يستعدّ العراق لإجراء انتخاباته النيابية نهاية العام الحالي، وسط صراع محموم بين قطبين يدعم أحدهما عملية انتخابية بلا أجنحة مسلحة، ويتمسك الآخر ببندقيته “الجهادية”.
وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني ترأس نهاية شهر كانون الثاني (يناير) اجتماعاً لمجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أكد فيه استعداد حكومته لدعم عمل المفوضية بكل الإمكانات المتاحة لضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
السلاح “الجهاديّ” غير مشمول؟
ويصف عضو مجلس النواب العراقي النائب ثائر الجبوري الحديث عن إبعاد الأحزاب السياسية ذات الأجنحة المسلحة عن الانتخابات المقبلة بأنّه “شائك”. ويقول لـ “النهار” إنّ جميع الأحزاب “تقريباً” لديها فصائل وألوية مسلّحة، معتبراً أنّ انضواء تلك الفصائل تحت مظلة الحشد الشعبي، يسمح لها بالمشاركة الانتخابية.
ووفقاً لرئيس الإدارة الانتخابية القاضي عامر الحسيني، فإنّ مشاركة الأحزاب السياسية التي لديها أجنحة مسلحة في الانتخابات “غير جائزة قانوناً”. ويذكر الحسيني أنّ المفوضية تجري “تفتيشاً دورياً لمقارّ الأحزاب، للبحث عن السلاح غير المرخص، وفي حال وجوده يجرى تحقيق مع الحزب، أما الفصائل الجهادية لدى الأحزاب فموضوع آخر”.
وضمن هذا الإطار، تعتبر جميع الأجنحة المسلحة لدى قوى الإطار التنسيقي الشيعي “جهادية”، وتملك سلاحاً مرخصاً.
معادلة تخلّ بالتمثيل الشعبيّ
ويربط الباحث في الشأن السياسي الدكتور عائد الهلالي قدرة مفوضية الانتخابات على إبعاد الأحزاب السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعوامل قانونية وسياسية وأمنية.
ويقول لـ”النهار” إن على مستوى القانون، إذا كانت هناك تشريعات واضحة تمنع الأحزاب المسلحة من المشاركة في الانتخابات، فيمكن للمفوضية تنفيذ هذه القوانين، مستدركاً: “لكن على أرض الواقع، قد يكون تطبيق هذه القوانين معقداً نظراً إلى تداخل الأبعاد السياسية. وبالتالي قد تتعرض مفوضية الانتخابات لضغوط من القوى السياسية أو العسكرية، ما قد يؤثر في قدرتها على تنفيذ هذه الإجراءات”.
ويلفت الهلالي إلى أن هذه القضية تحتاج أولاً إلى تعريف “الأحزاب المسلحة”، وكيف يتم تحديد تلك التي تُصنف على أنها تمتلك أجنحة مسلحة، مؤكدا أن “تطبيق ذلك بشكل واسع، قد يؤدّي إلى تقليص كبير لعدد الأحزاب السياسية القادرة على المشاركة، بخاصة إذا كانت بعض الأحزاب الكبيرة أو المؤثرة في الحياة السياسية تملك روابط مع فصائل مسلحة”.
السلاح “الجهاديّ” والسلاح “المتفلّت”
ويرى الهلالي أن إخلاء الساحة الانتخابية لـ”الأحزاب التقليدية والمعتدلة التي لا تملك أجنحة مسلحة أو التي لا ترتبط بمجموعات مسلحة، سيكون له أثر في تمثيل بعض القطاعات الشعبية التي تمثلها الأحزاب المسلحة المبعدة. وهذا التغيير قد يخلق فجوة في التوازن السياسي، ويؤثر على التعددية في الانتخابات القادمة”.
ويتحدث الهلالي عن معادلة السلاح “الجهادي” والسلاح “المنفلت”، قائلاً إنها “تفتح الباب لمناقشات قانونية وسياسية معقدة. إذا كانت المفوضية تميز بين هذين النوعين من الأسلحة، فهذا يعني أن هناك تفرقة قانونية بين “السلاح الجهادي” الذي قد يُعتبر مشروعاً أو قانونياً في سياقات معينة، مثل في حالة الدفاع عن النفس أو محاربة “الاحتلال” أو الإرهاب. وبين السلاح المتفلّت الذي لا يتماشى مع القوانين أو يسبب تهديدًا للأمن”.
ويوضح أنه “إذا كانت كل الأجنحة المسلحة، بما ذلك تلك التي تقع تحت مظلة القوى السياسية الكبرى مثل “الإطار التنسيقي”، تُعلن أنها “جهادية”، فإنّ ذلك يضع المفوضية أمام تحدٍ كبير”، لأنّه “على رغم أنّ هذه الأجنحة قد تحمل صفة “الجهادية”، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها لا تشكل تهديداً للدولة أو للمجتمع، بخاصة إذا كانت هذه الفصائل تشارك في الأنشطة العسكرية أو الأمنية التي قد تكون لها تأثيرات على النظام الديموقراطي”.
المفوّضيّة غير قادرة
ويعتقد الباحث في جامعة جيهان الدكتور مهند الجنابي أن “مفوضية الانتخابات لا تملك أيّ قدرة على استبعاد الأحزاب السياسية المسلحة، حتى في ظلّ توافر اُطر دستورية وقانونية لذلك”، لافتاً إلى أنّ غالبية الأحزاب المسلّحة تسلّلت إلى مجلس النواب منذ انتخابات الدورة التشريعية الرابعة عام ٢٠١٨”.
ويستبعد الجنابي في حديث إلى “النهار”، أن تكون هناك “إرادة سياسية” على مستوى مؤسسات صنع القرار نحو هذا التوجه، معتبراً أن “في حال نجحت المفوضية في استبعاد هذه الاحزاب كاستجابة لأيّ نوع من الضغوط الداخلية أو الخارجية، فإننا سنشهد تنافساً انتخابياً بين العديد من القوى الوطنية المطالبة بالإصلاح الحقيقيّ، وإنتاج برلمان قائم على أساس نتائج الانتخابات، يمارس صلاحياته ومهماته وفق الدستور”.
متى تُجرى الانتخابات؟
إلى ذلك، كشف رئيس الإدارة الانتخابية القاضي عامر الحسيني عن استقبال المفوضية، على مدار السنة، طلبات لتسجيل الأحزاب، مشيراً إلى وجود 319 حزباً مسجّلاً، بينما هناك 46 حزباً قيد التأسيس، وتستعد جميعها للمشاركة في الانتخابات. ورجح أن تجرى الانتخابات في نهاية تشرين الأول/أكتوبر أو بداية شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الحالي.