يؤكّد اجتماع الرياض بين وزيري الخارجية الأميركي ماركو روبيو والروسي سيرغي لافروف أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعتمد إعادة ترتيب العلاقات مع موسكو، منطلَقاً للبحث عن تسوية سياسية للنزاع الأوكراني.
يؤكّد اجتماع الرياض بين وزيري الخارجية الأميركي ماركو روبيو والروسي سيرغي لافروف أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعتمد إعادة ترتيب العلاقات مع موسكو، منطلَقاً للبحث عن تسوية سياسية للنزاع الأوكراني.
خيار ترامب الذي صدم الزعماء الأوروبيين، الذين تداعوا إلى اجتماع طارئ في باريس على عجل، الإثنين، يرون أن ترامب يسرّع المسار الأوكراني إلى حدّ أن الرئيس الروسي قد يجني على طاولة المفاوضات أكثر ممّا جناه في الحرب، التي تقترب من استكمال عامها الثالث بعد أيام.
الاندفاع الأميركي نحو روسيا جعل الأوروبيين يهبّون إلى التقدّم بمبادرة تتضمن المشاركة الأوروبية في ترتيبات أمنية داخل أوكرانيا في سياق أي تسوية سياسية، لكنّهم اشترطوا الحصول على تعهدات أميركية بضمان هذه الترتيبات.
لا يخفي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظراؤه الأوروبيون انزعاجهم من تجاوز واشنطن لهم، والذهاب من دون كييف والاتحاد الأوروبي، إلى حوار الرياض. وتراودهم من دون شك خشية من فرض يالطا أميركية – روسية على حساب العلاقات بين ضفتي الأطلسي، التي كانت ركيزة النظام الأمني الأوروبي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وما سمعته الوفود الأوروبية في مؤتمر ميونيخ للأمن من نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، معطوفاً على ما قاله وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث في اجتماع وزراء الدفاع لحلف شمال الأطلسي “الناتو” في بروكسيل، الأسبوع الماضي، لا يطمئن أبداً إلى مستقبل العلاقات الأميركية – الأوروبية. والحريّ الإشارة هنا إلى الاستياء الأوروبي، الذي تولّد جراء تصميم ترامب على شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، العضو في “الناتو” وفي الاتحاد الأوروبي. كلّ هذا والجانبان يعدّان لحرب تجارية وشيكة بينهما.
منذ أقلّ من شهر على تولّيه منصبه، وترامب يُلقي بالمفاجأة تلو الأخرى، سواء في ما يتعلّق بإعادة ترتيبه الداخل الأميركي أم على صعيد طرح رؤى للسياسة الخارجية تترك العالم في صدمة من اقتراحات غير مألوفة.
وعلى غرار اقتراح تملّك غزة وتحويلها إلى منتجعات سياحية، يمزج ترامب رؤيته للحلّ في أوكرانيا بالنزعة التجارية عندما يطالب بوضع اليد على المعادن الثمينة الموجودة في “الأتربة الأوكرانية”، وكذلك عندما تتضمن أول محادثات بين روبيو ولافروف، وفق ما يقول الكرملين، إزالة حواجز التجارة والاستثمار بين روسيا والولايات المتحدة. ووجود رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي كيريل ديميترييف، ضمن أعضاء الوفد الروسي، يفترض أن البعد التجاري ليس غائباً عن جدول اجتماع الرياض. وهذا سبب انضمام المبعوث الشخصيّ لترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، قطب العقارات الموثوق من الرئيس، إلى الوفد الأميركي. ويقدّر ديميترييف خسائر الشركات الأميركية بـ300 مليار دولار، بسبب مغادرتها السوق الروسية في السنوات الثلاث الأخيرة.
ويضع ترامب لترميم العلاقات مع روسيا بعداً أوسع من الملف الأوكراني وانعكاساته، ليصل إلى المواجهة الاستراتيجية مع الصين. فهو يرى أن الحرب في أوكرانيا والمقاطعة السياسية والاقتصادية الشاملة، التي فرضها الغرب على روسيا، جعلاها ترتمي كلياً تقريباً في الحضن الصيني، وهذا يقوّي موقع بكين اقتصادياً وسياسياً. لافت جداً إعلان بكين، الإثنين، أن الحلّ الأوكرانيّ يجب أن يكون بمشاركة جميع الأطراف.
وهذا ما يفسّر استعجال الإدارة الأميركية الجديدة إلى قلب سياسة الإدارة السابقة رأساً على عقب. ومعلوم أنه لم تجر أيّ اتصالات علنية بين المسؤولين الأميركيين والروس منذ نحو ثلاثة أعوام.
وعلى رغم وصف البيت الأبيض اجتماع الرياض بأنه “محادثات أوليّة” لمعرفة مدى التزام روسيا بحلّ جدّي في أوكرانيا، فإن هذا لا يهدّئ كثيراً من روع زيلينسكي والأوروبيين. ومن خلال اقتراح الضمانات الأمنية في التسوية المفترضة، تكون أوروبا قد تقدّمت خطوة إلى الأمام على صعيد لفت نظر ترامب إلى أنها مستعدة للمشاركة في صوغ مستقبل أوكرانيا وتالياً مستقبل الأمن الأوروبي ككل.
العلامات الدالة
ماركو روبيو ، سيرغي لافروف ، الرياض ، الاتحاد الاوروبي