على غير عادته، وبتغريدة يمكن وصفها بأنها لطيفة، أنهى الرئيس دونالد ترامب الجمعة خدمات الضابط الأعلى رتبة في القوات الأميركية المسلحة، رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون.
“إنه رجل نبيل وقائد بارز”، كتب ترامب في وصف الجنرال الطيّار الذي عينه الرئيس السابق جو بايدن قبل 16شهراً فقط.
الضابط بالنجوم الأربعة كان أول إفريقي أميركي يشغل منصب قائد أحد فروع القوات المسلحة، حين عينه ترامب عام 2020 قائداً لسلاح الجو.
التغيير من رأس الهرم العسكري للبنتاغون نزولاً لم يكن مفاجئاً. مصادر الإدارة الانتقالية كانت أشارت منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي الى توجه لتغييرات في المؤسسة. ومع أن براون أبدى مرونة شديدة في نيته تنفيذ أوامر القائد الأعلى، أي دونالد ترامب، ومنها الإجراءات على الحدود الجنوبية، إلا أن هذا لم يشفع له للبقاء في المنصب الذي شغر بعد تقاعد الجنرال مارك مايلي. والأخير انتهت ولاية ترامب الأولى وهو على خلاف شديد جداً معه، فما أن عاد حتى قرر معاقبته بإزالة صورته الرسمية من البنتاغون وفتح تحقيق في مناقبيته قد يصل الحكم فيه إلى تجريده من ألقاب أو أوسمة.
الخصومة بين السياسي والضابط الكبير وقعت حينها بعدما رفض مايلي تدخل القوات العسكرية في قمع تظاهرات “حياة السود مهمة” التي اندلعت إثر مقتل جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض، في أيار/مايو 2020. براون، من جهته، سجل فيديو من أربع دقائق شرح فيه معنى أن يكون ضابطاً أسود في الجيش الأميركي، وكمواطن. وكتبت “نيويورك تايمز” أن مستشاري ترامب “يشيرون” إلى الفيديو في معرض حديثهم عن أسباب إقالة براون.
وللمفارقة، فإن وزير الدفاع بيت هيغسيث أتبع خطوة رئيسه بإقالة قائدة العمليات البحرية الأميركية الأدميرال ليزا فرانشيتي، التي صارت حين عينها بايدن عام 2023 أول إمرأة تحتل هذا المنصب.
“الإفريقي الأميركي” و”المرأة” ميزتان يمكن لخصوم سياسة التنوع والمساواة والشمول DEI النفاذ منهما إلى التشكيك في أن الضابطين نالا منصبيهما، ليس بسبب كفاءتهما، بل بسبب عرق الأول وجنس الثانية. في كتابه “الحرب على المحاربين”، الصادر العام الفائت، تساءل هيغسيث ما إذا كان براون صار رئيس هيئة الأركان لأنه “أسود”؟ أما فرانشيتي فاعتبر أنها “لا تستحق منصبها وعينت فقط لتسجيل سابقة أنها أول امرأة، مع أن الحرب علاقات عامة، كما أنها لا تدور حول الشمول والأمان والتعاطف”.
هيغسيث أقال أيضاً نائب رئيس أركان القوات الجوية الجنرال جيم سلايف وثلاثة ضباط كبار حقوقيين، يقتصر دورهم على المشورة القانونية لأفرع القوات المسلحة الثلاثة، الجيش والبحرية والجو. هذه الإقالات المتسارعة أشاعت جواً من القلق في البنتاغون حيث ليس عادياً “تطيير” ضباط النجوم الثلاثة. لكن هيغسيث الذي يريد جيشاً ينتصر في الحروب، يرى أن دوره “إعادة الروح القتالية إلى المقاتلين”، في جيش بات “ناعماً وبيروقراطياً ومهووساً بالعدالة الاجتماعية”، وأن “الإفراط في فرض قوانين صارمة جداً على الجنود في الخطوط الأمامية جعل الأعداء يسجلون انتصارات متتالية”.
وزير الدفاع الشاب، ذو الخبرة العسكرية المتواضعة، والآتي من قناة “فوكس” مباشرة إلي البنتاغون، يؤمن بأن “القوة” هي الصفة الوحيدة التي يجب أن تعرف بها الجيوش. هذه في الأساس نظرية رئيسه الذي يستمر في تطهير الإدارات ممن يشتبه في أنهم سيخاصمونه أو أنهم سيبقون على ولائهم للإدارة السابقة. دان كاين، الجنرال المتقاعد الذي سماه خلفاً لبراون، قال إن ترامب التقاه في زيارته للعراق خلال فترته الأولى، وهو جنرال حقيقي وليس “جنرال تلفزيون”. في خطاب له العام الفائت، أشار ترامب إلى أن كاين توجه إليه بالقول: “أنا مستعد للقتل من أجلك سيدي” ، وأنه ارتدى قبعة “ماغا”. لكن أحداً آخر لم يؤكد مزاعم ترامب أن كاين، المعروف بمناقبيته العسكرية وبعده عن السياسة، قد قال ما قال لترامب، أو أنه اعتمر القبعة الحمراء الشهيرة.