علاقة أبوظبي وواشنطن تتجاوز الشراكة الدفاعية التقليدية لتدخل في مجال التقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي الذي تراهن عليه الإمارات كثيراً، و”تجد في أميركا الشريك العالمي الذي يعتد بشركاته
تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو للإمارات العربية المتحدة ولقائه رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في ظل فوضى إقليمية خلفتها الحرب في الشرق الأوسط منذ تشرين الأول / أكتوبر 2023، واتفاقات هشة لوقف النار، وبالتزامن أيضاً مع طرح قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بات معروفاً باسم “ريفييرا ترامب”، ويقضي بتهجير أهالي غزة والاستيلاء على القطاع الفلسطيني، في ظلّ رفض عربي جامع له، والحديث عن حلّ بديل ستقدمه الدول العربية في القمة الطارئة المرتقبة بالقاهرة في 4 آذار / مارس المقبل، والتي يسبقها قمّة مصغّرة تستضيفها السعودية غداً الجمعة بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جانب مصر والأردن، لمناقشة الردّ على المقترح.
وللزيارة شقان رئيسيان، أحدهما مرتبط بالوضع الإقليمي وترتيباته والمخاوف من انفجاره مجدداً، والآخر بتطوير العلاقات الثنائية بين واشنطن وأبوظبي إلى مستويات متقدّمة. وهي تأتي في ختام جولة روبيو الشرق أوسطية التي بدأها في إسرائيل ومنها توجّه إلى السعودية، ومنها إلى الإمارات.
رسالة حاسمة بشأن غزّة
ويصف الأكاديمي الإماراتي د. عبدالخالق عبدالله الزيارة بأنّها “مهمة جداً”، مشيراً إلى أنّ “وجود روبيو في أبوظبي دليل على حرص الولايات المتحدة على تعميق العلاقة بين واشنطن وأبوظبي وعلى تقدير خاص للإدارة الأميركية الجديدة للإمارات وللاستماع إلى رأيها بما يجري حالياً في المنطقة، وخاصة في ما يتعلّق بالملفّ الفلسطيني وغزّة”.
ويقول عبدالله لـ”النهار”: “ربما حصل وزير الخارجية الأميركي على رسالة ينقلها من رئيس الإمارات إلى نظيره الأميركي، وقد سمعنا فحوى هذه الرسالة في ما يتعلّق بفكرة تهجير سكان غزة”. ويضيف أنّ بن زايد “كان واضحاً وحاسماً وصلباً في الإعلان عن موقف الإمارات في أنه لا لتهجير سكان غزة ولا لتهجير فلسطيني واحد من أرضه، والإمارات ثابتة على موقفها أنه لا للمساس بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة”، لافتاً إلى أنّ “واشنطن تستمع باهتمام خاص للرسالة الإماراتية”.
وتنسّق الإمارات مع أربع دول عربية أخرى، وهي مصر الأردن والسعودية وقطر بشأن غزة وما بعد الحرب والموقف العربي من طرح ترامب، خاصة بوجود معضلة حقيقية في إدارة أكبر نكبة تعرّضت لها غزة في التاريخ، إذ ثمة أكثر من مليونَي فلسطيني يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة جداً ويفتقرون إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
ويقول عبدالله: “لا يوجد خلاف أبداً على كيفية التعامل مع هذا الأمر من الناحية الإنسانية”، مذكّراً بالدور المتقدّم الذي لعبته أبوظبي بتقديم أكبر قدر ممكن من الإغاثة إلى غزة، حتى وصلت نسبة المساعدات الإماراتية إلى الغزيين إلى 42% من إجمالي المساعدات الإغاثية.
ومن الناحية الأمنية والسياسية، يؤكّد الأكاديمي الإماراتي وجود “توافق بشأن رفض التهجير، وإدارة غزة من قبل السلطة الفلسطينية أو لجنة فلسطينية وطنية مستقلة”. ويضيف: “عندما تتشكل هذه اللجنة، فالإمارات مستعدة لإرسال قوّة حفظ سلام إلى غزة، وهذا موقف رسمي مُعلن، وربما يكون هناك دور لمثل هذا الحضور الإماراتي لحفظ الاستقرار والأمن” في القطاع الفلسطيني.
الحرب أو السلام
وفي ظلّ تسارع الأحداث في المنطقة، والضربات التي تبادلتها إيران وإسرائيل العام الماضي، وتهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باستهداف المنشآت النووية الإيرانية وما رافقها من تسريبات استخباراتية في السياق نفسه، ما يُهدّد ربّما بإشعال فتيل الحرب مجدداً في الشرق الأوسط، كان لا بدّ من تبادل وجهات النظر ومناقشة هذه التطورات بين الجانبين الأميركي والإماراتي.
وفي هذا السياق، يقول عبدالله إنّ هناك مسارين محتملين للأحداث: “الأول أن يهاجم نتنياهو المنشآت النووية الإيرانية، وهذا أمر لا بد من البحث فيه واتخاذ الاحتياطات تجاهه، حتى لو بدا في الوقت الحاضر أن هذا السيناريو ضعيف في المشهد الإقليمي خلال 2025… أما الثاني فهو مشهد سلام عوضاً عن الحرب، ومرتبط بدفع الإدارة الأميركية الجديدة لمسار التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وربما دول خليجية وعربية أخرى، وهو أمر محتمل بنسب كبيرة، وأعتقد أن ترامب يريد أن يدخل التاريخ على أنّه صانع سلام، وأفضل مدخل لصناعة السلام والاستقرار في المنطقة أن يسعى لترتيب ما عجزت إدارة الرئيس جو بايدن عن تحقيقه”.
أُسس جديدة… وذكاء اصطناعي
وبعيداً من الملفات الإقليمية، كان للعلاقات الثنائية بين البلدين نصيبٌ وافرٌ من المحادثات بين الجانبين الأميركي والإماراتي، فزيارة روبيو تؤكّد مجدداً حُسن سير هذه العلاقات. لا يخفي عبدالله “حدوث فجوة ومطبات في لحظة ما” بين الإمارات وإدارة بايدن، لكن الرئيس محمد بن زايد، وخلال زيارته الأخيرة لواشنطن في أيلول / سبتمبر 2024، أسّس لعلاقة حديثة قائمة على “مبادئ جديدة” تتجاوز النفط وتتجاوز أيضاً فكرة الأمن والدفاع، لا بل ذهبت بعيداً إلى استعداد للارتقاء بوضع الإمارات إلى مصاف الشريك الدفاعي الأول، وهذا مستوى جديد من العلاقات.
وكذلك، فإنّ علاقة أبوظبي وواشنطن تتجاوز الشراكة الدفاعية التقليدية لتدخل في مجال التقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي الذي تراهن عليه الإمارات كثيراً، و”تجد في أميركا الشريك العالمي الذي يعتد بشركاته”، يقول عبدالله.
ومن هنا نحن أمام منعطف في العلاقات الأميركية – الإماراتية، وزيارة روبيو تُرسّخ هذا العهد الجديد، الذي يتجاوز العلاقة والشراكة الثنائية إلى عمق استراتيجي ربّما تجاوز ما كان قائماً في السابق.