تؤكّد لـ”النهار” ناشطة من طرطوس أن عضو اللجنة التحضيرية هند قبوات فوّضت سيدة بتوجيه دعوات إلى من تعتقد أن لهنّ اهتمامات بالشأن السياسي والحقوقي.
استهتار في التنظيم، فوضى في توجيه الدعوات، غياب للتمثيل، واستعجال في الطرح، هذه أبرز السمات التي لمسها المدعوون إلى الاجتماعات التأسيسية، التي عقدتها “اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار السوري”، في ثلاث محافظات هي حمص واللاذقية وطرطوس، يومي الأحد والإثنين. وقد دفع ما سبق هؤلاء إلى وصف الاجتماعات بأنها “شكلية”، ومجرّد واجهة للدلالة على مشاركة الناس في آرائهم.
من وجّه الدعوات، ومتى؟
تشكّلت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار السوري يوم الخميس بقرار من رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع. وأصدرت اللجنة بياناً، وعقدت مؤتمراً صحافياً في اليوم نفسه. لكنّها لم تضع برنامجاً للعمل، ولا أجندة للاجتماعات. لذلك فوجئ ناشطون ومواطنون في حمص عندما علموا، السبت، أن أول اجتماع لهذه اللجنة سوف يعقد في مدينتهم، يوم الأحد صباحاً! وتكرّرت المفاجأة ذاتها أيضاً في طرطوس واللاذقية اللتين شهدتا الاجتماع يوم الإثنين من دون إعلان مسبق.
في البداية، لم يعلم أحد من المدعوّين من هي الجهة التي اختارت أسماءهم ووجهت إليهم الدعوات، إذ إن عدداً منهم تلقى اتصالات هاتفية، بينما وصلت إلى آخرين بطاقات دعوة عبر الماسنجر، وفق ما أكد لـ “النهار” عدد من المدعوين في هذه المحافظات، من بينهم الناشطة نغم سلمان، والمحامية أريج غانم، والناشطة نسرين علي، والصحافي والناشط السياسي كمال شاهين، وكذلك الناشط علاء موسى.
وقالت نغم سلمان لـ “النهار”: “لم أتوقف شخصياً عند إشكالية اللون الواحد للّجنة التحضيرية، لأن دور اللجنة هو التنظيم وليس التمثيل”. لكنها أضافت: “وصلتني صباح الإثنين دعوة عبر تطبيق ماسنجر لحضور جلسة في طرطوس، علماً أن الشخص الذي وجه الدعوة إليّ مقيم في الخارج، ولا أعلم ما هي صفته التي خوّلته توجيه الدعوة”، لافتة إلى أنها تلقت الدعوة قبل ساعة واحدة من انعقاد الجلسة.
ووفق عضو اللجنة التحضيرية هدى أتاسي، فإن اللجنة فوّضت المحافظين وممثلي الإدارة السياسية اختيار أسماء المدعوين، علماً أن الإدارة السياسية يفترض أنها تتبع “هيئة تحرير الشام”، التي حلّت نفسها، فما علاقة الإدارة السياسية بمؤتمر الحوار كي تتولّى تحديد أسماء المدعوين ودعوتهم؛ وهي جهة تابعة لفصيل منحلّ، وليست من مؤسسات الدولة، إلا إذا كان تقرّر دمجها في هذه المؤسسات من دون إعلان ولا نشر قرار.
كذلك تبيّن أن نموذج بطاقات الدعوة لكل محافظة كان مختلفاً عن نماذج بقية المحافظات.
دعوات غير شخصية
تؤكّد لـ”النهار” ناشطة من طرطوس أن عضو اللجنة التحضيرية هند قبوات فوّضت سيدة بتوجيه دعوات إلى من تعتقد أن لهنّ اهتمامات بالشأن السياسي والحقوقي.
وقالت الناشطة نسرين علي لـ”النهار”:” تلقيت الدعوة أمس (الأحد) مساء من ابنة عمي، التي تربطها علاقة صداقة بالسيدة هند قبوات، التي فوضتها توجيه دعوات إلى سيدات ناشطات.
وذكرت لـ “النهار” ناشطة من حمص (رفضت الكشف عن اسمها) أن كلاً من هدى أتاسي وهند قبوات قامتا بتوزيع دعوات على بعض الناشطات، بصفتهما ممثلتين عن المجتمع المدني.
ورغم تحديد أسماء المدعوين وتوزيع دعوات بناء على ذلك، بصرف النظر عن الطرق غير اللائقة في توجيه الدعوات، تبيّن أنه ليس هناك تدقيق في أسماء الحاضرين عند الدخول إلى قاعة الاجتماع، ولم يطلب من أحد إبراز بطاقة دعوته.
المحاور وإشكالية الوقت
سوء التنظيم، والفوضى التي شابت توزيع الدعوات، خصوصاً قبل وقت قصير من بدء جلسة الاجتماع، كان لهما دور في عدم تمكن المدعوين من تحضير مداخلاتهم وفق ما يرغبون. وقد انعكس ذلك على محتوى الاجتماع ومستوى التفاعل فيه، فبدت الاجتماعات “مسلوقة” على حدّ تعبير أحد النشطاء، في إشارة إلى ضرورة إنجاز العمل من دون وجود وقتٍ كافٍ.
وقال لـ “النهار” الصحافي كمال شاهين، الذي حضر اجتماع اللاذقية: “شكلياً، أتيحت الفرصة للمشاركين لتقديم مداخلات قصيرة (المدة دقيقتان أو أكثر لكل مداخلة) بكلّ احترام، تناولت قضايا متنوعة. لكن، وبصراحة، غابت إلى حدّ كبير الملامسة الجادة لمحاور اللقاء المفترضة. وباستثناء بضع محاولات عاجلة، لم نرَ إضافة نوعية أو تعمقاً في القضايا المطروحة.
وقد حددت الجلسة بمدة ساعتين، وهو وقت غير كافٍ على الإطلاق، ولا يتيح الحديث إلا لعدد قليل من الحاضرين، مما جعل حضور الباقين لمجرد الفرجة والاستماع من دون أي مشاركة حقيقية”.
قصور في التمثيل وحضور رجال النظام السابق
وكأيّ شيء آخر في هذه الاجتماعات مشوب بالفوضى وغياب الشفافية، لم تكن معايير توجيه الدعوات واضحة ولا محددة، وهو ما ظهرت نتائجه بمستوى التمثيل، الذي يعبر عنه الحاضرون، إذ تكررت الوجوه والشخصيات التي كانت لدى النظام البائد، باستثناء بعض الوجوه الجديدة. وفي شهادة تكاد تكون مشتركة بين العديد من الحاضرين كان “الحضور النسائي متواضعاً”، كما أن نسبة الشباب كانت بدورها قليلة، بل غير موجودة بحسب البعض.
محصلة الاجتماع
هل كانت هذه الجلسات خطوة حقيقية نحو حوار وطني بناء، أم مجرد استعراض سياسي؟ الجواب، للأسف، يميل إلى الاحتمال الثاني، وفق شاهين الذي أضاف: “سوريا تستحق حوارات أعمق، أكثر جدية وتركيزاً، وأكثر ملامسة لهموم الناس الحقيقية”.
وقالت الناشطة نسرين علي: “لم أحسّ بأن لقاء اليوم بمعظم أطروحاته والشخصيات الحاضرة يؤسس لعقد مؤتمر وطني يلبي تطلعات السوريين ببناء دولة المواطنة والعدالة والحرية”.