القطاع إلى “ريفييرا” الشرق الأوسط، وهو ما وافق عليه نتنياهو، المفاوضات وتطيير الصفقة ومراحلها، خصوصاً وأنّها تتزامن مع أفكار تراود نتنياهو عن نفي قادة “حماس” إلى خارج القطاع، وهي اتجاهات متطرفة قد ترفضها “حماس” فيتعرقل مسار وقف الحرب.
مصير القطاع لجهة الحكم السياسي وإعادة الإعمار مرهون بالمرحلة الثالثة، لكن الصفقة تنص على ربط مفاوضات المرحلتين الثانية والثالثة، ووفق ما يشير ياغي، فإنّه “من المفروض أن يتم التوافق على المرحلة الثالثة خلال مفاوضات المرحلة الثانية، والتحضير للثالثة خلال تنفيذ الثانية، وبالتالي فإن طروحات ترامب ونتنياهو غير مفصولة عن المفاوضات.
إذاً، فإن الألغام التي ستعقّد المفاوضات موجودة في قضية مستقبل قطاع غزّة، والأسئلة التالية، هل سيستمر ترامب ومعه نتنياهو في طرح تهجير الغزّيين من القطاع وتنفيذ استثمارات ضخمة في غزّة وتحويلها إلى “ريفييرا”؟ “حماس” ترفض خطّة ترامب، وفي وقت سابق، قال وليد كيلاني، مسؤول الإعلام في “حماس” في لبنان، لـ”النهار” إن “الحركة ستواجه هذا الطرح”. لكن من غير المعلوم مدى قدرتها على العودة للحرب ومواجهته عسكرياً ورفض انسحاب القادة من غزّة.
يتفق عدد من المتابعين على استحالة تنفيذ مشروع “ريفيير” الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، يقول رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى إن الخطة “غير قابلة للتنفيذ”، مقترحاً الاستثمار السياحي في شواطئ مصر، فيما قال وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق نبيل عمرو لـ”النهار” إن ترامب قد يتراجع عن “ارتجاله”، خصوصاً وأن القادة العرب الذين سيلتقيهم قد يعرضون حلولاً.
بالعودة إلى المرحلة الثانية، فإن ثمّة بنداً يتحدّث عن انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزّة، وهي خطوة بدأها الجيش مع انسحابه من محور نتساريم الذي يقسم غزّة بين شمالها وجنوبها، وبتقدير ياغي، فإن الجيش سينسحب ولا مشكلة بهذه النقطة، كون الحرب انتهت ولا هدف باحتلال قطاع غزّة والبقاء فيه، وبتقديره، فإن إسرائيل قد تنتقل لأسلوب حرب جديد يقوم على الاغتيالات.
في المحصلة، فإن مفاوضات المرحلة الثانية لن تخلو من التعقيد والصعوبات، لكن ما دام الإرادة الدولية متوافرة لإنجازها، وبشكل خاص الإرادة الأميركية، فإن العقد قد تذلّل بتنازلات من الجهتين، لكن تبقى الأنظار على طرح “ريفييرا” وأفقه وتداعياته على هدنة غزّة.