بمنتهى الوضوح، أشارت السلطات الفرنسية إلى أن الطابع السياسي، سيغلب على المؤتمر الدولي حول سوريا، الذي تستضيفه باريس يوم الخميس 13 شباط/ فبراير، فما المنتظر من مؤتمر باريس لدعم سوريا؟
الإعلان عن مؤتمر باريس لدعم سوريا أتى في سياق بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية في 15 كانون الثاني/ يناير، تناول فحوى اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. الجانبان شددا خلال الاتصال على “التزامهما بدعم الانتقال السياسي العادل والشامل، الذي يحترم حقوق جميع السوريين”، ليضيف البيان “وأكد رئيس الجمهورية أن المؤتمر المقبل حول هذه المسألة، سينعقد في باريس في 13 شباط/ فبراير المقبل”.
بيان الإليزيه لم يتطرّق إلى المنح والقروض والتعهدات المالية الخاصة بإعادة إعمار سوريا، ما يعني تركيز المؤتمر على عملية الانتقال السياسي، وما تنطوي عليه من تحدّيات أمنية وسياسية.
الاتصال بين ماكرون والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع أتى في السياق ذاته، بعدما اكتفى الرئيس الفرنسي بالتعبير عن تمنياته “أن يستجيب المسار الذي أطلقته السلطات المؤقتة إلى تطلّعات الشعب السوري”، كما تناول البيان ضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهاب، مؤكداً “ولاء فرنسا للقوى الديمقراطية السورية”، واستعدادها لمواكبة المسار الانتقالي السوري تحت هذه العناوين.
في حديث إلى موقع “درج”، أشار الباحث المتخصص في الجغرافيا السياسية دافيد ريغوليه – روز إلى أن تنظيم هذا المؤتمر يعكس “الاعتراف الدولي بالواقع السياسي الجديد في سوريا منذ سقوط نظام الأسد”.
الدعم “كي تنهض سوريا”
واستناداً إلى ما أُعلن حتى الساعة، تشير الصحافية في جريدة “ليبراسيون” هالة قضماني، إلى أن الغاية من المؤتمر هي توفير الدعم “كي تنهض سوريا”، كما المراهنة على إرساء “نظام منفتح”. وتقول قضماني في حديثها ل”درج”: “الموضوع الأساسي الذي بالإمكان التطرّق إليه خلال انعقاد المؤتمر، هو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، لا سيما على صعيد قطاعي الطاقة والمعاملات المالية، فالنيات موجودة، لكن ما من شيء ملموس حتى الساعة”.
يتّفق دافيد ريغوليه – روز مع ما أدلت به قضماني: “ما يمكن انتظاره من المؤتمر، هو الرفع المحتمل للعقوبات، تمهيداً لانطلاق مسار إعادة إعمار هذا البلد المدمر”. ريغوليه – روز، وهو صاحب كتب ودراسات تناولت إشكاليات منطقة الشرق الأوسط، أوضح لموقع “درج” أن “الأهم من التساؤل حول رفع العقوبات من عدمها، هو معرفة هل ستكون مشروطة و/أو خاضعة لجدول زمني ما”.
سفير فرنسا السابق في سوريا ميشال دوكلو أكّد بدوره أن “التوصل إلى آلية لرفع العقوبات”، تندرج ضمن التحدّيات التي سيتعين على المؤتمر بحثها، إذ تعيق العقوبات المذكورة تدفّق الاستثمارات، نظراً للقيود المفروضة على القطاع المصرفي، وقال لموقع “درج”: “التوصل إلى نتائج عملية على هذا الصعيد، رهن بموقف الولايات المتحدة الأميركية”.
برأي دوكلو، يواجه المؤتمر تحدّيين إضافيين: الأول هو تأكيد منهجية التفاهم القائمة بين القوى الإقليمية المؤثرة في المشهد السوري، لا سيما تركيا والدول الخليجية: “حتى الساعة لم تلعب أي من هذه القوى دوراً سلبياً على غرار ما جرى في السودان أو ليبيا، حين ساندت أطراف خارجية عدداً من المجموعات المسلّحة، مما أجّج النزاعات الداخلية المسلّحة. وعليه يُفترض تكريس آلية العمل المشتركة تلك، خلال المؤتمر”.
أما التحدّي الأخير، بحسب دوكلو، فيتلخّص في الحوار مع السلطات السورية المؤقتة، للحصول على ضمانات تتعلّق بالمرحلة الانتقالية، فموقف أحمد الشرع ما يزال مبهماً، حيال معالم تلك المرحلة أو جدولها الزمني. نقطة تناولتها قضماني، إذ وجدت في تدفّق الوفود إلى سوريا دليلاً على تفاهم دولي بمنح أحمد الشرع “ثقة مشروطة”.
انعقاد المؤتمر في باريس، يطرح بدوره تساؤلاً حول موقع الدبلوماسية الفرنسية ودورها في المشهد السوري المستجد.
قضماني أوضحت أن الرئيس الفرنسي يهوى استضافة هذا النوع من المؤتمرات، التي تعكس مكانة فرنسا القادرة على حشد الجهود الدولية لحل الأزمات. وإلى جانب تصدّرها المشهد، تسعى فرنسا إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً.
اتصالات بين ماكرون والشرع
“سعي فرنسا إلى تأكيد دورها في سوريا والمنطقة”، تجسّد أيضاً في الاتصال الهاتفي بين إيمانويل ماكرون وأحمد الشرع، ليصبح أول رئيس غربي يتواصل مباشرة مع الشرع، رغم علامات الاستفهام المطروحة حيال ماضي الرجل، بحسب دافيد ريغوليه – روز. بالمقابل توقّف الباحث الفرنسي عند تعامل باريس الحذر مع هكذا شخصية، حذر مردّه إلى “الرغبة في تجنّب الإيحاء بشرعنته، فالتساؤلات حيال نواياه الفعلية وحقيقة تحوّله الأيديولوجي ما تزال قائمة”.
في هذا الإطار يُذَكِّر ميشال دوكلو، الذي يشغل حالياً منصب المستشار الخاص في معهد مونتين، أن بلاده لم تسعَ إلى تطبيع علاقاتها مع نظام بشار الأسد، مما ترك أثراً إيجابياً في نفوس السوريين، بالرغم من تحفّظهم على “التلكؤ الغربي في التصدّي للنظام الساقط”. بالتالي “تصدّر تركيا والسعودية للمشهد السوري لن يطيح بالحضور الفرنسي، فالسوريون يثقون بالخبرات الفرنسية، ما يؤهلهم إلى حجز موقع في عدد من القطاعات”.
برأي قضماني، العلاقات الجيدة التي تربط فرنسا بدول الخليج الداعمة للشرع من جهة، وعدم وجود تعارض مع الجانب التركي من جهة أخرى، سيساعد باريس على أداء دور في سوريا، خاصة مع وجود رغبة غربية – أوروبية بالتأثير في المشهد السوري إلى جانب التأثير العربي الإسلامي، ما قد يساهم في الدفع باتجاه مسارات سياسية أكثر انفتاحاً.
لكن وفي ظل التحوّلات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يرفع دوكلو شعاري “التواضع والواقعية”. برأيه من الطبيعي أن ينصبّ الاهتمام الفرنسي على سوريا ولبنان: “صحيح أن الدبلوماسية الفرنسية هي لاعب من ضمن آخرين، لكن بوسع باريس أن تكون حاضرة في هاتين الدولتين أكثر من الملف الفلسطيني- الإسرائيلي مثلاً”، وفقاً لدوكلو. وعلى مبدأ المقارنة، اعتبر السفير الفرنسي السابق أن “أهمية سوريا ولبنان بالنسبة إلى فرنسا تتخطّى أهميتهما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ما يفسّر الاندفاعة الفرنسية”، ليختم حديثه إلى “درج” بالقول: “حتى تتمكن فرنسا من حجز موقع لها، عليها التخلّص من خرافة تراجع نفوذها في تلك المنطقة”.
رأي لا يؤيده دافيد ريغوليه – روز، الذي بدا أقل تفاؤلاً حيال حجم الدور الذي يمكن لفرنسا أن تلعبه “فرنسا تواجه صعوبة الاعتراف بأنها لم تعد تلك القوة العظمى التي كانت عليها في بلاد الشام”، مضيفاً “فرنسا أضحت قوة متوسطة الحجم بإمكانات محدودة”.