لن تكون إطالة أمد الحرب في غزة من مصلحة الولايات المتحدة. وصورة الانتصار التي تبحث عنها إسرائيل ستكون مكلفة بالنسبة لأميركا على أكثر من صعيد. ولهذا الاعتبار وغيره، ضغطت إدارة الرئيس جو بايدن من أجل التوصل إلى هدنة أولى ثم ثانية مع مفاوضات لتمديد آخر، يفضي إلى بحث أكثر تفصيلاً في السياسة.
المقاربات الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي التي قامت حتى الآن على إدارة النزاع أخفقت. والدليل على ذلك، الإندلاع المفاجئ للحرب الأخيرة. الأولوية القصوى الآن لبايدن بعد التعاطف والتأييد الإستثنائيين اللذين منحهما لإسرائيل، هو البحث عن وسائل لتبريد الجبهة. وهذا امر لن يحصل من دون الكلام في السياسة.
لا أحد لديه أوهام بأنّ الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية قادرة أو راغبة في الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين. وليس عبثاً تصاعد الحديث في إسرائيل عن الفشل عسكرياً واستخباراتياً في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. هذا قد يبدو من قبيل التمهيد لإزاحة بنيامين نتنياهو الذي يحارب الآن على جبهتي غزة والبقاء السياسي.
وفي الوقت نفسه، يكثر الكلام الأميركي عن ضرورة تجديد السلطة الفلسطينية التي لا تحظى في شكلها الحالي، لا بثقة الفلسطينيين ولا بثقة دولية تجعلها تضطلع بدور أكبر في المستقبل. وإذا كان لا بدّ من التجديد، فإنّ الأمر يتطلّب قيادة جديدة من دون الممانعة في احتفاظ أبو مازن بدور فخري. لا يعفي هذا الولايات المتحدة من مسؤولية إضعاف السلطة الفلسطينية بطرق شتى، على غرار ما فعل نتنياهو طوال 12 عاماً من وجوده في الحكم.
فهل بدأ الأميركيون يدركون الأخطاء التي ارتكبوها عندما مضوا في مسايرة إسرائيل أكثر من اللازم على حساب حقوق الفلسطينيين، وعلى حساب إيجاد تسوية عادلة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، عوض الإكتفاء بإدارة هذا الصراع والانصراف إلى ما اعتبروه قضايا إستراتيجية أهم للأمن القومي الأميركي، مثل منع روسيا من استعادة نفوذها العالمي، والعمل بكل قوة لاحتواء الصعود الصيني.
الآن، يكتشف الأميركيون فداحة الخطأ الذي ارتكبوه عندما تقاعسوا عن الضغط على إسرائيل كي تقبل بحل الدولتين، فكان في إمكانهم تفادي حروباً في الشرق الأوسط مثلما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
لقد استسلم الأميركيون لإغراء هدوء كان يختزن تحته كل جمر النيران التي تندلع اليوم. وإذا لم تكن غزة التي ستنفجر فإنّ السياسة الإسرائيلية كما يمارسها عتاة اليمين المتطرّف قومياً ودينياً، كانت ستقود إلى انفجار في الضفة أو في مكان آخر من الشرق الأوسط.
يتحدث المسؤولون الأميركيون عن ضرورة لجم إسرائيل للمستوطنين، وكأنّ هؤلاء ظهروا فجأة، ولم يكونوا يعتدون قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) على الفلسطينيين في الضفة الغربية ويصادرون الأراضي وينغصون الحياة اليومية للفلسطينيين على أرضهم، وما حدث في حوارة وغيرها من بلدات الضفة، كيف قابلته الولايات المتحدة بغير بيانات فضافضة لا تقدّم ولا تؤخّر. وهذا ساهم بشكل غير مباشر في تمهيد الأرضية لانفجار السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
وإذا كانت الحرب الحالية قد حرّكت المياه الراكدة في أزمة عمرها 75 عاماً، فإنّ مسؤولية أميركا أن تبحث عن حلّ فعلي، وألاّ تكتفي بالكلام عن حلّ الدولتين من دون أن تبادر إلى فعل شيء ما للوصول إلى هذا الحل.
اليوم، يحظى بايدن بفرصة لم يحظ بها رئيس أميركي من قبل، وهي أنّ لأميركا اليوم اليد العليا في الضغط على إسرائيل. ونتنياهو الذي كان يفاخر دوماً بأنّه الوحيد القادر على حفظ أمن إسرائيل، أخفق في هذه المهمّة، والولايات المتحدة هي التي سارعت إلى إنقاذ الدولة العبرية في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من أقسى هزيمة عسكرية واستخباراتية ونفسية تتعرّض لها.
القرار اليوم في يد أميركا والفرصة سانحة كي تبادر، وإلاّ فإنّ حرباً أخرى أشدّ هولاً ودماراً تنتظر الجميع على الأبواب.