افتحوا نوافذكم وقلوبكم على الجهات الأربع، ستجدوا الكثير ممن يشبهكم في الجغرافيا السورية، ممن كنتم تظنون أنهم في خندق آخر، سترون انكم لستم مجرد فرد حائر في متاهات المشهد الراهن، أو تائه في زواريب العالم الافتراضي، بل جماعة يمد كل فرد فيه الآخر بالارادة والقوة.
لابد أن تخرج الثقافة السياسية في سوريا من دائرة التوصيف المغلقة، واجترار ذات الخطاب، الى فضاءات التحليل والتفسير، من خلال قراءة مقدمات وتفاعلات أي حدث، واتجاه تطوره، وموازين القوى في كل مرحلة، ولا بد أن تخرج هذه الثقافة من قوقعة اللاشعور المثقلة بالقهر والقلق والتوجس، الى رحاب الواقع المتحلاك والمتغيّر الذي لاينتظر أحداً.
السياسة علم، وكل علم له قوانينه ومقولاته وأدواته، أما ردود الأفعال والمشاعر والعواطف والرغبات، فهي مكمّلات وجدانية قد تمد الموقف السياسي الصحيح بالزخم، ولكن لاتحل محله، فعندما لايقترن ماهو وجداني مع القراءة العلمية المجردة غالباً ما يتحول الى اداة تعمية وتوريط، قد تدفع من يتبناها الى المهالك.
من يقرأ الاحداث السياسية انطلاقاً من وقائع مدينه أو طائفه او قوم او دين سيرى الواقع من زاوية واحدة، لاتسمح له برؤية الحدث كاملاً وبالتالي سيكون التفسير قاصراً، وتالياً المهام الملموسة خاطئة.
ما لم تتجاوز الثقافة السياسية في سوريا الثنائيات الوهمية لن تنتج شيء، بل على الارجح تصبح أداة تضليل بغض النظر عن النوايا:
– مَنْ ينتقد السلطة الحالية، لايعني إنه مع السلطة السابقة.
– مَنْ يحمّل السلطة الساقطة مسؤولية ما حدث، لايعني إنه يسبّح بحمد السلطة الجديدة.
– أن تدعو الى العلمانية، لايعني إن مهمتك الاشتباك مع المقدس الديني.
– من يرفض نظام المحاصصة الطائفية والقومية، لايعني انه ينكر التعدد القومي والديني في البلاد وضرورة حل هذه المشكلة.
– رد الفعل الميكانيكي على سياسة الخصم، لايعني إن موقفك صحيح، بل يضعك غالباً في خدمة ذاك الخصم.