بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، يتصاعد الجدل في وسائل الإعلام السورية ولا سيما رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تدفق الكثير من الأخبار المضللة يومياً التي تحض على الكراهية بين مكونات الشعب السوري.
ومع استمرار الهجمات التركية على مناطق شمال شرقي سوريا وعدم التوصل لتوافقات مع دمشق حتى الآن، تساهم هذه الأخبار التي تفتقد إلى المصداقية أو وجود مصادر رسمية لها، بتصعيد نبرة التحريض وسط غياب الرقابة للحد منه.
“آثار كارثية”
يقول الصحفي هيبار عثمان، إنه “مع سقوط النظام السابق خرج عدد من الصحفيين والنشطاء على التواصل الاجتماعي بنشر أخبار كاذبة ومضللة ساهمت بنشر خطاب الكراهية بين المكونات الدينية والعرقية والقومية في سوريا، واستمراره سيكون له آثار كارثية على عموم البلاد”.
ويشدد الصحفي الكردي السوري الذي يعمل لصالح قناة الحرة الأميركية، على أنه من الممكن أن يساهم خطاب الكراهية في “حرب أهلية بين مكونات الشعب السوري والتسبب بإراقة الكثير من الدماء إذا لم يتم وضع حد له”.
واستشهد “عثمان” بالدور السلبي لوسائل الإعلام في التحريض أثناء الحرب الأهلية في رواندا في تسعينيات القرن الماضي والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص.
ويرى الصحفي السوري ضرورة تكاتف الجميع سواء رجال الدين أو منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية لوضع حد لخطاب الكراهية وكذلك إصدار تشريعات رادعة لمعاقبة تلك الوسائل الاعلامية التي تقوم بنشر أخبار كاذبة وممارسة نوع من الرقابة على تلك المؤسسات ووسائل الاعلام المرخصة التي تروج لخطاب الكراهية.
كما يرى ضرورة توفير آليات فعالة لمكافحة وسائل التواصل الاجتماعي التي تحض على خطاب الكراهية من خلال الابلاغ على تلك المؤسسات، على حد تعبيره.
وتنقسم أشكال خطاب الكراهية في سوريا إلى التحيز الاعلامي ونشر الأخبار الكاذبة والمظللة التي تنشرها وسائل الاعلام تتبع أجندات معينة للدول الاقليمية التي تمول هذه الوسائل الاعلامية، مما تدفع هذه الوسائل بنشر اخبار كاذبة ومنحازة تعزز خطاب الكراهية ضد مكونات بعينها في سوريا، وفق عثمان.
ويضيف أن “هذه الاخبار الكاذبة تركز على فئات معينة من الشعب السوري (..) للأسف مواقع التواصل الاجتماعي باتت بيئة خصبة لهذه الأخبار المضللة وخاصة منصات تفاعلية مثل تيك توك وإنستغرام وفيسبوك ويوتيوب، نرى موجة كبيرة من خطاب الكراهية سواء تلك المتعلقة بالخلافات الكردية والكردية أو التي تندرج ضمن السياق السوري نفسها”.
يعيق التواصل والحوار
يقول مسعود محمد، وهو رئيس شبكة الصحفيين الكرد السوريين، إن “خطاب الكراهية في الإعلام السوري يُعد من القضايا الحساسة التي تؤثر على النسيج السوري المكون من عرقيات وديانات وطوائف مختلفة والذي بدوره يؤدي إلى زيادة الفجوات بين المناطق المختلفة وخاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد”.
ويشير إلى أن منصات التواصل الاجتماعي ساهمت بدورها في تعزيز خطاب الكراهية ضد بعض المكونات السورية.
ويضيف مسؤول النقابة الصحفية أن “نشر الكراهية تهدد بنشوء صراعات عنيفة على المدى القريب ويهدد بدوره الأمن والاستقرار بالمنطقة، علاوة إلى أنه يضعف الحوار بين المكونات السورية ويهدد السلم الأهلي ويعيق أي محاولات للتواصل أو الحوار بين فئات المجتمع”.
ويشكل خطاب الكراهية في وسائل الاعلام ومواقع التواصل بشكل جلي في الآونة الأخيرة إلى زيادة الانقسامات في المجتمع، مما ينذر بمزيد من الصراعات والتوترات بعد 14 عاماً من الصراع في البلاد.
وكانت شبكة صحفيين الكرد السوريين نشرت خلال عامي 2023 و 2024 تقريرين عن خطاب الكراهية وتداعياته في محتوى وسائل الإعلام السورية وتأثيره السلبي في توظيف وسائل الاعلام بشكل مدروس لبث خطاب الكراهية وترهيب الأطراف الأخرى.
ويؤكد محمد أن أهم الحلول لمكافحة خطاب الكراهية يتركز على “تطبيق قوانين تنظم الإعلام وفرض عقوبات على المخالفين، مما يساعد في تقليل التحريض، بالإضافة إلى تعزيز التعليم والتوعية بمخاطر خطاب الكراهية وتبني قيم التسامح والتعايش المشترك بين جميع المكونات في سوريا”.
خلق صورة نمطية
بينما يرى عباس موسى وهو كاتب وصحفي كردي من القامشلي، أن “خطاب الكراهية في وسائل الاعلام السورية مؤسف ولا سيما تصدر من شخصيات وكتاب ومثقفين وغالباً هم من العرب موجهة ضد الكرد كمكون أساسي وليس ضد مكون سياسي أو عسكري وهي في الناتج العام تساهم في الكراهية ضد مكون سوري أساسي”.
ويقول “موسى” لـنورث برس، إن “هذا الخطاب خطير لأنه يساهم في تنافر وتباعد المناطق عن بعضها البعض وأيضاً وخلق صورة نمطية معتمدة على الكراهية ضد الكرد في هذه المرحلة”.
ويلفت الصحفي الكردي أن استمرار خطاب الكراهية “يؤثر على اللحمة والخطاب الوطني (..) للأسف يعتبر الكرد ضحايا للكراهية وأقول الكرد لأن خطاب الكراهية ليس موجه لمنطقة جغرافية معينة بقدر ما هو موجه لمكون واحد”.
ويشدد “موسى” على أن ما ساهم النظام السابق بتكرسيه من تهميش للمناطق ذات الغالبية الكردية “جاءت وسائل إعلامية بعد سقوطه بضح إعلامي بسوية أعلى، لأن اليوم هناك وسائل إعلام كثيرة ومنافذ كثيرة للتعبير عن الرأي وهذه المنافذ سيف ذو حدين”.
ويغيب عن المشهد السوري في الوقت الراهن، آليات واضحة لتنظيم العمل الصحفي والتعامل مع المؤسسات الإعلامية التي من شأنها وضع ضوابط تمنع بث الكراهية والتحريض.
وتعرف الأمم المتحدة خطاب الكراهية في تقرير نشرته عام 2020، أنه ” أي نوع من التواصل، بالقول، بالكتابة أو بالفعل، يستخدم لغة تمييزية تحقيريّة تهجّمية عند الإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويّته، أي بعبارة أخرى على أساس دينه أو عرقه أو جنسيته أو لونه أو نوعه الاجتماعيّ أو أي عامل آخر يحدّد هويّته”.
تحرير: خلف معو