منذ انعقاد “مؤتمر النصر” أصبحت مهمة وزارة الدفاع الرئيسية هي التفرغ لموضوع حل الفصائل وتشكيل جيش جديد، من دون انتظار موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وما سيخرج عنه من مقررات أو توصيات، في خطوة عكست حرص السلطة الانتقالية (التي هي قيادة هيئة تحرير الشام سابقاً) على احتكار هذه المهمة.
عندما نالت سوريا الاستقلال 1946لم تكن مضطرة إلى إنشاء جيش جديد، بل ورثت ضباطاً ووحدات من جيش الشرق الذي كان يعمل بإمرة الاحتلال الفرنسي آنذاك. ومع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كان يفترض أن تواجه البلاد موقفاً مماثلاً، لكن “مؤتمر النصر” قرّر حل الجيش السوري وتشكيل جيش وطني جديد. كما قرر حلّ الفصائل المسلحة التي هزمت هذا الجيش في معركة “ردع العدوان”.
ولا يعني حلّ الجيش والفصائل أن إنشاء الجيش الجديد بدأ من النقطة الصفر، وهو ما أقر به رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع عندما ذكر في مقابلة تلفزيونية أن الفرق بين العراق وسوريا هو أن في سوريا كان هناك بديل من الجيش المنحلّ، في إشارة إلى قوات الفصائل.
وباشرت وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال عملها قبل انعقاد “مؤتمر النصر”، واتخذت عدداً من القرارات أبرزها قرار ترفيع 49 ضابطاً الذي وقّع عليه الشرع بصفته القائد العام، وذلك قبل شهر من تفويضه رئاسة البلاد.
احتكار الهيئة وغياب أسس تشكيل الجيش
منذ انعقاد “مؤتمر النصر” أصبحت مهمة وزارة الدفاع الرئيسية التفرغ لموضوع حل الفصائل وتشكيل جيش جديد، من دون انتظار موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وما سيخرج عنه من مقررات أو توصيات، في خطوة عكست حرص السلطة الانتقالية (التي هي قيادة هيئة تحرير الشام سابقاً) على احتكار هذه المهمة وعدم إشراك أحد فيها، وهو ما ظهرت بوادره من خلال قرار الترفيعات الأول الذي تضمن أسماء قيادات من الهيئة أو قيادات فصائل متحالفة معها، لكنه لاحقاً ظهر بشكل أكثر جلاء من خلال معطيات عدة.
وبدأت وزارة الدفاع بسلسلة اجتماعات مع قادة الفصائل للتباحث في حل هذه الفصائل وانضوائها تحت مظلة وزارة الدفاع ضمن الجيش الجديد. وقد تمّ ذلك من دون الإعلان مسبقاً عن أي برنامج لكيفية حلّ الفصائل وتبيان آليات حلّها، كما لم تصدر وزارة الدفاع أي تصريحات بشأن خطتها لإنشاء جيش جديد وما هي أسس هذا الجيش أو عقيدته القتالية أو تعداده المفترض أو المهمات الرئيسية الملقاة على عاتقه، كما لم توضع ضمانات لمنع الجيش من التدخل في السياسة الداخلية أو الخارجية للبلاد.
غير أن هذه الاجتماعات أجريت للتباحث في حلّ الفصائل المسلحة الأخرى. والسؤال مع من تباحثت وزارة الدفاع من أجل حلّ “هيئة تحرير الشام” ودمجها في الجيش الجديد؟
الهيئة لم تحل هيكلها العسكري
أفادت مصادر عدة على اطلاع على تشكيل الجيش السوري الجديد “النهار” أن “هيئة تحرير الشام” لم تحل تشكيلاتها العسكرية، لا سيما الألوية الأربعة التي تتكون منها، إضافة إلى “العصائب الحمراء” التي تعتبر بمثابة القوات الخاصة.
وأكد مصدر ينتمي إلى فصيل مشارك في اجتماعات وزارة الدفاع، أن التشكيلات العسكرية للهيئة ظلت على حالها، أي كتلة واحدة، خلافاً لما تطالب به الفصائل الأخرى، ولاسيما منها الفصائل التي لم تكن متحالفة معها في السابق.
وقال مصدر آخر لـ “النهار” ، وهو عقيد في المكتب الأمني للجهاز السوري لمكافحة الإرهاب، أن ما تغيّر هو نشر تشكيلات الهيئة في مناطق جغرافية مختلفة، لأنها في السابق كانت تنتشر في إدلب فقط. كذلك تغيرت أسماء هذه التشكيلات، إذ تم التخلي عن أسماء الصحابة التي كانت تسمى هذه التشكيلات بها، وأطلق على كلّ منها اسم مختلف.
وبحسب المصدر ذاته، على سبيل المثال أصبحت “العصائب الحمراء” هي فرقة الحرس الجمهوري الجديدة. وكذلك “لواء علي بن أبي طالب”، أحد ألوية الهيئة الأربعة، الذي أصبح يحمل اسم “فرقة دمشق” المكلفة حماية العاصمة.
وكما هو معلوم، فقد تم تعيين أبرز أجنبيين في قيادة “هيئة تحرير الشام” على رأس هذين التشكيلين، فالحرس الجمهوري تولاه العميد عبدالرحمن الخطيب، وهو أردني الجنسية. وتولى “فرقة دمشق” العميد عمر محمد جفتشي، التركي الجنسية.
هيكل وزارة الدفاع غير منظم
وأكد العقيد المذكور لـ”النهار” أن الهيكل القيادي الجديد في وزارة الدفاع غير منظّم عسكرياً على أسس أسلحة واختصاصات مختلفة، بل المعيار الذي بني عليه هو الزعامات السابقة ومناطق توزع قوات الفصائل.
وبحسب المصدر ذاته، فإن هذا الهيكل الجديد تابع عملياً لقيادة “هيئة تحرير الشام” التي احتكرت لنفسها المناصب الرفيعة في قيادة الجيش والأركان، مشيراً إلى بعض الاستثناءات حيث وزّعت بعض المناصب الصورية على بعض قادة الفصائل ولكن من دون إعطائها صلاحيات حقيقية.
“الإخوان المسلمون” لهم دور
وبينما حرصت “هيئة تحرير الشام” على تعيين المقربين منها في قيادة الحرس الجمهوري و”فرقة دمشق”، لوحظ أنها لم تكن بالحرص ذاته في ما خص “فرقة إدلب” التي ولّت عليها العميد محمد غريب، وهو من قيادات “فيلق الشام”. غير أن مراقبين للمشهد العسكري السوري فسروا هذه الخطوة بوجود إيعاز تركي، إذ من المعلوم مدى قرب “فيلق الشام” من “قلب” القيادة التركية، ومن أحد أسباب ذلك هو جذوره الإخوانية.
ويتقاطع تعيين غريب مع ما ذكره المصدر السابق لـ “النهار” من اعتماد السلطة الانتقالية في سوريا على “كادر ضخم من جماعة الإخوان المسلمين”، مشيراً إلى أن “الهيئة أصبحت دولة تتحكم بعقلية الفصيل” وأنه في الواقع “لم يبق دولة ولا مؤسسات، إذ أن كل شيء بات يدار بالتعليمات المباشرة من قيادة الهيئة وأمرائها الشرعيين”.
لا إجماع على تنصيب الشرع رئيساً
وبشأن البلبلة التي صاحبت انعقاد “مؤتمر النصر” وعدم بثّه على الهواء مباشرة، وتأخير إعلان مقرراته، ذكر المصدر الذي أكد أن فصيله يعمل بالتنسيق مع التحالف الدولي، أن سبب ذلك هو أن بعض قادة الفصائل المدعوين إلى “مؤتمر النصر”، من دون أن يسميهم، فوجئوا ببند تنصيب الشرع رئيساً للبلاد، ما أثار خلافات أدت إلى عدم بث وقائع المؤتمر وتأخير إعلان مقرراته.
وتسربت معلومات بعد انعقاد المؤتمر تتقاطع مع ما ذكره المصدر السابق، وذكرت المعلومات المسربة أن الفصائل المقصودة بالكلام السابق هي “جيش الإسلام” و”لواء صقور الشام”، وكذلك العديد من فصائل الجنوب.
ولوحظ أن التعيينات التي أصدرتها وزارة الدفاع لم تشمل أسماء قياديين في “جيش الإسلام”. أما بالنسبة إلى تعيين أبو عيسى الشيخ محافظاً لإدلب، فقد كانت محاولة لاستقطابه لكنه طلب إعفاءه من المنصب، وهو ما حصل.