بدعوة مشتركة من “مركز الخليج للأبحاث” في الرياض، و”مركز دراسات الخليج” في جامعة الكويت، التأمت ندوة علميّة، الخميس الماضي، ضمّت متخصصين رسميين وأكاديميين، من أجل درس ورقة اعتمدها مجلس التعاون بعنوان “رؤية مجلس التعاون لدول الخليج العربية للأمن الإقليمي” ومناقشتها، وهي صدرت بعد مشاورات تمّت العام المنصرم.
الورقة منشورة على موقع مجلس التعاون الرسمي – للمهتمّين بالاطلاع عليها – وما سوف يأتي هو انطباع كاتب هذه السطور عن مجمل ملاحظات المشاركين.
في النقاش تبيّن أن أيّ ورقة تكتب في وقت ما، تتسارع الأحداث حول موضوعها في عصرنا تسارعاً غير مسبوق، وفق ما قال رئيس وزراء بريطانيا العمالي في وسط السبعينيات من القرن الماضي هارولد ولسون: “أسبوع في السياسة فترة طويلة”!
لقد تسارعت الأحداث في السنوات القليلة الماضية فقلبت الكثير من المفاهيم الدولية بشأن الأمن الوطني والإقليمي، وبخاصة في الشهور الإثني عشر الماضية. لقد تحطّمت ربما من دون أيّ احتمال للإنقاذ قواعد دولية شبه صارمة، توافقت عليها الأمم بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن لا يبدو أن هناك قواعد جديدة. العالم في مرحلة اللايقين القانوني والسياسي، وقد تبدّلت قوة القانون بقانون القوة.على الساحة العالمية يبدو أن هناك صفقة في الأفق، بين الولايات المتحدة وروسيا، تقضي بالسماح للأخيرة، بشروط مخففة، بأن تقضم جزءاً من أراضي أوكرانيا، والحجج جاهزة، وهناك خلاف بين الحلفاء الغربيين وصل إلى حد التنازع اللفظي في المؤتمرات الدولية، وهناك تسامح دولي مع إسرائيل للتمدّد إلى ما بعد حدود جنوبي لبنان، وإلى ما بعد حدود الجولان السوري، في منطقة هلامية لم تستقرّ بعد.وفي الشرق الأوسط حروب امتدّت طويلاً، وتغيير في الأنظمة، وصراع شبه ظاهر وشبه خفي بين المشروع السياسي الإيراني، وبين طلب الاستقرار والتنمية في المشروع الآخر. وفي عهد الصفقات الكبرى، لا بدّ من التحوّط الواعي لما يمكن أن يحدث في صفقات أخرى، إذ تبدو العلاقات الدولية كأنها سوق عقار لا أكثر، حيث المساومة والمصلحة هما اللتان تسودان في نهاية الأمر.
ومع التدمير الذي حصل في غزة، وسوريا، ولبنان، واليمن، وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط، فإن العبء المالي سوف يقع في الأغلب، من أجل الإعمار، على دول الخليج؛ وبهذا تفقد جزئياً قدرتها على التنمية الداخلية.من هنا، فإن بناء منظومة ردع خليجية جادة لاتقاء الأسوأ، جراء تلك التحولات العاصفة على الساحة الدولية، هو عين الصواب. ولقد خطت دول الخليج، وفق ما بيّنت الوثيقة، خطوات إيجابية، وهناك جهد حقيقي لتحديد المهددات العسكرية، البرية والبحرية، والمهددات شبه العسكرية، والمهددات السياسية التي تحيط بدول الخليج، وعوامل تسارعها وطريقة ردعها على قاعدة استراتيجية “عدم الصدام، ولكن مع بناء الردع”.
المناقشات في الندوة المغلقة كانت عميقة ومسؤولة، بيّنت مدى إحساس الجميع بأهمية التعاون الخليجي الوثيق في ظروف متغيرة بشدّة، والركون إلى القوة الذاتية، بدلاً من الإصغاء إلى وعود، سواء أكانت إقليمية أم دولية، وقد تتغير في أيّ لحظة.ربما الأمر الذي شعر به المجتمعون كان قد شعر به المسؤولون، وسمع لديهم، فقد لعبت المملكة العربية السعودية، تعبيراً عن وعي بالأخطار، دوراً إيجابياً في جمع المتناقضين، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، من دون إهمال الجانب الأوكراني، فأشاد الثلاثة علناً بذلك الموقف، كما دعت إلى قمة مصغّرة الجمعة الماضي للنظر في التحولات الإقليمية، وهو نشاط تقوم به دول المجلس دعماً للاستقرار، وبعيداً عن المناكفة، في مرحلة التحولات الكبرى.