تتخذ البلدان دائمة العضوية في مجلس الأمن مواقفها على أساس مصالحها وتقود العالم نحو حروب واشتباكات متعددة

اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط والحرب بين إسرائيل و”حماس” (أ ف ب)

عندما تأسست الامم المتحدة  للحيلولة دون وقوع حروب وحل المشكلات الدولية من خلال إقرار السلام والاستقرار العالميين كان العالم قد انتهى من حربين عالميتين تسببتا في دمار كبير، لذلك كانت الحاجة إلى تأسيسها.

أشرفت البلدان المنتصرة في االحرب العالمية الثانية على صياغة ميثاق الأمم المتحدة، ومنحت البلدان الخمسة حق الفيتو بصفتها مشرفة على إقرار السلام، وأصبحت تسمى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، واعترفت بحقها في اتخاذ القرار المطلق فيما يتعلق بالقضايا الكبيرة.

ووقعت 50 دولة على ميثاق الأمم المتحدة، وأعلنت موافقتها على تأسيس هذه المنظمة في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1945.

وخلال الـ78 سنة الماضية شهد العالم حروباً كثيرة، لكن لحسن الحظ لم تتحول أي منها إلى حرب عالمية ثالثة، ولعبت الأمم المتحدة دوراً رادعاً في منع نشوب مثل هذه الحرب، لكن في كثير من الحالات لم تستطع منع اشتباكات مختلفة، أو الوصول إلى سلام دائم.

هذه المقدمة حول تأسيس الأمم المتحدة ترد للنظر في الوضع الحالي للعالم وخيارات الأمم المتحدة وصلاحياتها التي أقرت قبل عقود، إذ أصبحت قديمة، وتواجه هذه المؤسسة فشلاً في تلبية احتياجات ومتطلبات الوقت الحالي.

ولا تعمل البلدان التي لها حق الفيتو (نقض القرارات بشكل مطلق) على استتباب الأمن والسلام العالميين لأنها تصوت في مجلس الأمن الدولي على أساس مصالحها.

في الواقع مثل هذا الاستغلال لحق النقض يقود العالم إلى مزيد من الحروب الكبيرة. وهذا الرأي يأخذ بعين الاعتبار عدم الاكتراث بأصوات باقي الأعضاء، وعددها 193 عضواً في الجمعية العامة، حيث لا يؤثر رأيها في قبول أو رفض القرارات الدولية، أي إن البلدان الخمسة لا تقيم وزناً لوجود باقي أعضاء الأمم المتحدة وتنفرد بقرارتها بصفتها أعضاء دائمة في مجلس الأمن الدولي.

وقبل أن أتطرق إلى الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، أي الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” الإرهابية في غزة ألفت نظر القراء إلى حرب أوكرانيا وروسيا، حيث كان من البداية واضحاً أن روسيا تستخدم حق النقض بالنسبة إلى محاولة إدانتها في مجلس الأمن الدولي، لذلك استخدمت حق الفيتو لمنع إقرار جميع القرارات المقترحة لوقف إطلاق النار، أو إدانة هجومها على أوكرانيا.

الأوروبيون والأميركيون، وهم من الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن الدولي، لا يمكنهم لعب دور الوسيط في حل أزمة حرب أوكرانيا لأنهم اتخذوا مواقف مناصرة لها وزودوها السلاح والعتاد الحربي من أجل مواجهة الهجوم الروسي، لذلك تستمر الحرب الأوكرانية بقوة، واستعراض القوة بين الدول الغربية والشرقية يهدد المجتمع الدولي، ومن شأن هذا التهديد التمهيد لحرب نووية بين القوى الكبرى قد تدمر نصف الكرة الأرضية، أو جميعها.

الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وهو حليف لبوتين، يقول إن الحرب الأوكرانية – الروسية وصلت إلى مأزق، ويجب أن يتفاوض الجانبان لإنهاء الحرب، أي إنه يعتقد أن الأمم المتحدة لا يمكنها حل الأزمة بسبب مواقف كل من أعضاء مجلس الأمن الدولي في شأن الحرب، وعلى الجانبين خوض مفاوضات مباشرة لإنهاء الحرب.

الأزمة الحالية في الشرق الأوسط بدأت بعد هجوم “حماس” على إسرائيل في أكتوبر، لكن تداعيات هذه الأزمة الإنسانية والأخلاقية قد تتسبب في حرب تجر باقي بلدان المنطقة إلى المواجهة.

ما يتسبب في دمار منازل أهل غزة ويهدد أرواح الرهائن هو عدم وجود مؤسسة دولية تعمل كوسيط لإنهاء الأزمة بشكل سريع وإقرار الأمن والسلام الدولي. وتدعم البلدان الثلاثة القوية، أي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، وباقي البلدان الغربية الكبيرة، أي ألمانيا وإيطاليا، إسرائيل في الحرب القائمة، أي إن هذه البلدان أصبحت طرفاً في الحرب، وقد أغلقت الأبواب أمام الوساطة وحل الأزمة على أساس مواقف الحياد.

الهدف من هذا المقال بحث عمل الأمم المتحدة، وليس سياسات الدول المستقلة، بل أسباب عجز مجلس الأمن الدولي، لأنه أصبح “طرفاً رئيساً” في عديد من الحروب والاشتباكات المعاصرة الكبيرة.

عندما زار رئيس وزراء بريطانيا إسرائيل لإعلان التضامن معها حمل معه في الرحلة صواريخ حربية للاستفادة في الهجوم على غزة. هذه الخطوة غير المسبوقة رسالتها للعالم العربي والإسلامي بوضوح هي أن بريطانيا تدعم الحرب.

وعندما وصل وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن إلى إسرائيل قال إنه قدم إليها بصفته يهودياً في حين أنه يمثل 300 مليون أميركي من أعراق ومذاهب وأقوام مختلفة. هذه الكلمات ظلت مترسخة في أذهان البلدان الإسلامية المتأثرة بالحرب، وأثارت مشاعر دينية لدى الشعوب المختلفة، وهذا الموقف يوحي إلى الأميركيين، وهم من مذاهب مختلفة أن الحرب بين إسرائيل و”حماس” دينية.

ومن نتائج مثل هذه المواقف التي يتخذها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي إثارة الخلافات وتوسيع الاشتباكات، لذلك فقدت الأمم المتحدة قدرتها على إقرار الأمن والسلام العالميين، حيث إن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن منهمكون في حرب ضد بعضهم بعضاً في أوكرانيا، أو يعملون على إثارة الاشتباكات والكراهية بين البلدان المختلفة من خلال أدائهم.

مواقف عدم الحياد لأعضاء مجلس الأمن الدولي وأداؤها الذي يضع مصالحها وحلفاءها في المقدمة يضعان العالم أمام أكبر حرب ومواجهة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.

ما البلد أو المؤسسة التي يمكن أن تؤدي أدواراً في السلام العالمي؟

السعودية بصفتها أكبر بلد إسلامي ووجود الحرمين الشريفين للمسلمين، لها مكانة واحترام خاصان، وبإمكانها أن تمثل المنطقة كوسيط لحل الأزمة. العلاقات الجيدة بين السعودية ودول المنطقة، وكذلك الصين، وهي من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والبلد الوحيد الذي لم يقف إلى جانب أي من أطراف الأزمة، تبدو أنها تشكل تركيبة مناسبة من شأنها أن تأخذ على عاتقها أدواراً لحل الأزمة.

كانت الصين، وبسبب علاقاتها مع السعودية وإيران، قد نجحت في فك عقدة التوتر الذي استمر سبع سنوات بين البلدين، وقد تستطيع بسبب علاقاتها بين الغرب والشرق ووزنها العالمي وقف الحرب في الشرق الأوسط بالتعاون مع السعودية.

الحرب الأوكرانية – الروسية تشكل أيضاً خطراً من شأنه أن يمهد لاصطدام بين القوتين النوويتين، أي الولايات المتحدة وروسيا. وكان جو بايدن قد أعلن في افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة ضرورة إيجاد تغييرات في مجلس الأمن الدولي، وكان يقصد طرد روسيا من هذا المجلس، وسلب حق الفيتو منها.

ما قاله بايدن يمثل خطراً أكبر من الحربين القائمتين ويهدد الأمن والسلام العالميين. طرد روسيا من مجلس الأمن الدولي يعني نشوب حرب عالمية ثالثة. على هذا الأساس تحولت الأمم المتحدة التي تأسست من أجل العدالة والمساواة والحفاظ على حقوق الشعوب إلى مكان للمواقف المتناقضة التي تتسبب في مزيد من الاشتباكات.

يبدو أن الإصلاحات الأساسية أصبحت ضرورة ملحة في الأمم المتحدة لاستمرار السلام والاستقرار العالميين. اتخاذ القرارات من قبل جميع أعضاء الأمم المتحدة، دون انتهاك حقوق الآخرين، ووضع معايير مزدوجة من شأنها أن تضمن استمرار بقاء الإنسان والحضارات، وتمنح البلدان الصغيرة والكبيرة في العالم مكانة متساوية.

في مثل هذه الحالة تصبح التحالفات من أجل تشكيل غالبية عملاً أخلاقياً ومبرراً، لكن أداء الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في الوقت الحالي لا يمكن الدفاع عنه.
نأمل في أن تنبثق من الأزمات الكبيرة الحالية مؤسسة شاملة على أساس مطالب الشعوب في القرن الـ21 لتحل محل مؤسسة الأمم المتحدة التي تشكلت على أساس ميثاق أقر قبل 78 سنة عام 1945.