يدور صراع من الصعود والانحدار والإبطاء بين واشنطن وبكين

اميركا قلقة ومتوترة وهي على قمة العالم، والصين هادئة مرتاحة مع الوصول إلى القمة والتصرف كأنها لا تزال من دول “الجنوب العالمي”.

 كل التحذيرات في أميركا نفسها من “فخ ثيوسيديدس” لم تنفع مع إدارات باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن

وكل القراءات في حرب أثينا القوة المكرسة على إسبارطة القوة الصاعدة بقيت دروسها نظرية في الصراع بين الكبار، من أميركا والاتحاد السوفياتي على رغم مراحل “الوفاق الدولي” بينهما، إلى أميركا والصين وروسيا اليوم على رغم “الاعتماد المتبادل” بينها. وحين قام الرئيس ريتشارد نيكسون بزيارة تاريخية للصين وأقام علاقات معها وعقد اتفاقاً مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، دب القلق في الكرملين وزعيمه ليونيد بريجنيف.

يروي سي. إل سولزبيرغر في كتاب “العالم وريتشارد نيكسون” أن الرئيس الأميركي الراحل قال له، “بريجنيف طرح عليّ في كامب ديفيد وفي منزلي الصيفي في كاليفورنيا فكرة الكوندومنيوم السوفياتي- الأميركي للعالم وصفقة لحل أزمة الشرق الأوسط. وفي 1973 قال لي، ’الصينيون محبون للدماء وعلينا نحن الأوروبيين أن نتحد للسيطرة عليهم لأنهم سيصبحون قوة عظمى في المستقبل‘”، لكن نيكسون لم يتجاوب مع الفكرة.

الصين اليوم قوة عظمى اقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً وعسكرياً، لكنها تلعب مع الجميع، فالرئيس شي جينبينغ التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 42 مرة وأقام معه “شراكة بلا حدود” زادت من مخاوف أميركا، وما أخافها أكثر هو مشروع “الحزام والطريق” الذي رصدت له بكين نحو تريليون دولار وأقامت بنى تحتية في 140 بلداً في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

 

وكل الدعاية الأميركية حول “فخ الديون الصينية” لم تنجح في إضعاف المشروع، ولا أحد يعرف متى وكيف سيتم تنفيذ الطريق الآخر الذي هندسته أميركا مع الهند والمفترض أنه سيمتد من الهند إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط وبالذات عبر مرفأ حيفا، بما أثار الهواجس حول دور قناة السويس.

ولم تكن القمة الأخيرة في سان فرانسيسكو بين بايدن وشي على هامش قمة “أبيك” هي الأولى بينهما، لكن الأهداف كانت متواضعة وأبرزها معاودة الاتصالات العسكرية بين البلدين بعد انقطاع، ذلك أن عنوان اللعبة هو “إدارة التنافس” وليس التخلي عنه، فبايدن قال “نريد التأكد من عدم تحول المنافسة إلى نزاع”، وشي قال “لا يمكن أن تدير دولتان كبيرتان مثل الولايات المتحدة والصين كل منهما ظهرها للأخرى. النزاع والمواجهة لهما عواقب لا نطاق، والعلاقات بين بلدينا هي الأهم في العالم”، لا بل زاد بالقول لتطمين بايدن إن “الصين لا تسعى إلى تجاوز الولايات المتحدة أو إزاحتها، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى قمع الصين واحتوائها، فالكرة الأرضية كبيرة وتتسع للجميع”.

وإذا كان بايدن كرر الالتزام الأميركي منذ أيام نيكسون حول سياسة “صين واحدة”، فإن شي أوحى أنه تعهد باستعادة تايوان بالتفاوض لا بالحرب، لكن تايوان هي العامل المهم جداً في التوتر السائد في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.

 وما يزعج أميركا التي تسعى إلى الاستئثار بكل شيء هو أن دول شرق آسيا، جيران الصين، تمارس ما تسميه “خيار اللاخيار”، أي لا مع أميركا ضد الصين، ولا مع الصين ضد أميركا، بل استمرار للتجارة والعلاقات مع البلدين.
والتوازن سهل نظرياً، إذ قال مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، جيك سوليفان في مقالة نشرتها “فورين أفيرز” في عددها الأخير إن “التنافس مع الصين كوني. لكنه ليس لعبة صفرية. فنحن والصين في اعتماد متبادل اقتصادياً، وعلنياً إدارة التنافس”، ولا أحد يجهل صعوبة الأمر عملياً.

بايدن يخرج من اجتماعه مع شي ليقول عنه إنه “ديكتاتور”، وشي “اللطيف” يقيم، كما تقول صحيفة “وول ستريت جورنال”، نوعاً من “جدار الصين” تحت الماء من خلال مجموعة غواصات نووية متقدمة على الغواصات الأميركية.
والانطباع السائد لدى الخبراء هو أن الصين تريد إبطاء الانحدار الأميركي، وأميركا تريد إبطاء الصعود الصيني، وكلاهما قدر في النهاية، لكن الانحدار نسبي والصعود نسبي.