تتجلى الحسابات الأميركية للسلام بين لبنان وإسرائيل كجزء من رؤية أوسع لإعادة تشكيل المنطقة، حيث ترى واشنطن وجود إمكان لضمّ لبنان وسوريا إلى “اتفاقيات ابراهام”، بعد الضربات القاسية التي تعرض لها المحور الايراني.
في هذا الوقت تستمر إسرائيل في استهداف الداخل اللبناني بوتيرة متزايدة، بينما تصعّد عملياتها العسكرية في سوريا التي تمرّ بمرحلة تحول سياسي دقيق.
وسط هذه الأجواء، تبرز قضية إعادة إعمار لبنان كملف شائك مرتبط بالاستقرار الأمني والسياسي، في ظل الضغوط الدولية لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما تصدر التصريحات في جلسة الثقة التي نالتها حكومة نواف سلام في المجلس النيابي.
ومع نيل حكومة سلام الثقة البرلمانية بأغلبية مريحة (95 صوتاً مقابل 12 معارضاً وامتناع 4 نواب)، برزت بوضوح أولويات الحكومة من خلال البيان الوزاري، حيث تصدرت مطالب حصر السلاح بيد الدولة وتطبيق القرار 1701، إلى جانب التركيز على إعادة الإعمار وإصلاح الاقتصاد المنهار.
وخلال جلسات المناقشة، شهدت ساحة النجمة إجماعاً واسعاً بين القوى السياسية على ضرورة استعادة الدولة سيادتها على قرار الحرب والسلم، وهو ما شكل رسالة واضحة لـ “حزب الله”، مفادها أن احتفاظه بسلاحه لم يعد مقبولاً في المرحلة المقبلة، لا محلياً ولا دولياً.
ومنذ حرب تموز 2006، لم يشهد لبنان دماراً مشابهاً لما تعرضت له مناطقه الجنوبية في الأشهر الأخيرة من القصف الإسرائيلي. مدن وبلدات مثل يارين، مروحين، الضهيرة، وعيتا الشعب وغيرها تحولت إلى أنقاض، بنسبة دمار تراوحت بين 70% و90%، فيما تعرضت البنى التحتية لدمار شبه كامل، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والطرقات.
اليوم، باتت إعادة الإعمار محوراً أساسياً في مسار الحكومة، لكنه مسار محفوف بالشروط، إذ تربط الدول المانحة، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أي دعم مالي للبنان بتطبيق إصلاحات حقيقية، وأبرزها نزع سلاح “حزب الله”. هذا المطلب يشكل عائقاً رئيسياً أمام أي خطة اقتصادية، في وقت تدرك فيه قيادة الحزب أن الرضوخ لهذا الشرط يعني تغييراً جذرياً في ميزان القوى الداخلية.
إلى ذلك، تسعى إسرائيل الى ترسيخ واقع جديد يمنع أي تهديد مستقبلي من لبنان أو سوريا، في حين تحاول الولايات المتحدة استثمار الأزمة الاقتصادية والسياسية اللبنانية لفرض مسار تطبيعي، مستخدمة ملف إعادة الإعمار كورقة ضغط رئيسية. في المقابل، يواجه “حزب الله” معضلة استراتيجية، بحيث لم يعد بإمكانه الحفاظ على سلاحه من دون تكلفة سياسية واقتصادية باهظة، في ظل تزايد الضغط الداخلي والدولي.
اسرائيل بحثت بقصف تشييع نصر الله
في ظل هذا الواقع، كشف رئيس أركان الجيش الاسرائيلي المنتهية ولايته هيرتسي هاليفي أنَّ الجيش الاسرائيلي كان يدرس شن هجوم على تشييع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم 23 شباط الجاري في بيروت.
كلام هاليفي جاء هذا الأسبوع خلال لقاء عقده مع طلاب فرقة المشاة الأولى الاسرائيليية بحضور مدنيين.
وألمح هاليفي إلى أن الجانب الاسرائيلي لم يحسم أمره بتنفيذ هجوم على تشييع نصر الله، علماً أن الطائرات الاسرائيلية كانت تحلق فوق بيروت.
الحسابات الأميركية
وبرزت التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، التي حملت تفاؤلاً بإمكان انضمام لبنان وسوريا إلى “اتفاقيات إبراهيم”، بعد التطورات الأخيرة التي أثرت على النفوذ الايراني في البلدين. هذه التصريحات ترافقت مع ضغوط سياسية أميركية على لبنان، مستفيدة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والانقسامات الداخلية، لفرض مسار سياسي جديد تحت مظلة السلام مع إسرائيل.
تصعيد إسرائيلي في لبنان وسوريا
وكثّفت إسرائيل استهدافاتها للبنان وسوريا، حيث لم تكتفِ بالقصف الجوي الذي طال مناطق البقاع والجنوب، بل أقدمت أيضاً على اغتيال عناصر بارزة في “حزب الله”، إضافة إلى استهداف الصحافيين خلال توثيقهم للأشغال الاسرائيلية على الحدود.
واستهدفت مسيرة اسرائيلية بعد ظهر أمس سيارة في بلدة القصر الحدودية في الهرمل. وأفيد عن مقتل العنصر في “حزب الله” مهران نصر الدين وسقوط جريح في الغارة.
أما في سوريا، فقد شنت إسرائيل سلسلة غارات استهدفت مواقع عسكرية في دمشق وريف درعا، في تصعيد اعتبره الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط محاولة إسرائيلية “لإشعال فتيل التوتر” والافادة من التغيرات السياسية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
الأمم المتحدة تشدد على الاصلاحات
في بعبدا، شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير المعاون لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي هاوليانغ شيو، خلال لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون على “أهمية الاصلاحات والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد”، لافتاً إلى أن “توافر هذه العناصر يؤمّن تمويلاً للاستثمار”.
وأكد “جاهزية برنامج الأمم المتحدة للعمل مع رئاستي الجمهورية والحكومة على تنفيذ الاصلاحات المنشودة ومضمون خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة”.
صندوق فرنسي لدعم إعادة الإعمار
في المواكبة الفرنسية للملف اللبناني، استقبل وزير المال ياسين جابر في مكتبه في الوزارة، سفير فرنسا هيرفي ماغرو في زيارة تهنئة، وعبّر الأخير عن استعداد بلاده لتقديم الدعم المطلق للحكومة ولمقاربتها الإصلاحية، مبدياً جهوزية الدولة الفرنسية لتوفير كل مساعدة في المستويات السياسية والتقنية. وكشف عن اهتمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونيته المساعدة في السعي إلى إنشاء صندوق لدعم عملية إعادة الاعمار، خصوصاً أن لبنان أعلن عزمه على إظهار شفافية في موضوع الاصلاحات.